إلغاء علم النحو ضربة في خاصرة اللغة العربية ومخالف لمبادئ الدستور - عين ليبيا

من إعداد: د. مجدي الشبعاني‎

فلو تأملنا نص المادة الأولى من القانون الدستوري الليبي نجدها تنص على أن “اللغة الرسمية هي اللغة العربية”، وتنص المادة الثانية من مسودة الدستور التوافقي على أن “هي لغة الدولة، مع اعتبار اللغة العربية والأمازيغية والتارقية والتبوية تراثًا ثقافيًا ولغويًا ورصيدًا مشتركا لكل الليبيين، وتضمن الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها”، فكيف نحافظ على لغة الدولة ونحن نهمش العلم المعني بحفظها وضبط قواعدها وقوافيها واوزانها، فالقواعد الدستورية تتميز بسموها ولا يجوز مخالفتها بأي صورة كانت ، وعلى السلطة التنفيذية أن تضع السياسات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ لا أن تخالف أحكامه.

وفي العالم العربي ومنذ القدم كانوا شديدي الاهتمام بلغتهم وضبط قواعدها فتقام المناظرات والمسابقات كسوق عكاظ الشهير الذي كان ميدانا لتنافس الأدباء والشعراء، وبظهور الإسلام ساهم القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين في الحفاظ على اللغة العربية وضبط قواعدها، وعندما نشأت مدارس النحو، كانت تتمركز في مدن معينة يقطن فيها أساتذة ذلك العلم، وكان يلقب بـ”شيخ النحاة”، فكان هناك نحاة البصرة، ونحاة الكوفة. وأخرجت تلك المدارس العديد من علماء النحو النابغين مثل الأخفش الكبير، ويونس بن حبيب، وأبى زيد الأنصاري. أما شيخ نحاة الكوفة فكان الكسائي، بينما كان الخليل بن أحمد هو إمام نحاة البصرة، وتبعه سيبويه الذي كان تلميذًا للخليل، ثم معلمًا لتلاميذه من بعده، وكانت المنافسة بين نحاة الكوفة والبصرة شديدة.

ومن اللطائف يذكر أن سيبويه ذهب إلى بغداد لمناظرة الكسائي في بلاط الخليفة هارون الرشيد، وظلا يتباريان في النحو لعدة ساعات حتى طرح الكسائي مسألة، ظل فيها كل منهما على موقفه، فاستشاروا جماعة من الأعراب يشهدون المناظرة، فحكموا للكسائي ففاز، وإن كان علماء النحو الآن يقولون أن رأي سيبويه كان هو الصحيح.

ولقد ذكر الذهبي سير العديد من النحاة في كتابه سير أعلام النبلاء.

فالنحو علم قائم بذاته له قواعده وأصوله وهو تخصص مضبوط لا غنى عن أبناءنا من تعلمه، بل أعتقد أنه كان من المفترض زيادة الساعات المخصصة لهذا العلم، لإعطاء هذه المادة نظريا وتطبيقا، والعمل على رفع كفاءة معلميها والتطوير من طرق تدريسهم لهذه المادة الرائعة، فإلغاؤها أمر غير ذو فائدة ، بل ضرره عظيم ، فبهذا العلم نضبط كلمات هذه اللغة العظيمة التي يتغير معنى كلماتها بتغير حركة أو نطق قائلها إلى معان عديدة، ونبني على تلك المعاني قواعد ديننا في الكفارات والنذور والطلاق وغيره، ونركز عليه في تعاقداتنا والتزاماتنا.

وهذا ما يذكرني بقول الشاعر:

أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً ****       وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ

أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً      ****   فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ

أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ    ***  يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي

ولو قمنا بنظرة سريعة لوجدنا بالغ الاهتمام من دول العالم المختلفة بلغاتها والعناية التامة بمادة قواعد اللغة ولا توجد لغة تهمش لغتها لصالح لغة أجنبية.

– فدولة فرنسا أقدمت في عام 2008م على تعديل المناهج الدراسية (تشافى داركوس وزير التعليم الفرنسى مؤلف كتاب المناهج الدراسية) حيث حرصت على إعطاء الأولوية لتعلم الرياضيات واللغة الفرنسية مع زيادة ساعات تعلم اللغة الفرنسية.

فالجدول الزمني الجديد أعاد تقسيم ساعات الدراسة إسبوعيا, فعلى سبيل المثال زيادة عدد ساعات دراسة اللغة الفرنسية, لتصبح 10 ساعات اسبوعيا في الدورة التعليمية الثانية المعروفة ب(cycle 2) ، و8 ساعات أسبوعيا للدورة التعليمية الثالثة المعروفة بـ(cycle 3)، والتي كانت تتراوح ما بين ستة وثمانية ساعات في البرامج السابقة.

– في ألمانيا يبدأ التعليم المدرسي بالمرحلة الابتدائية الأساسية والمعروفة بـ”Grundschule”، وغالبا ما تنتهي المرحلة الابتدائية في الصف الرابع، باستثناء بعض الولايات التي تنتهي فيها هذه المرحلة في الصف السادس مثل ولايتي برلين وبراندنبورغ. في الـ”Grundschule”.

ويتم التركيز في تعليم التلاميذ قواعد القراءة والكتابة للغة الألمانية وكذلك التركيز على مادة الحساب، مع الاهتمام ببعض اللغات الأخرى.

– وفي أمريكا لا يوجد منهج قومي رسمي للتعليم وتقع مسؤولية المناهج وتخطيطها وتطويرها على عاتق إدارات التعليم بالولايات مع إتاحة الفرصة للولايات المحلية والمدارس بقدر معين من المشاركة. وعادة ما يشارك في تخطيط المناهج وتطويرها المتخصصون في المادة ومديرو المدارس والمعلمون، وذلك بالإضافة إلى أساتذة الجامعات من المتخصصين في التربية.

وفي العموم يتم التركيز على اللغة الانجليزية ويتضمن المنهج التركيز على القراءة والكتابة والنطق والاملاء والقواعد.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا