الزراعة المائية.. مزارع قائمة فوق البحار والمحيطات

07

وكالات

مع تزايد أعداد سكان الأرض، وارتفاع الطلب العالمي على المنتجات الزراعية لتلبية حاجات البشر المتزايدة من المواد الغذائية، وتفاقم مشكلة الجوع في أنحاء شتى من العالم برزت الحاجة إلى إيجاد طرق غير تقليدية للزراعة ولتوفير الغذاء لملايين الأفواه الجائعة في كثير من أصقاع الأرض.

ونظرا لأن ثلاثة أرباع مساحة الكرة الأرضية عبارة عن بحار ومحيطات فقد اتجهت الأنظار إلى تلك المساحات الشاسعة لزراعتها ببعض النباتات، وإنتاج محاصيل زراعية تسد حاجات البشر المتزايدة من الغذاء.

لقد تطلع الإنسان منذ القدم إلى البحار والمحيطات والأنهار كأماكن ضخمة للصيد والحصول على أنواع مختلفة من الأغذية، مما أدى إلى استنزاف تلك الثروات المائية بسبب الصيد الجائر، هذا الأمر حدا ببعض الدول -وفي مقدمتها الصين- إلى التفكير باستغلال البحار القريبة منها وإنشاء مزارع فيها للحصول على بعض المنتجات النباتية والمحاصيل الزراعية، وهي ما تعرف بالزراعة المائية التي يتوقع أن تشهد ازدهارا عالميا كبيرا خلال القرن الحالي.

“الطحالب تحتوي على نسب جيدة من الدهون والكربوهيدرات والبروتينات وبعض العناصر المعدنية المهمة للجسم، وكذلك بعض العناصر الغذائية النادرة”

غذاء من الطحالب

يعتبر مفهوم الزراعة المائية مألوفا لدى كثير من شعوب العالم، حيث تتم زراعة بعض أنواع الطحالب والأشنات المائية البحرية والنهرية في أحواض خاصة أو ضمن مساحات محددة في الأنهار والبحار، وهذه الطحالب تشكل الآن جزءا رئيسا من النمط الغذائي لسكان الصين واليابان وبعض الدول الآسيوية الأخرى، علما بأن الطحالب تحتوي على نسب جيدة من الدهون والكربوهيدرات والبروتينات وبعض العناصر المعدنية المهمة للجسم وكذلك بعض العناصر الغذائية النادرة.

كذلك فقد استخدمت الطحالب لتحضير بعض أنواع العلاجات وفي بعض الصناعات التقليدية ولإنتاج أنواع من الأسمدة الزراعية، حيث يتم تجفيفها وسحقها وخلطها مع التربة الزراعية، وقد أثبتت التجارب مدى قدرة هذا السماد على زيادة النمو الخضري لكثير من المحاصيل الزراعية كالخضروات.

زراعة غير تقليدية

يسعى الباحثون الآن -ومنهم فريق من العلماء في مختبر الأبحاث الزراعية المستقبلية بجامعة هامبورغ الألمانية- إلى ابتكار نمط غير تقليدي من المزارع، حيث يتم تخصيص مساحة محددة من البحر تبلغ نحو كيلومترين مربعين وتحاط بحواجز عائمة ثابتة، وتتم داخلها زراعة بعض الأنواع من الطحالب التي ستكون التربة اللازمة لنمو بذور بعض النباتات عليها والمهندسة وراثيا والقابلة للري بمياه البحار والمحيطات المالحة، وستحصل تلك النباتات على حاجتها من العناصر الغذائية من الطحالب.

هذه الفكرة قد يعتبرها البعض خيالية وغير قابلة للتطبيق، إلا أنه قد تم تنفيذها بالفعل في مساحة ربع كيلومتر بالبحر، والتي زرعت بالطحالب أولا وبواسطة آلات خاصة زرعت فيها بذور فول الصويا الهجينة، وقد تبين للباحثين أن نمو الفول كان سريعا واحتاج ثلث المدة اللازمة لنموه في الأراضي الزراعية التقليدية، كما تبين غنى محتواه من المادة الخضراء وارتفاع حجم الإنتاج بشكل كبير مقارنة بنفس مساحة الأرض في الزراعة التقليدية.

إن ما يميز الطحالب قدرتها العالية على النمو السريع، وهي ذاتية التغذية ولا تحتاج إلى أسمدة لنموها، ويمكن مضاعفة نموها بتزويدها ببعض العناصر الغذائية البسيطة وتهجينها لتكون عائمة فوق الماء لتشكل تربة زراعية مع تهجين نباتات أرضية قادرة على تحمل ملوحة المياه والعيش فيها، وفي الواقع توجد حاليا كثير من أنواع النباتات القابلة للري بالمياه المالحة والتي تنمو بالقرب من البحار المالحة، كنبتة الساليكورنيا التي تستطيع تحمل ملوحة التربة وتنمو بالقرب من شواطئ البحار والمحيطات بشكل طبيعي.

“تتركز أبحاث علماء الوراثة الآن على إيجاد المورثات الخاصة التي تمكن النباتات البحرية من النمو في المياه المالحة، ونقل تلك المورثات إلى بعض النباتات الأرضية”

هذا وتتركز أبحاث علماء الوراثة الآن على إيجاد المورثات الخاصة التي تمكن النباتات البحرية من النمو في المياه المالحة، ونقل تلك المورثات إلى بعض النباتات الأرضية كالقمح والأرز والذرة والشعير والفول وغيرها من النباتات لتصبح قادرة على الري بالمياه المالحة.

وتشير نتائج تلك الدراسات والتجارب التي تتم في عدد من مراكز الأبحاث في العالم إلى تحقيق نتائج مشجعة جدا، حيث تم تحديد عدد كبير من المورثات النباتية الخاصة بالمياه المالحة، كما تم إنتاج أنواع من القمح المهجنة القادرة على الري بالمياه المالحة في بريطانيا، وأنتجت أنواع من الأرز تسقى بمياه البحر.

من جهة أخرى، اقترح فريق من الباحثين استخدام تربة زراعية عائمة فوق المياه تتكون من الصوف والفلين وتطفو على سطح المياه المالحة، والتي يتم تزويدها بالأسمدة والمغذيات اللازمة لنمو تلك النباتات المهجنة فيها وتحصل على حاجتها من المياه من الماء المالح للبحر.

مزارع تحت الماء

مقابل سواحل نولي شمال غرب إيطاليا وعلى عمق مئة متر تقريبا تحت سطح الماء يجري فريق من الباحثين والخبراء الزراعيين تجاربهم لزراعة بعض المحاصيل الزراعية كالملفوف الأحمر والخس والفاصوليا والريحان والفراولة في بالونات خاصة على شكل جراب مثبتة في قاع البحر، وقد تبنت هذا المشروع الغريب من نوعه إحدى الشركات المتخصصة والتي تطبق فيه أحدث المعارف العلمية والتقنية لإيجاد طرق جديدة لإنتاج الغذاء.

المشروع يعرف باسم حديقة نيمو (Nemo’s Garden) وبدأ العمل فيه عام 2012، وتم تسجيل براءة اختراع لهذه التقنية واستقطاب مساعدات مالية لإنجاح المشروع.

ويتم توفير ظروف صناعية لنمو النباتات، كالإضاءة بمصابيح “لد” (LED) والتحكم بدرجة الحرارة بما يناسب نمو النباتات، أما مياه الري العذبة فيتم توفيرها من خلال تبخير جزء من الماء المالح وتكثيفه في بالونات الزراعة لري الأعشاب والخضروات.

ويوضح الباحث جون أولد المشارك في المشروع أن نظام الزراعة تحت الماء ستكون له جوانب إيجابية كثيرة، فالنباتات ستكون معزولة تماما عن محيطها، وبالتالي لن تصاب بالآفات الزراعية ولن تتعرض للأمراض والأوبئة، كما أن نمو تلك المحاصيل تحت الماء سيكون أسرع وستكون هذه التقنية ذات فائدة كبيرة في المناطق التي تتعرض للجفاف والتقلبات المناخية المتطرفة، إلى جانب أن نظام الزراعة المائية سيلبي المطالب الغذائية لكثير من البشر في المستقبل.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً