أزمتنـا أخلاقيـة يا سادة! - عين ليبيا
من إعداد: ا.د. محمد بالروين
المقصود بمصطلح “الأزمة” هي نقطة التحول أو الأوقات الصعبة التي يعيشها شعب أو دولة ما، تتطلب اهتمامات جادة ومواجهة تحديات غير مستقرة وخطيرة، وضرورة اتخاذ قرارات مصيرية وصعبة وفي وقت سريع، بمعنى آخر، هي الفترة التي يحدث فيها نقصُ شديد أو عجز كبير أو انخفاض حاد في قيم ومكونات حالة أو منظومة معينة مما يؤدي، إذا لم يتم التعامل معها بسرعة، إلى نتائجَ كارثية ومدمِّرة للفرد والمجتمع في الدولة.
أما المقصود بمصطلح “الأخلاق” فهي منظومة القيم والمبادئ التي يعتبرها شعب ما جالبة للخير وطاردة للشر، ويعتبرها مرجعية فكرية وثقافية يستلهم منها أعماله وسلوكياته وأنظمته وقوانينه، وهي العامل الأساس لرقي الدول والمجتمعات واستمرارها، وهي عملية ضرورية لإعداد النخب والقادة السياسيين لكي يكونوا قدوة ومثل أعلى لأتباعهم ولكل من حولهم، وهي أيضا مهمة وضرورية لمحاربة الفوضى والفساد والاستغلال المتفشي في مؤسسات الدولة.
والسؤال المهم هنا: متى يمكن القول إن دولة ما تعيش أزمة أخلاقية؟ أي أن منظومتها الأخلاقية قد تراجعت بدرجة سريعة وكارثية؟ والحقيقة أَنَّ للمرء أن يعرف ذلك عندما تختفي أو تضيع أهم القيم الأساسية المشتركة بين أفراد مجتمعها، وتحل محلها شعارات ومصطلحات جوفاء ليس لها تعريف واضح ولا محدد حتى عند من ينادون بها، وعندما تُصبح السلطة في هذه الدولة الهدف الوحيد لنخبها، ويصبح السياسي فيها ضحية غرائزه الشخصية، ويكون هدفه الوحيد البحث عن اللذة والمتعة والحصول على أكبر قدر من الثروة بأي وسيلة ممكنة ومن أي مكان، ودون الخوف من أي رادع يردعه، وعندما تصبح الرشوة شرط أساسي في التداول وأمر مطلوب لتحقيق الصفقات الاقتصادية والسياسية، وعندما لا تحترم النخب السياسية المواثيق التي تعهدت بها، حتى لو كانت هذه المواثيق قد كتبتها بنفسها وفصلتها على مقاسها الخاص! عندما يحدث كل ذلك، أعلم بأن تلك الدولة تعيش أزمة أخلاقية خطيرة ومُكتملة الأركان.
أهم القيم الأخلاقية
لعل من أهم القيم الأخلاقية الضرورية لإنجاح واستمرار أي نظام سياسي هي الآتي:
الخلاصة
إذا سلمنا بالمؤشرات والمعايير السبع المذكورة أعلاه، أي (النزاهة والحياد والاحترام والالتزام والكفـاءة والمساءلة والشفافية)، واعتبرناها مقاييس ومعايير ضرورية لوجود (أو غياب) أزمة أخلاقية في دولة ما، فإن المرء يمكن أن يستخلص، وبكل وضوح، أن الوضع السياسي الليبي يعيش هذه الأيام أزمة أخلاقية حادة وخطيرة صنعتها، للأسف الشديد، النخب السياسية المُسيطرة على المشهد مند 2011، تحت شعار”شرعية الأمر الواقع”، والسيطرة “السلاح والمسلحين المرتزقة والوطنيين!”.
وفي اعتقادي، أن السبب الرئيسي لهذه الأزمة الأخلاقية يعود إلى غياب الاشتراك في القيم والمبادئ الأساسية، واحترام ما تم الاتفاق عليه بين هذه النخب، فمن المؤسف أن تجد هذه النخب لا تلتزم بما توافقت عليه فيما بينها، ولا تحترم مواثيقها وتعهداتها التي كتبتها بنفسها، ولا تنظر للسلطة إلا أنها مجرد هدف في حد ذاتها، وليست وسيلة لبناء الدولة وتطوير المجتمع.
وتناست هذه النخب إن السياسة الحقيقية تتطلب، من الذين يمارسونها، أن يكونوا أخلاقيين في أعمالهم وسلوكيتهم، وأن يلتزموا بالقيم السبعة التي ذكرتها أعلاه، أي بالنزاهة والحياد والاحترام والالتزام والكفـاءة والمساءلة والشفافية، إذا أرادوا النجاح وتحقيق أحلام شعبهم؟.
وتكمن أهمية هذه القيم الأخلاقية السبع في أنّها تلعب دورًا أساسيا ومهمًا في حياة المسؤول، وتؤثر بشكلٍ مباشر في عمله وسلوكه وتصرفاته، وتساعده على الوصول لأهدافه في حياته المهنية وفي كيفية تعامله مع الآخرين، ومع المواقف الصعبة التي تواجهه، وترشده إلى فعل الصواب واختيار المهام المناسبة له، وعليه، على كل من يريد أن يتعاطى السياسة أن يدرك أنه لا يمكن، بأي حال من الأحوال، فصل الأخلاق التي يعيشها شعب ما عن مجالها السياسي التي وجدت فيه، وفي هذا الصدد يقول أمير الشعراء احمد شوقي:
إِنما الأمم الأَخلاقُ ما بقيت ** فإِن هم ذهبت أَخلاقهم ذهبوا.
فهل يمكن أن تستوعب نخبنا السياسية الحاكمة هذا الدرس الأخلاقي المطلوب لإصلاح ما يمكن إصلاحه وإعادة بناء دولتنا الحديثة التي يحلم بها شعبنا المظلوم؟!.
أدعو الله أن يتحقق ذلك.
أخيرا يا أحباب، لا تنسوا أن هذا مجرد رأي،
فمن أتى براي أحسن منه قبلناه،
ومن أتى برأي يختلف عنه احترمناه.
والله المســـتعـان.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا