أنصار الكرامة بين نكران الذات وسلطة الإله..!! - عين ليبيا

من إعداد: د. فرج دردور

عندما تستمع لمثقفي الكرامة يتحدثون عن الجيش الذي يحارب الإرهاب، بلغة الترفع عن السلطة وعدم التدخل في السياسة وانقاذ الوطن، لا تجد أي مبرر بألا تكون في صفهم، فهذا هو نكران الذات الذي نبحث عنه، وخصوصاً أن هذا يتفق تماماً مع مطلبنا ونحن في طرابلس عندما كنّا ننادي بالجيش والشرطة ونعارض عملية فجر ليبيا وهي في أوج قوتها، وكان كثير من انصار الكرامة ـ مع احترامي لكم ـ إما مختبئ وإما هارب ينعق من بعيد.

لكن سرعان ما تنصدم ويصيبك الغثيان عندما تسمع بعض مثقفي الكرامة يرفضون أي محاولة طبيعية للتغيير ومنها الانتخابات، ويصبون جام غضبهم على كل من يختلف معهم، فيقسمونهم بين إخوان ومؤيد للإخوان والمقاتلة، أضف إلى ذلك اتهامهم بعدم الوطنية والخيانة والعمالة للأجنبي، رغم أن ثيارهم أكثر تلقياً للتعليمات من الأجنبي، لا بل يرخصون لعمل الطائرات الحربية الأجنبية في سماء ليبيا… ما علينا!!

فتشخيص حالهم يشبه أعراض مرض انفصام الشخصية، فالفرد منهم خالي الذهن من أي مشروع سياسيي، لا بل لا يعلم شيئاً عن الحرية والديمقراطية، وليس له أدنى قدرة على مناقشة فكر الآخرين، ويكتفون بالخطاب الشعبوي الذي لا تجد لألفاظه ما يقابلها من دلالة على أرض الواقع، وفي الغالب يرهنون تفكيرهم لانتمائهم دون تدبر، ويعتقدون في السيد خليفة حفتر الرمز الذي يجب الالتفاف حوله، حيث يضعونه في خانة الاله الذي يترفع على السلطة، ومن هنا يجب أن يكون فوق السلطات وأعلى قامة من مؤسسات الدولة (ولا أظنه يقبل بذلك لأن هذا التمجيد ينقص من قدره)، إلى درجة أنني شاهدت السيد (س ص) على قناة فضائية، وهو سجين سياسي سابق ـ وفق زعمه ـ التحق بالعمل السياسي دون اخضاعه لعملية اعادة ادماج ضرورية في المجتمع، يحتاجها كل سجين تعرض للسجن فترة طويلة، حتى يتخلص من سلوك العنف الذي تعرض له عندما كان ضحية، فأفقده بعض المقومات الإنسانية. وعدم اخضاعه للعلاج جعله يتلذذ بالعنف الذي ينتجه الجيش بطبيعته، وهذا موضوع أخر طويل كتبت فيه سابقاً. السيد (س ص) كان يحتج على مذيع قناة فضائية لأنه لم يلحق صفة المشير باسم (سباعي) للسيد خليفة حفتر، على وزن اسم الجماهيرية العظمى. وذلك حتى يكون أكثر تميزاً عن البشر.

وعندما تسأل مثقف كرامي عن صفة السيد الناظوري التي رفضها القضاء، يقول لك: “نحن نحارب الإرهاب في بنغازي، ويجب أن يتولى الجيش (سلطة مؤقتة)، على غرار قطار الموت الذي استعمله القذافي لتبرير تجويع الليبيين في فترة معينة، وكأن المثقف الكرامي يقول لكم: “يحكمكم الجيش ولكن ظروف المرحلة لا تلزمه إلا بمكافحة الإرهاب، واحزموا بطونكم دون ذلك”، لأنهم يعلمون جيداً بأنهم فارغون لا يملكون أي برنامج تنموي يحقق رفاه اقتصادي لليبيين، ويعتقدون أن غيرهم في الهم سواء. وسوء حال خصمهم يكفي بأن يكون مبرراً لقفزهم على السلطة، بالرغم من أنهم الأسوأ على الساحة الليبية، وفق ما يراه بعض المراقبين، وكل ما يريدونه هو حكومة مثل حكومة الثني، التي من الممكن أن يستند السيد القائد العام على شكوى مقدمة من مواطن ليضعه في السجن لمدة اسبوع كعقوبة إلاهية يجب أن يقبلها السيد رئيس الحكومة، وهو مبتسماً بعد أن يفرج عنه القائد العام مثلما كان يحصل لرؤساء حكومات القذافي.

إذاً ما الجديد الذي قدمه أنصار الكرامة سوي تقديم نموذج أسوأ من نظام القذافي الذي من فضله أنه فضل الانسحاب من مدينة طرابلس ورفض تدميرها، في حين أن المثقف الكرامي يدعو ليلاً نهاراً إلى تدمير مدينة طرابلس اسوة ببنغازي، ولا يهمه تهجير 2 مليون من سكانها مادام المثقف الكرامي يدخلها رافعاً رايات النصر على انقاض ذات العماد والسرايا الحمراء وسوق الحوث، وروائح الموت تنتشر في كل شارع. وأتذكر أنني في مرة قابلت أحد انصار الكرامة في طرابلس وهو قبلي المنشأ على طريقة العصر الجاهلي، فقال لي حرفياً، “حتى لو تدمرت طرابلس كلها وكان من بينهم بيتي أنا مسرور. المهم أن تدخل الكرامة وتسيطر، تصور لو نقلت هذه الرسالة إلى شعوب العالم المتحضر، فماذا سيقولون عن أنصار الكرامة!!، فعلاً أسمع بالتتار حتى رأيتهم!!

والأغرب من ذلك أنهم يريدون من أستاذ جامعي ـ مثلاً ـ أن يمزق شهادته ويتحلل من علمه، ويفكر بطريقتهم!!! ومع احترامي لكم، فإن بعضهم يرى أن عدوهم الأول هو العالم أو المثقف الذي لا يقبل طريقة تفكيرهم، فهذا بالنسبة لهم أخطر من الدواعش، حيث استبدلوا نتائج المختبرات العلمية بحكمة شيوخ القبائل، ولهذا هم غير معنيين بالعلم والثقافة، ووثائق العهد والمبايعة هي كتبهم المفضلة التي تعد أهم من معجم لسان العرب وكتب التقنية الحديثة.

بالله عليكم، هل يصلح مثل هؤلاء وهم بهذا المستوى من التفكير، بأن يكون لهم أي دور في بناء دولة حضارية، والفرد منهم يعميه الحقد، ومتشرب بسلوك العنف متشفياً في الموتى، ومتعطشاً للدماء إلى حد الإدمان…

في نهاية المطاف، نحن لسنا ضد طريقة تفكيرهم ولا نطلب اقصاءهم، ولكن في نفس الوقت نرفض تهديداتهم، لأننا غير مقتنعين بمنهجهم الذي نراه سقيماً. فهل تعلموا من ثقافة الاختلاف شيئاً!!



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا