الإصلاح الإقتصادي المطلوب في ليبيا؟

الإصلاح الإقتصادي المطلوب في ليبيا؟

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

يبدو ان المأزق الذي يمر به الإصلاح الإقتصادي اصبح يزداد تعمقا مع تضاؤل سلطة الدولة وعدم قدرتها علي السيطرة علي مواردها الرئيسية كالضرائب والجمارك ناهيك عن النفط  المصدر الرئيسي للدخل في ليبيا، وفي ظل الانقسام السياسي و الصراع المسلح المستمر يشير البنك الدولي في تقررير حديث له  عن قرب نضوب الاحتياطي النقدي لدي المصرف المركزي ويشير الي ان الوضع سيتحول الي كارثة محققة اذا لم يتخذ الليبيون قرارا حاسما الان ويسعون الي توحيد جهودهم للوصول الي مخرج مناسب يحافظ علي وحدة البلاد ويعيد إطلاق الاقتصاد من جديدوقبل الخوض في سبل  الاصلاح الاقتصادي للوضع الحالي دعونا نشخص الوضع الراهن، حيث يعاني الاقتصاد الليبي ما يعرف  بالنمو السالب في الناتج المحلي الاجمالي او ما يسمي بالانكماش، بسبب تعثر عمليات تصدير النفط والذي يمثل المصدر او المكون الاساسي للناتج المحلي الاجمالي وتاثرت باقي القطاعات الاخري بنفس القدر كالزراعة والصناعة والخدمات المصرفية والتامينية وغيرها ووصل الانكماش في الناتج المحلي الاجمالي اكثر من 30% العام الماضي 2015.  

يعني بعبارة اخري ان النمو في قيمة السلع والخدمات المحلية والتي تعبر عن قدرة النشاط الاقتصادي علي التطور وخلق فرص العمل وتحقيق الرفاهية تحولت الي حالة من الفشل الكامل ، كما يمكن وصف الحالة التي يمر بها الاقتصاد الليبي  بالركود التضخمي، والسبب ان معدل البطالة اصبح يزداد بشكل مضطرد وبلغ حسب التقديرات اعلي من 30% من الليبين القادرين علي العمل بالاضافة الي تسارع معدل التضخم واصبح مكون من رقمين بمعني تجاوز العشرة في المئة ويقدر الان بانه في حدود 30% اذا اخذنا في الاعتبار التغير السريع في اسعار صرف الدولار بالسوق الموازي والعجز المتزايد في ميزان المدفوعات والذي بلغ اكثر من 40% من الناتج المحلي الاجمالي، بما  يعني الضغط علي الاحتياطيات النقدية لدي المصرف المركزي بسبب السحب ودون وجود ايرادات متجددة كافية، وبسبب تعثر تصدير النفط المكون الاساسي للصادرات الليبية والذي يمكنه وحده تحسين ميزان المدفوعات  ولا يخفي علي احد  اوضاع الميزانية العامة والتي تعاني عجزا مستمرا بسبب عدم كفاية الايرادات المحلية والنفطية في مواجهة النفقات والتي غلب عليها الانفاق علي المرتبات والتي تشكل حوالي نصف الانفاق والنصف الباقي لدعم السلع ودعم المحروقات والتي اصبحت سلعا تهرب بشكل   منظم خارج البلاد بسبب الفساد المستشري في البلاد. كما ان أزمة السيولة والتي فشلت كل المحاولات التي فما بها كل من المركزي البيظاء والمركزي طرابلس في حلها عبر الوسائل التي. استخدمها كل منهم والسبب انه لايمكن ان تدار السياسة النقدية في بلد واحد من جهتين ناهيك عن اهتزاز الثقة في النظام المصرفي بالكامل من قبل التجار والمواطنين علي حد سواء.

في تقديري ان اي برنامج للاصلاح يحتاج الي قيام حكومة واحدة في البلاد ويكون هدفها انعاش الاقتصاد بالدرجة الاولي، ومن نافلة القول توحيد المؤسسات الاقتصادية الرئيسية في البلاد يجب ان يكون علي سلم الاولويات، يتبعه اقرار برنامجيين للاصلاح:    

الاول عاجل واستثنائي، ويهدف الي معالجة انهيار سعر الصرف في السوق الموازي والذي يمكن مواجهته بسهولة كبيرة من قبل البنك المركزي و اعادة تصدير النفط و التخلي عن سياسة الدعم في المحروقات بشكل كامل وفوري وتحويل الدعم السلعي الي دعم نقدي لكافة الليبين في المرحلة الاولي   

اما البرنامج الثاني، والذي يستغرق فترة من الزمن، فهو اقرار حزمة من السياسات الاقتصادية  الواضحة والتي  تقر من السلطة التشريعية في البلاد تقدمها الحكومة كبرنامج عمل مستقبلي يهدف بالدرجة الاولي الي اعادة هيكلة الميزانية العامة وضبط نفقاتها وتوجيه جزء من الايرادات النفطية مباشرة لبرنامج اعادة الاعمار وتحسين القدرة الانتاجية النفطية،  والذي في تقديري لابد ان لايقل عن 35٪  من الايرادات النفطية ، وزيادة الاعتماد علي الايرادات المحلية كالضرائب والجمارك والموارد البلدية والمحلية، وتركز هذه الحزمة من السياسات الاقتصادية علي تنظيم السوق المحلي بشكل يضمن الشفافية والعدالة ويحمي المستهلك.  ولابد ان يتضمن الاسس الوظوابط التي يجب ان يبني عليها الاقتصاد الليبي والذي بالتاكيد سيكون مختلف تماما عن ما كان عليه في السابق ولكن يجب عدم الافراط في التفاؤل في سرعة التحول وتغير خارطة الاقتصاد بل انها تحتاج الي ترتيبات كثيرة يجب الاعداد لها في اطار استراتجية متكاملة مستقبلا و لا يسع المجال للخوض  فيها الآن.    

بالتاكيد ان اقرار مثل هذه الترتيبات الاقتصادية والتي تهدف الي معالجة التضخم المفرط وانتشال الاقتصاد من حالة الركود  وتحسين ميزان المدفوعات ومعالجة عجز الميزانية العامة سيكون له اثار قاسية نوعا ماء علي مستوي معيشة المواطن ولكنه المخرج والسبيل لمعالجة التشوهات الهيكلية في الاقتصاد الليبي وبالتاكيد ان البرامج الاجتماعية المصاحبة لتطبيق برنامج الاصلاح كأعانة البطالة ودعم الفقراء ومحدودي الدخل ستكون مفيدة في التخفيف من الاثار الجانبية، ولعل من المهم في مرحلة التفكير في بناء هذه السياسات الاقتصادية، ان نركز علي اعادة هيكلة المنظومة المصرفية بدآ من المصرف المركزي وحتي المصارف التجارية والمتخصصة وتأهيلها لتكون ادوات قادرة علي خلق محركات التنمية عبر تمويل مشروعات اقتصادية.

ما يقلق في الامر هو استمرار الحالة الراهنة للاقتصاد الليبي والتي تهدد بمزيد من الهشاشة واضمحلال قدرة المؤسسات الاقتصادية علي القيام بدورها حتي في ارجاع عمليات تصدير النفط واستمرار تناقص احتياطيات المصرف المركزي دون تعويض مناسب، وتسرب السلع المدعومة خارج حدود البلاد  واستمرار اهدار الاموال العامة واستشراء الفساد بشكل مخيف. فاستمرار هذه الاوضاع المتردية سيقضي بدون ادني شك علي الامال المعلقة علي تطبيق اي برنامج للاصلاح الاقتصادي والخروج من النفق المظلم الذي اصبح وسيلة لتحقيق مصالح ومنافع قوي تتصارع دون الالتفات الي مصلحة الوطن والمواطن.

دكتور سليمان سالم الشحومي

مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

التعليقات: 1

  • Nabil Derdira

    كلام كتب لا أكثر يا دكتور المشكلة الليبيه اكبر بكثير ذكرت في مقالك بان مصرف ليبيا المركزي قادر و بسهوله للقضاء علي السوق الموازي ولم توضح الكيفية هل بتخفيض قيمه الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبيه او البقاء عليه بسعر ١٠٤ علي ما اعتقد الحل الوحيد في محدودية الإيرادات من النقد الأجنبي فان الحل الوحيد هو تخفيض قيمه الدينار الليبي بأسرع وقت ممكن

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً