مسؤولية الكلمة وتبعاتها

مسؤولية الكلمة وتبعاتها

د. إبراهيم التركاوي

باحث أكاديمي في الفكر الإسلامي

 

new-article1_27-10-2016

الكلمة أمانة كبيرة، ومسؤولية عظيمة، ويترتب على التلفظ بها تبعات خطيرة.. ولا يعرف ذلك إلا مَن أدرك قيمة الكلمة، ووعي أثرها في حياة الأفراد والأمم، فالكلمة قد تحيي همة، وتبني أمة، وعلي النقيض، فقد تَسقط بها قِمم، وتهلك بها أمم..!

ولذا، عني الإسلام عناية كبيرة بالكلمة، ووضع لها رقابة صارمة، ويقظة واعية، قبل التلفظ بها، لتكون بناءة لا هدامة، منضبطة لا سائبة.. كما جاء في قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18)

وربط النبي صلي الله عليه وسلم، بين الإيمان والنطق بالكلمة، لتخرج عن إيمان عميق، وتفكّر دقيق.. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت..” (رواه البخاري ومسلم).

وما قامت السماوات والأرض إلا بكلمة الحق، واستقام أمر الدنيا، وانصلحت أحوال العباد، إلا بتقوى الله، والقول السديد..

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 70-71)

وما تسرّب الفساد، وخُرِّبت البلاد، إلا بعد أن استهان الناس بأمانة الكلمة ومسؤوليتها.. فكم من فتن قامت، وكوارث حلّت، وأحقاد انتشرت، وخلافات استشرت، بسبب غِرّ لا يعرف للكلمة قيمة، ولا لتبعاتها من عواقب وخيمة…!

تُري، كم دفع العالم عامة، والعالم الإسلامي خاصة، ثمن حماقات راح ضحيتها مئات الآلاف من الضحايا، ناهيك عن تخريب البلاد، وتشتيت مَن بقي من العباد، من جرّاء كلمة غير مسؤولة، ومعلومات مغلوطة…؟!

تأمّل، ما اعترف به الرئيس الأمريكي الأسبق في مذكراته، من خطأ غزوِهِ لدولة (العراق)، وتبعه بالاعتراف بالخطأ حليفه في الحرب الغاشمة الظالمة، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق!

وما يموج اليوم في عالمنا الإسلامي، من قتال ضاري راح ضحيته مئات الآلاف من الأبرياء، غير المشردين في أنحاء البلاد، تحت مسمّي شعارات مكذوبة، ومسوّغات مفضوحة، أصبحت لا تخفي على أحد..

حقا، كم من أمم تفرّقت، وحروب اشتعلت وما انطفأت.. بسبب كلمة، وكم من شعوب اتّحدت، وقلوب ائتلفت، وصدور انشرحت، بسبب كلمة!

وهل نُوّرت عقول، وسمت نفوس، وتقدّمت شعوب، إلا بكلمة مضيئة صادقة بناءة؟! وهل عُميّت عقول، وتسفّلت نفوس، وتخلّفت شعوب، إلا بكلمة مظلِمة كاذبة هدّامة…؟!

فطوبي لمَن قال كلمة حق، وأمسك عن كلمة باطل، فربَّ كلمة حق، رفعت صاحبها إلى أعلى الدرجات، وربَّ كلمة باطل، هوت بصاحبها إلى أسفل الدركات…!

عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) (رواه البخاري)

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. إبراهيم التركاوي

باحث أكاديمي في الفكر الإسلامي

اترك تعليقاً