إعلام هابط وبيئة محفزة! - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

المتتبع للشأن الليبي من خلال وسائل إعلامنا المختلفة لا يمكنه إلا أن يشعر بالخيبة والحسرة على ما وصل إليه إعلامنا من إسفاف وسقوط بلغ حدا من الفجور والنذالة، حتى أنك لتشعر بالصدمة في بعض الأحايين وأنت تسمع وترى بعض المشاهد او البرامج فتقف مشدوها مندهشا عاجزا عن مجرد استيعاب الموقف أو حتى استساغته في مخيلتك التي أصلا يعتريها التشويش من جراء منغصات يومية مستمرة تفرضها بيئة مسمومة ذات تحفيز سلبي قوي!.

مازلت ابحث عن سر رغبة بعض الليبيين استعمال مفردات عدوانية لوصف خصومهم، وأكثر من ذلك قبول السامعين لها بل هناك من يشرع في استعمالها كذلك!؟.

عن نفسي امتعض كثيرا من سماع مثل تلك العبارات ولا يمكنني مطلقا إعادة تدويرها فهي بالنسبة لي قمامة غير قابلة للتدوير ومعدومة الفائدة!، لكن هناك من يصر على عملية التدوير وربما يجد فيها متعة لم اتحسسها يوما، ولهذا ربما أكون مخالفا لما هو سائد فمن يدري!؟، لازلت ابحث عن السر الدفين وراء ذلك واتشوق لمن يروي فضولي بإجابة شافية كافية فهل من مسعف!؟.

من باب التذكير كان معمر القذافي أكثر الرؤساء استعمالا لتلك المفردات السمجة، عندما كان يصف بها خصومه السياسيين، فلم يكن يتردد في قولها خلال خطبه النارية الموجهة عبر الإذاعات والتي تتناقلها أغلب وسائل الإعلام الدولية، لقد بدأ القذافي يستخدم كلمات نابية واصفا بها خصومه وخاصة بعد زيارة الرئيس السادات المشهورة للكنيست الإسرائيلي وما نتج عنها من توقيع لإتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد، فقد أطلق على الزيارة “زيارة العار” وعلى الاتفاقية “اتفاقية اصطبل داوود”، ومنذ ذلك التاريخ صار يسمي السادات بالرئيس المهزوم والقاهرة بالعاصمة المقهورة، وكان يسمي حسني مبارك بـ”حسني البارك” وجعفر النميري بـ”الذيل نميري” وسلطنة عمان بـ”مربط الحمير” وحكام الجزيرة بـ”خنازير الجزيرة” والرئيس الأمريكي رونالد ريغن بـ”راعي البقر” وتاتشر رئيسة وزراء بريطانيا بـ”قاتلة الأطفال”…. والقائمة تطول!

الغريب أن وسائل الإعلام الليبي الرسمية كانت تستخدم تلك الألفاظ سواء منها المرئية أو المسموعة أو المقروءة وهذا ما رسخ بشدة تداول تلك العبارات لدى العامة من المستمعين والمشاهدين، حتى أضحت ثقافة مستعملة ووجد الجيل الجديد نفسه مضطرا لاستعمالها بحكم شيوعها وكثرة استخدامها، فصارت عادة متداولة توارثتها الأجيال، في مؤشر خطير على مستوى انحطاط خلقي قيمي في ثقافة عامة اصبحت تعتريها عديد الشوائب.

الغريب أيضا أنه حتى بعد انتهاء نظام القذافي وجدنا من يستعمل مثل تلك العبارات النابية والألفاظ وبدرجة أكبر شدة وأكثر حدة دون أي اعتبار للضوابط الأخلاقية والقيمية ودون مراعاة لمشاعر المتلقي مشاهدة أو استماعا، في تصرف فج بعيد عن أبسط متطلبات العمل الإعلامي الملتزم، وخاصة عندما يسمح بإستعمال تلك العبارات دون استحياء في محطات فضائية رسمية سواء منها الحكومية أو الخاصة، ويكون ذلك متاحا لمقدمي البرامج والمذيعين والضيوف على حد سواء لدرجة أن بعض القنوات صارت تستعمل ألفاظا وعبارات محددة وتثبتها في قاموسها الإعلامي بل وتخصص برامج بعينها لرواد مثل تلك العبارات من الشخصيات المبتذلة التي لا تحترم الجمهور.

ما أحوجنا اليوم إلى ميثاق شرف إعلامي يحرّم مثل هذه التفاهات الإعلامية ويجرّم كل من يستعملها من الأشخاص والقنوات، لأنه وبكل صراحة تجاوزت بعض قنواتنا الإعلامية كل حدود العمل الإعلامي، ولم تلتزم بأبسط معايير المهنة كالتي تستظيف شخوصا أشبه بالمهرّجين وتمنحهم أوقات طويلة ينفثون فيها عفنهم المسموم في وجوه المشاهدين والمستمعين دون خجل أو حياء، فتبا لثقافة روادها مثل هؤلاء الحقراء المتمردين عن العرف وناموس الأخلاق.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا