المواطن الليبي وروماتيزم الطوابير

المواطن الليبي وروماتيزم الطوابير

في ليبيا، أصبح هنالك أمراض جديدة لم يسبق لنا أن تعرفنا عليها. أحد هذه الأمراض هو “روماتيزم الطوابير” والذي يكتسبه المواطن الليبي هذه الأيام من تزايد وقوفه في الطوابير التي تبدأ ولا تنتهي. تبدأ رحلة المواطن الليبي اليومية منذ الصباح الباكر وتمر في عدة طوابير. الطابور الأول هو طابور الخبز. فترى المواطنون يرنمون أنغام الكلمات (أربع فرادي) (عشرة فرادي) (امتا بتطلع الخبزة) وما شابه كما ترنم السيدة فيروز كلمات الصباح مع فنجان القهوة على شرفة المنزل. تراه يراقص كفاه كلما امسك بقطعة خبز ساخنة وكأنما يراقص زوجته على أنغام موسيقى يوهان باخ أو موزارت.

وعندما تنتهي سيمفونية الخبز الصباحية، يعود المواطن الليبي – زوجا كان ام أبا أو أخا – الى المنوال ليضع الخبز ويتناول (على الماشي) فطوره. لماذا على الماشي؟ لأنه اعتاد الوقوف يا عزيزي القارئ!

وبعد طابور الخبز الذي يشبه (صراع الجبابرة) ينتقل المواطن الليبي الى طابور أعظم وأقوى من كل النواحي. انه طابور النقود (الفلوس!). في هذا الطابور تجتمع ليبيا كما لم تجتمع من قبل. فترى الليبيون يأتون من كل المدن والمناطق ومن كل الأحياء ويتجمعون، كل عند نافذة أو باب المصرف الذي يوجد فيه حسابه الجاري الذي يوجد فيه مرتبه النائم منذ شهور في خزنات المصارف، أو كما يدعي البعض، تحت بلاط وداخل وسائد التجار في منازلهم!!

يقف المواطن الليبي ساعات طويلة يوميا أو يوما بعد يوم ما عدا أيام العطلة الرسمية، والتي برأي كان سيقف فيها ان لم تكن عطلة، وينتظر دوره للوصل لنافذة الصراف. عندما يصل يحصل على ليس أقل من 200 وليس أكتر من 500 دينار ليبي. في كلا الحالتين يفرح، فهو لا يبالي كم قيمة المبلغ ولكن يفرح لوصوله الى النافذة وملامسته النقود التي تدخل جيبه بعد ساعات من الوقوف خارج وداخل المصرف والتي جعلت منه منهكا ومريضا جسديا ونفسيا.

هذا المرض، الذي يصاب به المواطن الليبي من وقوفه في هكذا طوابير، هو روماتيزم الطوابير الذي يجعل منه يتوجه الى الصيدلية فور انتهاء الطابور وحصوله على المال لشراء بعض المسكنات لألم الضهر والمفاصل الناتج عن وقوفه في الطابور. فيصبح كالذي ينطبق عليه المثل العربي (تيتي تيتي)!

ولا تنتهي رحلة المواطن الليبي المكوكية حول الطوابير الروماتيزمية هنا، وانما تمتد الى طوابير أخرى في ساعات المساء في محطات الوقود ومخازن الغاز وحتى أحيانا في محلات القهوة (عليكم أن تسألوا الشاب الليبي عن طابور القهوة).

إذا فعلينا أن ننتبه لأنفسنا ونذهب الى العيادات والمستشفيات ونقف في “الطوابير” للحصول على موعد لعمل فحص على أجسادنا التي أنهكت وأصيبت بأمراض الروماتيزم والمفاصل من وقوف الطوابير.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً