إلى عشّاق الحق وحرّاس الفضيلة

إلى عشّاق الحق وحرّاس الفضيلة

د. إبراهيم التركاوي

باحث أكاديمي في الفكر الإسلامي

إلى عشّاق الحق وحرّاس الفضيلة

يا عشاق الحق، وحرّاس الفضيلة، يا من اجتباكم الله لدينه، وشرفكم -من دون الناس- بحمل رسالته.. يا من عناكم الله -عز وجل- بقوله: “وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ..” [الحج: 87]؛ أنتم أشرف الناس، وأعلى الناس، وأغلى الناس، وأعز الناس.

  • فأما كونكم أشرف الناس:

فمن في الناس، نسبه كنسبكم، وكرامته ككرامتكم، وشرفه كشرفكم …؟! إن اعتز الناس بأنسابهم، وافتخروا بألقابهم.. فقد انتسبتم لله بتقواكم، وللسماء بطهركم. فأصبحتم ملائكة الأرض، يباهي الله بكم ملائكة السماء!

لله دره من نسب، رفع بلالا -في الدنيا والآخرة- مكانا عليا، وهو حبشيّ، ورمي أبا لهب، في النار -بعد ما ذمَّه في الدنيا- وهو قرشيّ!

من يضارعكم -نسبا وشرفا- بعد قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ..) [الحجرات: 13].. وكأني بالشاعر، قد عناكم بقوله:

قوم يخالجهم زهو بسيدهم.. والعبد يزهو على مقدار مولاه!

  • وأما كونكم أعلى الناس:

من في الناس، أعلى منكم قدرًا؟! وقد رفع الله بالإيمان قدركم، وبالقرآن ذكركم، وبهدي النبي -صلي الله عليه وسلم- خُلقكم.. (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44].. “لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ” [الأنبياء:10]

فأنتم الأعلون بإيمانكم، وأنتم الأعلون باتباع كتاب ربكم، وأنتم الأعلون بالسير على خطى نبيكم -صلى الله عليه وسلم- إن استعلى الناس بقيم الأرض، فقد استعليتم بقيم السماء!

ألم يقل الله لموسى -وهو في موطن التحدي والمواجهة مع فرعون وجمعه، مذكرا إياه بما عنده، وليس عند غيره: ” قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى”؟! [طه: 68]

وقال لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من صحابته الكرام -رضوان الله عليهم- بعد ما مسهم القرح في أُحد، مذكرا إياهم بما عندهم، وليس عند غيرهم: “وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”؟! [آل عمران: 139]

  • وأما كونكم أغلى الناس:

فمن في الناس، يقوى على شرائكم؟ ومن يستطيع أن يساوم على بيّعكم؟! إن هانت على الناس أنفسهم، فباعوها -بثمن بخس- بمنصب تافه، أو بلقب أجوف، أو بدنيا غيرهم! فقد غاليتم أنتم بأنفسكم، فلا يقوى أحد على شرائكم، سوى الذي خلقكم!

فأنتم سلعة الله الغالية، بعتم لله -ولله وحده-، ونقدكم الثمن (الجنّة)، بعد ما أمهرتموها: النفس والمال! “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ” [التوبة: 111]

وكأن لسان حالكم ومقالكم يردد مع القائل:

بعنا النفوس، ولم نخسر ببيعتنا.. شيئا، فإن مليك الملك شارينا

أين هذا السمو، ممن قال الله -عز وجل- فيهم: “أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ”؟ [البقرة: 16]

ألا، ما أبعدَ البون.. بين مَن باع لله، فربح الدنيا والآخرة، وذلك هو الفوز العظيم، ومَن باع -أو بتعبير أدق: بيع- لغيره، فخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.!

  • وأما كونكم أعز الناس:

فمن في الناس أعز منكم؟ وعزتكم -لامن حزب ولا من سلطان- من عزة الله.. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) المنافقون 8.. ” مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ” [فاطر: 10]

يا له، من عز!، وقد ضمكم الله إلى جانبه، وأضفى عليكم من عزته.. فعظم الخالق -جل جلاله- في أنفسكم، فصغر ما دونه في أعينكم.. وأيقنتم، أن كل متكبر بعد الله، فهو صغير، وأن كل متعاظم بعد الله، فهو حقير..

وما عز المسلمون -ولن يعزوا- إلا بهذا اليقين، وتلك العقيدة.. ولله در الفاروق -عمر بن الخطاب- حين قال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره، أذلنا الله!

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت.. فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

ياعشاق الحق، لكم الأسوة في نبيكم، وقد رباه ربه، على أن يغالي بما عنده، وألا يلتفت إلى ماهو دونه.. “وَلقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ” [الحجر: 87-88]

يا أشرف الناس، وأعلى الناس، وأغلى الناس، وأعز الناس.. إن فَرِح الناس بالحياة الدنيا وزينتها، وتشبثوا بها، وقاتلوا عليها.. فقولوا لهم، كما قال الله تعالي لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من الصحابة – مبينا لهم أن الفرح الحقيقي يكون بما جاءهم من الله من موعظة وهدى، وليس من المال وأعراض الحياة: “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ” [يونس: 58].. أو كما قال سليمان لملكة سبأ -وقد أرسلت إليه بهدية لتنظر ماذا يفعل؟!: “فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ” [النمل: 36]

يا عشّاق الحق، ويا حرّاس الفضيلة، إنّ ما أكرمكم الله به من كريم الخصال، وما حباكم به من عظيم السجايا، تحملكم على الرحمة بالنّاس والشفقة عليهم، والتواضع لهم وخفض الجناح، والسعي في خدمتهم، والتفاني من أجل راحتهم وسعادتهم، أسوة بمَن خاطبه ربه بقوله تعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” [آل عمران: 159] .

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. إبراهيم التركاوي

باحث أكاديمي في الفكر الإسلامي

اترك تعليقاً