قراءة في الشأن الليبي بمفرداتٍ إقليمية دولية

قراءة في الشأن الليبي بمفرداتٍ إقليمية دولية

article2-1_12-10-2016

ما نشاهده من أحداث، تمُور به منطقتنا المحصورة ما بين خط طول 20 شرق و19 غرب وخط عرض 15 جنوب 38 شمال، يؤكد للقارئ والمُتابع وحدة المشهد. ادوات. وسائل. محركات. أهداف. ومن هنا اذهب الى القول وبدون تحفظ، متّكئا على مُعايشة عبث العقود الاربعة المنصرمة التي عصفت بالبلاد. بان هذه (المنصرمة) -في تقديري-  لقد سعت ورتبت وعملت وعن سابق اصرار، لتجعل من بلادنا بعض من الوقود، الذي يُتغذى عليه هذا الاتون الهائل، الذي نشاهده ونحسه، يعبث ويعصف بكامل المنطقة، وجغرافياتها، الثقافية، الديمغرافية، الطبوغرافية.

فبعدما تهاوى رأس (نظام الخيمة) تحت قبضات فبراير المجيد، تبين الليبيون بان بلادهم، تقّتعدْ مخزن هائل بمساحة جغرافيتها، مملوء حتى سقفه بجميع انواع الذخيرة والاعتدة الحربية، يزيد عن حاجة بلادهم ويفيض، بل ويزيد عن حاجة الاقليم الذي يضمهم، ويتخطاها بكثير.

وقد شاهد الليبيون ايضا قبل ذلك جهْرةً، واثناء احداث فبراير المجيد، ابواب ذلك المخزن الهائل الحجم، تُفتح على مصرعيها وتتسرب محتوياته الى فضاءات منطقتهم. الجغرافية. الثقافية. الديمغرافية. لتُغدى أثونها المشتعل، الممتد من (سوريا) وشرق المتوسط شمالا، الى (دولتي مالي والنيجر) جنوبا. دونما رادع، او تدخل مؤسساتي وطني ليبي، يقف في وجه هذا الانفلات، ويحدّ من اخطاره.

وبعكس ذلك تماما، شاهدنا الجارة تونس، تدفع بمؤسسات الدولة هناك، لتنهض بمهمة الحفاظ على ممتلكات الوطن من الضياع والخراب.

وبصيغة اخرى، كنت احاول القول مُسّتفّهما، هل كان (نظام الخيمة) اداة تلك العقود المنصرمة حينها، والتي سعت به خلال الاربعين سنة الماضية، نحو نسف وتدمير مؤسسات الدولة الليبية، ولم يهدى لها بال حتى جعلتها خرابا. تتقصّد ذلك، عن ترصّد وسبق اصرار؟؟. حينما ذهبت تستدعي من الماضي، مؤسسات بدائية انتجتها مجتمعات ما قبل الدولة، كبديل تتكئ عليها وتعتمدها آداه، ومحور تُصرّف وتُدير به نظامها الهجين؟؟. وبصيغة اخرى كنت احاول ان اقول، هل كانت (تلك المنصرمة) تعمل وتُعد مند ذلك الحين، للذي نشاهده ونعايشه ونُعاينه في هذا الحين وهذه اللحظة؟!

لكن دعونا نذهب ونقول ما قلناه، بوجه اخر. هل هذه المؤسسات البدائية، التي انتجتها مجتمعات ما قبل الدولة. والتي اعتمد ت واتكأت عليها (الخيمة) لتصريف امور البلاد خلال الاربعين سنة الفائتة، تستطيع استيعاب وادارة، كيان نفطي كليبيا، بإيراداته المالية النفطية الهائلة على نحو بناء ومنتج؟.  اما ان هذه البنى البدائية، ستعجز عن استيعاب تلك الايرادات وهضمها وتمتلها في هيئات وبنى تعلمية. صحية. زراعية. صناعية. ادارية. تخطيطية، وما في حكمها.  ومن ثم، ستذهب حينها الى مراكمتها في مصارف داخل البلاد وخارجها، في حوافظ ومُجنّبات وودائع، وفى استمارات بعيدة عن جغرافيا ليبيا، بدول لها بنى متكاملة وجيدة تسّتوعب ذلك الفائض المالي، لتوظفه في خدمة مواطنيها.

وعملت (الخيمة) على ابقاء تلك الاموال تتراكم هناك، حتى يأتي الحين الذي تُفّتح فيه ابواب خزائنها على مصرعيها، لتتسرب منها، بالملايين والمليارات لتغدى هذا الأتون، الذي يعصف بالمنطقة، وبمكوناتها. الجغرافية والثقافية. والديمغرافية. تماما كما فُتح ذلك المخزن الهائل الحجم المملوءة بالذخائر والاعتدة الحربية والمُمتد باتساع جغرافية ليبيا.

كنت احاول ان اقول بان هذه (المنصرمة) – في تقديري –  كانت تعمل وبجد من خلال ادواتها. عملاء ومتواطئين، بل ومن خلال دول وظيفية بالمنطقة، على حشّد كل قدرات المنطقة وطاقاتها، لخلق البيئة والظروف المناسبة، التي تساعدها حين تجيء اللحظة على اعادة تموّضعها من جديد وفى ثوب جديد داخل هذا الفضاء. الجغرافي. الثقافي. الديمغرافي.  وانا هنا لا اتجنى على أحد، ولكن ماذا يعنى ان نرى دول هامشية، لا تمتلك حيثية عالمية رصينة، نُشاهدها تُستدعى عند تدول الشأن الليبي، لتدلوا بدلوها فيه؟؟  وهي ليس بالدولة الحدودية لليبيا او من دول حوض المتوسط. او نرى دول اخرى تُستدعى، وهي عاجزة حتى عن ادارة شأنها الداخلي، بل نشاهد القسم الاكبر من مواطنيها يعيش الكفاف، ولا اريد ان اقول الجوع، وفى الحين ذاته، يُدّهشنا مشّهدْ الماء الزلال، وهو يشق ارضها طولا وليس عرضا، وهي عاجزة عن ترويضه وتطويعه الى قمح وخبز يملا بطنها، بل ونرى البعض يُحيك لها الخراب، يحاول خنقها من خلال الماء، وهي مولى بظهرها لهم، وجل اهتمامها في تغدية الشقاق بين الليبيين.

لكن دعوني اقول مسّتدركا، بأنني وبكل تجرد، لا اسعى الى القول من خلال ما سلف. بان العقود الاربعة المنصرمة التي عصفت بالبلاد، كانت متجردة تماما من كل واعز وطني او ديني او إنساني، اتنا تصّريفها لشئون البلاد. ولكن كلما حاولت الذهاب عكس ذلك، اعترضتني، واصطدمت بوقائع مريرة عاشتها ليبيا، خلال تلك الحقبة البائسة. فتجعلني هذه، اتشكك حتى في تشكّل ذلك الوازع في ذات او ذوات، من بيدهم دواليب تلك المرحلة المنصرمة.

واعتقد بان ذلك كان الباعث الأساسي، الذي دفع الليبيين الى الانتفاض مع فبراير، وقد تساقط عدد منهم بالرصاص شهداء، امام اسوار كتيبة الفضيل ببنغازي مع اللحظات الاولى لانتفاضتهم، رافضين بذلك. ومعبرين عن استيائهم من الادارة الخرقاء البائسة، التي تُصرّف بها شئون بلادهم، ومطالبين باخري راشدة يذهبون معها وبها., نحو التأسيس لدولة المواطنة، التي تنهض على دستور وطني تتفرع منه قوانين تضبط وتنظّم حراك مؤسساتهم الوطنية، بعيدا عن السفه والارتجال.

وفى تقديري، ان اول خطوة في هذا الاتجاه، يجب ان تكون نحو تقّعيد وتجدّير ليبيا، داخل امتدادها الجغرافي. الثقافي. الديمغرافي الموضوعي، داخل الحضن المغاربي المتوسطي، ولا يجب ان تترك كالمُعلّقة تقاذفها رياح، الخليج، واعاصير جنوب شرق اسيا، وعواصف بحر الشمال السامة. وفى تقديري ايضا، بان هذه الخطوة هي المؤشر الذي نتعرّف من خلاله، على جديّة المعالجة، وموضوعية حلحلت الشأن الليبي، من خلال مقاربات وفعل الهيئة الاممية مع مندبها الألماني كوبلر.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً