أزمة الكهرباء بين غياب الرؤية وسوء الإدارة - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

بعيداً عن رائحة البارود وضجيج السلاح تعاني الأمة الليبية قاطبة من الإضلام التام حينا والإضلام المقنن لساعات طويلة، ويصبح واقع الكهرباء مدعاة للتدمر والتهكم وأحيانا كثيرة للتخوين، بين هذا وذاك لا شك أن إنقطاع الكهرباء في ليبيا دليلا على غياب الرؤية وسؤ إدارة وتخبط مشين لا علاقة له بالإمكانيات، وخاصة الفنية منها التي أثبتت جدارتها في إعادة ربط الخطوط المقطوعة وتركيب المحولات المدمرة بسبب الإشتباكات، وإعادة تشغيل التربينات بعد كل إضلام.

سوء إدارة مصادر الطاقة وعجز الدولة عن توفير المطلوب منها للمواطنين من سمات الدول الفاقدة للاستقرار مثل العراق وليبيا ولبنان واليمن وحتى مصر والسودان والعديد من الدول الأفريقية، ومنها ما هو بالغ الثراء ولكن الفساد وعدم تدبير الموارد جعلها من رواد نادي الإضلام.

في ليبيا دخل توليد الكهرباء إلى الكثير من المدن مع نهاية الثلاثينات، وكان التوليد بمولدات تدار بمحرك ديزل حتى بداية السبعينات من القرن الماضي، مع توقف الإنارة عند الساعة الثانية عشرة ليلا لتستأنف في الصباح، ثم إستعمال الزيت الثقيل في محطة غرب طرابلس وبنغازي لتستأنف عملية ربط المدن بالكهرباء، تلا ذلك مد خط الغاز بين البريقة وطرابلس مرورا بمدن الساحل في منتصف التسعينات ثم مد خط الغاز من حقل الوفاء إلى مليتة ثم الزاوية وطرابلس في سنة 2005م، وبالمثل إلى الزويتينة، وبذلك تحققت شبكة من الغاز لها قدرة كبيرة على التصدير وعلى إدارة التربينات البخارية والغازية. ويمكن زيادة عدد محطات توليد الكهرباء، بتكلفة تقارب 300 مليون دولار لتوليد 300 ميجاوات.

خلال العشرة سنوات الماضية زاد الطلب على الكهرباء من 5700 ميجاوات/ساعة سنة 2010 إلى 6700 تبعا لشهر يوليو 2019م أي بزيادة ألف ميجاوات في عشرة سنوات وهي زيادة قليلة، وذلك لتوقف المشاريع الصناعية وتقليص الخدمي إلى حد كبير، رغم ذلك فالعجز لشهر يوليو 2019 وصل إلى 2000 ميجاوات بسبب تدني المتاح إلى 5000 ميجاوات. ويمثل الإستهلاك المنزلي والتجاري قرابة 50%  والمرافق العامة 27% من كمية المنتج. وهذه الأرقام تؤكد نفي شائعات صفقات المولدات والتخوين في قطع الكهرباء.

نصيب الفرد من الكهرباء للمواطن الليبي يساوي 1811 ميجاوات/ ساعة، هذا النصيب كان متحققا في المدن الكبرى مثل طرابلس، واليوم مطالب به في معظم المدن الليبية، وهو أكبر بكثير من نصيب الفرد في بعض الدول العربية مثل المغرب ومصر وتونس والعراق والجزائر ومقارب للأردن، مما يعني أن الأزمة ناتجة عن التبدير بل الإستهتار في إستهلاك الكهرباء بسبب تدني الرسوم وعدم الجباية من الأفراد والمؤسسات.

التبذير لا يحتاج إلى برهان ولن يتوقف بلا رادع، ، فمثلا ألاف المكاتب تترك مكيفاتها عاملة أيام وأشهر، ومئات الألاف من المنازل تستخدم الكهرباء بلا جباية، مع تركيب مكيفات في معظم الحجرات، وألاف اخرى من المنازل والمحلات التجارية لا عدادات لها، فالتقدير المبدئي أن الإستهلاك المنزلي يقارب 2.5 مليار دولار سنويا، ومثلها للمرافق العامة وموسسات الدولة، وهو ما يساوي دعم الدولة لمحروقات الكهرباء فقط. فدعم الكهربا والدعم بصورة عامة طريقة هزيلة لمعالجة الأمور. ولا يستني تبذير 20 ألف مسجد التي من السهولة تركيب مكيفات لها بقوة 54 كيلووات للبعض منها، ولكن هذه تمتص الكهرباء بكميات كبيرة ويستفاد بها لمدة لا تزيد عن ثلاث ساعات يوميا، وهو ما لم ينزل به سلطانا أو تقول به شريعة.

في العديد من الدول عند حدوث أزمة كهرباء كما في الحالة الليبية يتم تغيير مجلس إدارة الشركة أو المؤسسة (وليس مشاركة رئيس الدولة وتورطه في سؤ عملها وإدارتها وتخبطها)، ويتم تكليف أشخاص لهم دراية وحكمة وفاعلية للنهوض بالقطاع ووضع حلول ناجعة لمختنقاتها.

حل مشكلة الكهرباء في ليبيا ليس بالمستحيل ولا بالمعقد لآسباب كثيرة منها توفر المواد الخام والموارد ووجود مشاريع شبه جاهزة، إلا أن سؤ إدارة الشركة وسؤ إستعمال الموارد أوجد هذه الأزمة، ويمكن إختصار وسائل النهوض بقطاع الكهرباء إلى مجموعتين من الإجراءات، منها العاجلة القصيرة المدى ومنها الطويلة المدى.

الإجراءات العاجلة تتمثل فيما يأتي:

  1. تغيير مجلس إدراة الكهرباء وإعادة هيكلة إدارة الصيانة والإنتاج.
  2. البدء في وضع برامج للصيانة الوقائية لكل محطة وتوفير الإمكانيات لتنفيذها.
  3. الإستعانة بقوة عسكرية تابعة للدولة للقيام بتامين محطات الإنتاج وغرف التحكم لقطاع الكهرباء، وكف أيدي المجرمين والعابثين عنها، مع البدء في التوزيع العادل لساعات الإنقطاع اليومية والتي لا تتجاوز 3 ساعات في دروة الإستهلاك السنوي.
  4. تنفيذ بنود عقد المستفيدين من الكهرباء بجدولة الديون مع دفع للثلاثة أشهر الأخيرة، أو قطع الكهرباء وترجيعه بمبلغ مقابل التركيب، وقطع التوصيلات غير القانونية وتركيب العدادات للمطالبين بها، وتيسير الدفع بالشيكات العادية أو بالبريد أو بمنظومات الدفع المختلفة.
  5. الموازنة بين الأنتاج والطلب ، فالكهرباء لا تُخزن إن كان هناك فائض، ولا يسمح بوجود العجز عند إنتاجها، والإستهلاك المجاني لا حدود له.

أما الإجراءات طويلة المدى فتتمثل في الآتي:

  1. إستكمال المحطات تحت الإنشاء او تحث تجارب التشغيل مثل محطة سرت ومحطة أوباري.
  2. القيام بالتعاقد لتجديد محطة غرب طرابلس.
  3. التشجيع على إستخدام منظومات الألواح الشمسية في المنازل والمزارع وبيع الفائض لشركة الكهرباء عن طريق الحقن في الشبكة العامة، وهذا يحتاج إلى تشريعات وعدادات خاصة.
  4. التفكير في أن شركة الكهرباء التابعة للدولة تقوم بالإنتاج فقط، وتقوم شركات خاصة بالتوزيع وصيانة الخطوط وجباية الرسوم وبذلك تتخلص الدولة من مشكلة الجباية والديون كما في قطاع الإتصالات.
  5. ربما بعد سنوات سيتم التفكير في خصخصة الكهرباء كما في نيجيريا التي قضت على مشكلة الكهرباء بفتح باب الإنتاج والتوزيع للقطاع الخاص.
  6. بعض الدول إتجهت إلى الطاقة الذرية رغم خطورتها، ومنها دول كبرى مثل فرنسا، ودول شرق اوسطية مثل إيران ومصر وربما لبنان ستقوم بالتعاقد مع روسيا لحل مشكلة الكهرباء بإستعمال الطاقة النووية.

 



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا