أزمة السيولة، أين الحل؟ - عين ليبيا

من إعداد: د. سليمان سالم الشحومي

تعرضنا في المقالة السابقة بشكل عام للمسؤلية التي تتحملها العديد من الجهات حول نقص السيولة التي يعاني منها المواطن الليبي، برغم الوعود الرنانة التي يطلقها المصرف المركزي في كل من الشرق والغرب عن قرب حل هذه الازمة التي ارهقت كاهل الجمميع، الا ان الامر مازال خارج السيطرة، ولازالت البنوك الليبية تدور في حلقة مفرغة بين تجاذبات الواقع السياسي المتأزم والازمة الاقتصادية الخانقة و ايضا غياب الرويئة والاستراتجية لمواجهة الوضع.

وباستعراض بعض البيانات المنشورة من قبل المصرف المركزي برغم عدم صدور بيانات حديثه منه الا ان البيانات المنشورة حتي نهاية سنة 2015 تعطي انطباع واضح بان بوادر الازمة كانت واضحة منذو العام 2014 حيث ارتفع النقد خارج المصارف برغم استقرار عرض النقود خلال سنتي 2013، 2014 ونقصت الخصوم الايداعية للبنوك بشكل كبير في نهاية سنة 2015 برغم زيادة عرض النقود وتسربها خارج الاطار المصرفي و الجدول التالي يوضح التغير في كل من النقد خارج المصارف و عرض النقود والخصوم الايداعية للبنوك الليبية خلال الاربعة السنوات الماضية.

جدول

وتشير هذه البينات الي وجود اتجاه واضح من اصحاب الودائع في البنوك لسحب مدخراتهم منذو العام 2014 الامر الذي شكل مشكلة كبيرة للبنوك في قدرتها علي الوفاء بالتزاماتها تجاه اصحاب الحسابات الجارية وخصوصا المرتبات الشهرية، وبرغم الاستفاقة المتاخرة للبنك المركزي في معالجة الازمة عبر ارجاع العمل بالاعتمادات المستندية والتي توقفت في العام الماضي بسبب فضائح الفساد في التوريدات المعروفة، الا ان الارتباك الكبير الذي صاحب العملية عبر اقرار قواعد صارمة لفتح الاعتمادات ثم التراجع عنها بسبب خضوع ادارة البنك المركزي لقرارات يغلب عليها الطابع السياسي، كما ان البنك المركزي حاول ان يستعمل سياسة التوسع في خدمات الدفع الالكترونية للتخفيف من عمليات استخدام النقد ولكن هذه السياسة اصتدمت بمحدودية التنفيذ وضعف البنية التحتية في الجوانب التقنية و عدم قدرة مثل هذا الحل في احداث تحول في سلوك واتجاهات المواطن بالسرعة المطلوبة، فمصرف الجمهورية اكبر البنوك التجارية الليبية لم يتمكن من تفعيل سوي عدد محدود جدا من نقاط البيع وبالتالي سقط هذا البديل في الحفاظ علي السيولة الهاربة خارج البنوك بالسرعة التي كان ياملها البنك المركزي وكذلك لم تجدي سياسة فتح الاعتمادات حتي الان نفعا في جمع السيولة بالقدر المأمول ناهيك عن ان التجار في الغالب سيعتمدون علي تسعير بضائعهم علي اسعار الدولار بالسوق السوداء احتياطا لما قد يحدث في المستقبل اذا سارات الامور نحو الاسواء.

علي ما يبدو ان البنك المركزي اصبحت الخيارات تضيق امامه شيا فشيا في ظل التناقص الحاد في الاحتياطيات من العملة الاجنبية والتي لابد من الحفاظ علي قدر مناسب منها لحماية قيمة العملة الوطنية من الانهيار، كما ان ما يطرحه البعض ويؤيده فيه المجلس الرئاسي بضرورة قيام المصرف المركزي ببيع جزء من احتياطي الذهب لجمع السيولة اعتبره شخصيا الان غير مناسب كون هذه الارصدة ستجد طريقها لخارج البلاد فورا ولن يستفيد منها الاقتصاد الوطني بشي، مالم يتم اقحام سوق الاوراق المالية في تنظيم عمليات التداول علي الذهب وفقا لقواعد تضمن الحفاظ علي هذه الثروة وتساعد علي ازدهار صناعة تجارة الذهب وتخلق تداول علي عقود الذهب المحلي كما ان هذا الحل غير عملي الان ولايمكن ان يكفي سوي لمدة ثلاث اشهر علي اقصي تقدير وبالتاكيد سيكون مصحوب بالكثير من الفوضي والفساد في البيع . ويبقي الخيار العملي الان هو العمل بقوة علي ارجاع خطوط تصدير النفط المعطلة من المنطقة الغربية وتحسين الانتاج في الحقول الشرقية ويبقي تعديل سعر صرف العملة الخيار العملي والممكن تطبيقه بسرعة.

الان وبعد ان تعطلت اغلب ادوات السياسات الاقتصادية بسبب توقف اغلب الوزارات والهيئات عن القيام بدورها وفشل المصالح الحكومية كمصلحة الضرائب والجمارك وغيرها من القيام بدورها المأمول ، كما ان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والذي يحاول ان يجمع بين البنكين المركزيين تحت عبائته لتوحيد الجهود واستيعاب الكارثة المحدقة بنا تبدو غير فعالة بالقدر المطلوب ، فكل من البنكين المركزيين الان يقوم بطباعة دنانير معدودة جديدة ويتسابقون من يوصلها اولا لفك خيوط الازمة الخانقة علي المواطن ولكنهم للاسف الشديد يلفون حبلا غليظا علي رقاب الليبين عبر استفحال التضخم وانهيار قيمة العملة الوطنية اذا لم يتم اعمال ادوات نقدية ضمن سياسات اقتصادية واضحة تسهر علي انفاذها حكومة قادرة علي اخراج البلد من مازقها الحالي.

ما رشح عن اجتماع طرفي البنك المركزي في تونس تحت رعاية المجلس الرئاسي، ربما يشير الي اتفاق علي اعتماد العملة المطبوعة من قبل البنك المركزي في البيضاء مقابل سحب نفس القيمة من التداول لاحقا وهذا امر جيد ولكنه قد لا يحل المشكلة بشكل جذري وقد يكون مجرد مسكن موضعي، فاستمرار مسلسل سحب العملة خارج الاطار المصرفي سيستمر مالم توضع الادوات وتطور الآليات المالية والمصرفية لجذب السيولة الي البنوك وتعاد الثقة المنزوعة من النظام المصرفي الليبي، وهنا اعتقد جازما ان الطرح بأن يتم جمع الاموال عبر اصدار السندات للبيع للمواطنيين والقطاع الخاص بالمنطقة الشرقية فقط بسبب الفوائد التي يمنع التعامل بها في المنطقة الغربية سيصتدم بموانع قانونية وموانع اجرائية فسوق الاوراق المالية مثلا في حاجة الي تهيئة فنية والكترونية قبل ان يتمكن من القيام بذلك، ولكن هناك بدائل اخري يمكن طرحها توائم ما بين وجهات النظر المختلفة وتساعد البنوك في جمع السيولة الهاربة.

في تقديري الشخصي انه لامناص الان من توحيد حقيقي للبنك المركزي وليس شكلي كما اشيع عن تجميد وظيفة المحافظ ونائب المحافظ فذلك مخالف لقانون المصارف الذي لايمكن التغاضي عنه وعلي المجلس الرئاسي ان يبادر الي حسم هذا الجدال والصراع وان تكون هتاك اجرءات حقيقية علي ارض الواقع. لاشك ان هناك مشكلة عميقة وهيكلية في الاقتصاد الليبي تلقي بظلالها علي اوضاع السيولة النقدية وعلي الحياة المعيشية للمواطن والذي اصبح يتلقف الاخبار عن الاوضاع الاقتصادية لعله يسمع ما يفرج همه ويشفي صدره، و لا مناص الان من تجرع الدواء المر قبل تفشي الداء المرعب.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا