نالوت.. السلام.. اللمة الليبية

نالوت.. السلام.. اللمة الليبية

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

article2-1_26-9-2016

لقد سبقت ذكرى اليوم العالمي للسلام لقاء لالوت (نالوت) للسلام يوم 16 سبتمبر 2016.. لالوت المدينة الليبية النفوسية، نسبة إلى جبل نفوسة المتموقعة عليه، التي لعبت بأهلها المحافظين على اللغة الليبية الأمازيغية دورا مهما في لم شمل مختلف أطياف الشعب الليبي.. ما أحوجنا كليبين وليبيات الدعوة إلى السلام في هذه المرحلة التي يمزقها الخلاف السياسي.. وخاصة أنه جمع بعض أخوة ليبين لم يجتمعوا بمكان واحد من بعد انتفاضة 17 فبراير.  وبغض النظر عن المستبشرين باللقاء أو المتذمرين منه.. فلا يمكننا أن نتجاهل الدور الايجابي الذي لعبه اللقاء بلالوت بالدعوة للسلام والمصالحة. ومع أننا لا ننكر بعض الإخفاقات التي شابة هذا اللقاء.. إلا أن الكاتب يريد بالكلمات الموجزة التالية إبراز نصف الكأس المليان من ملتقى لالوت السلام والمصالحة الوطنية.

بمبادرتها لالوت تلم شمل الليبيين وبحضنها للجميع تؤكد على أصلتها وعمقها التاريخي، الضارب في القدم والمتغلغل في جذور جبل نفوسه، والممتد إلى ما قبل الحواري مرقص، والقسيس أريوس ودوناتس مرورا بأهل العلم الخطابي وأبو حاتم وعامر الشماخي، وإسماعيل الجيطالي .. وانتهاءً بالشيخ العلامة على يحي معمر والدكتور عمر النامي.. رحمهم الله أجمعين.

ويكفي أحرار لليبيا شرفا أن لالوت جسدت الفقرة الأولى من المادة الثانية بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تنص: “1. تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.” نعم فاللقاء الذي جمع حوالي 1500 مشارك من مختلف مناطق ليبيا وبمختلف توجهاتهم بالتأكيد يجسد النص عمليا على أرض واقع لالوت يوم الجمعة المباركة بتاريخ 16 سبتمبر 2016.. ويفوت الفرصة على يخططون لإذكاء نار الفتنة وإغراق ليبيا في خلافات سياسية مدسوسة.

الليبية لا تسقط بالانتفاضة:

الليبية كجنسية أو ليبيا كموطن ووطن لجميع ساكنتها لا يمكن أن يسقطها أحد عن أي أحد تحت أي مبرر وبغض النظر عن الجرم الذي ربما أرتكبه.. فلا يمكن قبول معاقبة الأسرة لجرم أرتكبه رب الأسرة!!! جاءت 17 فبراير لتصحيح ما ارتكبه الدكتاتور معمر من جرائم بمعاقبة أسر بل أحيانا عاقب قبائل ومدن نتيجة لمعارض أعلن رفضه لدكتاتورية معمر.. نعم مخلفات الكره وتعميق الكراهية بمعاقبة أسر المعارضين للقذافي لعبت دورا في تأخر لقاء لالوت بعد 5 سنوات من الحرب الأهلية والصراعات السياسية غير المبررة.. لا ننسى دور بعض الدول الإقليمية مثل: مصر، والأمارات العربية، والأردن، والسعودية.   نعم عشنا حقبة الدكتاتورية وشفنا هدم بيوت أسر ليبية بأشراف حكومة دولة الجماهيرية وأجهزتها الأمنية.. لقد أرغم آلاف المعارضين لدكتاتورية معمر من الليبيين والليبيات على التهجير وبمباركة مقولات دكتاتوريته .. “سير ولا تهتم ياقايد أنصفوهم بالدم ياقايد”.. في عهد الدكتاتور معمر أرغم الكثير على الحصول على جنسيات أخرى وأسقط حقهم في العيش بليبيا بدون وجه حق ولا بقرار صادر عن محاكمة عادلة!!!

إذن فاليوم وبعد التحرير وبعد التخلص من دكتاتورية معمر لا يمكن أن يرضى أحرار ليبيا أن ينطبق عليهم قول الشاعر أبو الأسود الدؤلي: “لا تنهى عن خلق وتأتي بمثله.. عار عليك إذا فعلت عظيم” ومن هنا نجد أن لقاء لالوت جسد بالفعل قبول جميع الليبيين والليبيات بما في ذلك الموالين أو المؤيدين للنظام السابق، وليس بشرط أنهم مؤيدون للدكتاتورية، للقاء على أرض أحدى مدنهم بليبيا.. هذا الحق لا يمكن أن تسقطه انتفاضة 17 فبراير، وخاصة بعد إعلان التحرير. أما آن الأوان أن ندعو للسلام ونعيش السلام بفتح أبواب الصلح بين الأهل؟!

17 فبراير التكبير هل تحرير أم تهجير؟

بعيدا عن جدلية التدخل الأجنبي بالتأكيد دكتاتورية معمر كانت سببا وجيها في انتفاضة 17 فبراير وخروج أحرار ليبيا سلميا مكبرين رافضين استمرارية العيش في ظل العبودية لدكتاتورية معمر.. نعم التكبير بلفظ.. الله أكبر..  خلال التحرير هو مجاهرة وإعلان برفض معمر وإقرار وتصريح بأن الله أكبر منه ومن ظلمه.. لكن لا يمكن أن يتحول بعض المكبرين باسم الله إلى مستصغرين لآخرين من أهلهم بليبيا!

من عيوب 17 فبراير أنه لم يكن لها قيادة واضحة ومعلنة، ولو ظهرت علينا أسماء فرضتها علينا الظروف وتوافقنا عليها، وربما كان هذا سببا في تجرأ بعض “الثوار” على ممارسة نفس أسلوب معمر بمعاقبة بعض أسر الظلمة والقتلة من رموز معمر.  اليوم ومع لقاء لالوت تدارك العديد من أحرار فبراير بأنه وفي نشوة الانتفاضة تمكن البعض من ممارسة دكتاتورية معمر على الأسر الليبية، قد تكون موالية لمعمر، مما سبب في تهجير العديد من الأسر الليبية خارج ليبيا.. للأسف امتدت مخلفات الثقافة الانتقامية لمعمر ليتم تهجير بعض المدن الليبية بالكامل!!! وربما لقاء لالوت استدرك هول هذه الشائنة لمحاولة الشروع في حل هذه الإشكاليات الأليمة لجميع أحرار ليبيا. ونذكر في هذا الخصوص بأنه حتى المسجونين من أنصار النظام السابق ورموزه لا يمكن تجاوز آدميتهم وحقوقهم كمواطنين ليبين ففي العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وتحديدا المادة 10 الفقرة 1. “يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني”

ولكم في رسول الله أسوة حسنة:

لا أدري مدى صحة مسألة النشيد والعلم التي أثيرت بعد لقاء لالوت لكن.. ولو كان ذلك صحيحا.. فالكاتب يريد التذكير بصلح الحديبية عندما مسح من وثيقة الصلح أسم الله.. وصفة رسول الله.. عن سيدنا محمد لآجل اعتبارات يمكن اختزالها في ضمان السلم والسلام لدعوة لتوحيد الله وعبادته لتنتشر في أمن وآمان .. وليبيا التي تسعى لبناء الدولة المدنية الديمقراطية لا يمكنها تحقيق ذلك إلا إذا توفر لها بيئة السلام.. والأمن والأمان لجميع أهلها بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم ومذاهبهم الدينية، والسياسية، والفكرية. فلقاء لالوت لم يضطر منظميه من أمازيغ ليبيا إلى مسح أسم الله من اللافتات ولا من البيان الختامي بل جعلوا من المسجد نقطة انطلاقة بدء أعمال اللقاء بين الأخوة الفرقاء من مختلف مناطق ليبيا. فهل سنعترض عن السلام وهو أحد أسماء الله الحسنى؟!

السلام.. والصلح خير:       

لا يمكن أن تستمر الحرب أو الخصومة بين الأعداء فما بالك بين الأخوة والأخوات في الوطن الواحد.. فمع أنه قتل في الحروب العالمية الملاين من البشر إلا أنها انتهت بالجلوس على طاولة المفاوضات بين الخصوم من دول مختلفة. فما بالنا نحن نتردد ونتلكك في المصالحة بين أخوة وأهل بينهم المصاهرة ويجمعهم الكثير من دائم بينهم وقد فرقهم طارئ الحرب الأهلية بسبب دكتاتورية معمر، وشبيه معمر السيد حفتر، ورفض إرادة الشعب في التحرر بل فتح معمر مخازن الأسلحة وسرح المجرمين من السجون ليجعل من ليبيا جمر!!! والسيد حفتر يسر على خطاه!!!  نعم إطفاء جمر معمر وحرب حفتر تتطلب لقاءات مثل لقاء لالوت .. فالسلام والمصالحة الوطنية تعتبر نتيجة تسبقها خطوات هامة ضمن العدالة الانتقالية متمثلة في تقصي الحقيقة وجبر الضرر المعنوي قبل المادي وفحص المؤسسات العدلية وقضاء عادل إلا أن جليد الخصومة الحارق بين الأخوة، الذي تراكم بفعل الحروب الأهلية التي يشعلها الطامحين للسلطة باسم العسكرة أو الدين، وجمر معمر يحتاج لخطوات مثل لقاء لالوت فبإذابة هذا الثلج تفتح آفاق العدالة الانتقالية لمباشرة خطواتها نحو السلام والمصالحة الوطنية.

كلمة أخيرة:

لقاء لالوت أذاب الحاجز الثلجي الحارق بين الأخوة الذين فرقتهم الحرب الأهلية والصراعات السياسية السابقة لأوانها والتي يفترض أن تكون سلمية.. للأسف الصراع السياسي في ليبيا صراع دول خارجية على أرض ليبية وبأيدي وأموال ليبية.. يجب أن تتوقف ما يسمى بالأحزاب السياسية اليوم عن دغدغة، أو المتاجرة بـ، عواطف الشعب الليبي أحيانا باسم الدين وأخرى بشعار الوطنية وثالثة بنعرة قبيلة وعرقية “أثنية” لتحقيق مكاسب شخصية!!! الوطن لا يتحمل إلا احترام آدمية الإنسان وقبول خياراته وعلى الأحزاب السياسية تأجيل صراعها والذي يجب أن يؤسس على التباري بطرح برامج اقتصادية اجتماعية ثقافية جامعة تضمن الرفاهة والتنمية المستدامة للمجتمع الليبي وليس السباق للسيطرة على حقول النفط، أو خزانات المياه، أو قفل الطرق العامة.. لقاء لالوت مشروع سلام.. سيمهد الطريق للعدالة الانتقالية لتطبيقها على الأرض الليبية أملا في تحقق المصالحة الوطنية.

هل من إضافة؟!

ما يود الكاتب أضافته هو أن السلام والمصالحة في ليبيا قد يحتاجا إلى لقاء للأخوات في ليبيا مشابه للقاء لالوت.. ونناشد الناشطات الأمازيغيات، وهن كثر، العمل على الترتيب للمة شمل تجمع الأخوات في أقرب فرصة وتعميق حب السلام.. فبالتأكيد استبعاد المرأة من مشاريع المصالحة قد يكون أحد أسباب تعثرها وتأخرها عن تحقيق السلام..

والسلام عليكم

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

اترك تعليقاً