أهم العقبات في طريق الدولة المدنية - عين ليبيا

من إعداد: عبد الله الكبير

أوفد الرئيس الأوحد للبرلمان فخامة المستشار عقيلة صالح فريقه إلى القاهرة، للتفاوض مع نظرائهم في مجلس الدولة حول القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، التي ستجرى على أساسها الانتخابات المقبلة في أقرب وقت ممكن، ثم نزل بسرت، ليعقد جلسة لمجلس النواب، لإقرار الميزانية لحكومته الجديدة التي شكلها مؤخرا. قال فخامته في افتتاح الجلسة: “كلما فكرت في مغادرة المشهد السياسي، أجد أن معرفتي بجذور الأزمة في بلادي والحاجة الملحة والضرورة القصوى والواجب يتطلب مني ومن الجميع التمسك بالخيارات الضامنة لبناء الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات، دولة الحق والعدل”.

يكشف فخامته في هذا التصريح الخطير، أن ثمة أفكار شيطانية تراوده حينما يخلو مع نفسه، تدعوه إلى مغادرة المشهد، وترك الشعب يتخبط دون هدى، وبلا أمل في تأسيس الدولة المدنية المنشودة، مردفا باطلاعه ومعرفته بجذور الأزمة، والجذور كما يعرف الجميع منطقة بالغة الحساسية، تحتاج إلى قدرات خاصة، لا تتوافر إلا لأولى العزم من رؤساء المجالس النيابية. فهي ليست كالجذوع والسيقان والأوراق الواضحة للجميع، حتى  لأعضاء مجلس النواب، وأبسط خطأ في معالجتها سيقضي على الأزمة برمتها.

هناك أكثر من خيار ضامن للدولة المدنية، جميعها يتمسك بها فخامته. الخيار الأول هو الاستعداد لمواجهة أعداء الدولة المدنية، بتأسيس جيش قوي لا يخضع لأي سلطة، يتوفر لقائده أبناء بررة، موثوق بهم لشد أزر والدهم، يمنحون أعلى الرتب في زمن قياسي، ويقودون أقوى الكتائب وأفضلها سلاحا، وتخصص له ميزانية مستقلة، ولا يحق لأحد محاسبته، وله حق الاستعانة بالمرتزقة. والخيار الثاني هو استدعاء الجيش المصري إذا تطورت المواجهة، ولاحت بوادر هزيمة الجيش القوي.

يؤكد فخامته أن الدولة المدنية هي دولة القانون والمؤسسات، ومن هذه الزاوية رفض فخامته الاعتراف بحكم الدائرة الدستورية، بإلغاء مقررات لجنة فبراير التي انتخب مجلس النواب وفقا لمقرراتها. كما أن التداول السلمي على رئاسة مؤسسات الدولة، يقضي إجراء انتخابات رئاسة المجلس النيابي مرة واحدة، في حالة ضمان وصول رئيس حريص على تأسيس الدولة المدنية، متمكن معرفيا من جذور الأزمة، ليتسنى له إصدار القوانين واتخاذ القرارات، من دون الالتزام بالإعلان الدستوري، واللائحة الداخلية المنظمة لعمل المجلس، لأن غالبية النواب، وربما كلهم لا علم لهم بجذور الأزمة، بل لا تتعدى معرفتهم القشور السطحية لها، ومن ثم سيسلمون مفاتيح القرارات والقوانين لفخامته، مطمئنون أن الدولة المدنية آتية لا محالة، وينصرفون إلى شcونهم الخاصة.

اسمع كلامك أصدقك، بينما تصرفاتك مخالفة تماما لما تصرح به. الدولة المدنية المغايرة تماما لقواعد حكم العسكر، أو الملالي، أو أي نظريات أيديولوجية. تشترط دستورا واضحا متوافق عليه عبر استفتاء الشعب، ولا يمكن لمدعي الحرص على مدنية الدولة، إهمال مسودة الدستور خمس سنوات دون عرضها علي الاستفتاء. هذا هو الشرط الأول والأساسي الذي تجاوزته لكي تستمر المرحلة الانتقالية، وتمضي من خلال موقعك في السعي للهيمنة على كل خيوط السلطة، والدولة المدنية تحرص بالدرجة الأولى على حقوق المواطن كافة، بصرف النظر عن انتمائه الجهوي، أو مستوى التزامه الديني، أو لونه.. الخ. بينما تصر فخامتك على بعث الجهوية المقيتة، وتكريس تجزئة البلاد إلى مكوناتها القديمة، فلم تكن يوما حريصا على وحدة البلاد، والدفع بترسيخ الهوية الواحدة الجامعة والترفع عما دونها.

كيف يستقيم زعمك بالوصول إلى توافق مع نظرائك في مجلس الدولة، حول القاعدة الدستورية، للذهاب للانتخابات في أسرع وقت، وفي نفس الوقت تبعث الانقسام الحكومي من مرقده، بتأسيس حكومة أخرى، مؤكدا أنك لن تستجيب لأي خاطر، يدعوك لمغادرة المشهد السياسي، لأن استمرارك حاجة ملحة وضرورة قصوى؟.

إن طريق الليبيين نحو تأسيس الدولة المدنية شاق وطويل، وملئ بالعقبات والتحديات المحلية والإقليمية والدولية، وأهم هذه العقبات التي لا مناص من ازاحتها عن الطريق، هي فخامتك ومجلسك البائس، وكافة الطبقة السياسية المتصدرة للمشهد منذ سنوات، وهذا ما يسعى إليه الليبيون الآن سلميا عبر الانتخابات.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا