إللى إديرها العمشه يكلوها ضناها وإللى إديرها العمى يلقاها فى عُكازا - عين ليبيا

من إعداد: فتح الله سرقيوه

فى زمن الود والحب الذى عاش فيه أجدادنا وجدّاتنا ، ذلك الزمن الجميل الهادئ الذى لا زلنا نتذكره يوم بيوم وربما ساعة بساعة وخصوصاً لمن لا زالت ذاكرته جيده ولم يهاجمه (الزهايمر فى عمر مبكر) ليضرب عنده خلايا الذاكرة حتى لا يعلم بعد علم شيئاً وهى سنة الحياة لا شك فى ذلك، ذلك الزمن الهادئ بأحزانه وأفراحه كان حلقة من حلقات الحياة التى إتسمت بالهدوء والإستقرار والأمن والأمان والعدالة والمساواة بين الناس ، بالرغم من الفقر والعوز والحاجة إلى أبسط متطلبات الحياة ، فى ذلك الزمن عادةً ما كان الأطفال الصغار ينامون مع الكبار الأجداد والجدّات لكى تتاح الفرصة للآباء والأمهات لخلوة شرعيه وفى الدين ليس هناك حياءً ولا خجل ، وما أصعب ذلك فى تلك الفترة نتيجة لتواجد أكثر من عائلة تعيش فى بيت واحده فلكل أسرة (حُجرة ) واحدة والمتطلبات الخدمية مشتركه بين الجميع وكلهم يأكلون على (قصعة واحده) مناخ عائلى بمعنى الكلمة لايخلوا من ضيف أو زائر أوأداء واجب إجتماعى على مدار اليوم ، ولكن المُتعارف عليه هو مساعدة الأطفال على النوم بعد صلاة العشاء و لكى يستمتعوا بالحكايات والخراريف التى فى أغلبها تتحدث وتنقل أخبار الخوارق والأبطال والمواقف المُفجعة والغريبة مثل الأسد الذى هجم على قرية وأكل أهلها أو الفيل الذى دهس بأرجله على نجع كامل أو الطائر الضخم الذى حمل معه طفل إلى السماء وبوزيد الهلالى الذين خلع نخلة من الأرض وحارب بها أعدائه ، فمثل تلك الحكايات كانت تُخيفنا إلى درجة كنا ننام قبل أن نستكمل (الحكاية أو الخرافة) من الخوف والرعب.

ولكن أحضان جدادتنا كانت كفيلة بأن تضمنا وتهدئ من روعنا بواسطة الترجيب وأغانى النوم (يا نوًام جيب النوم وليدى عالى كالنجوم ) ـــ (هَو هَو على الغالى ما يراعى سو) .. وهكذا تستمر الحياة فيستلم الآباء الأحفاد من الأجداد وتدور حركة الحياة فيودعها واحدا ويأتى مولوداً وآخر وهكذا..، هذه هى بيئتنا التى عشنا فيها ولا زال يعيش فيها أبناؤنا وسيعيش فيها أحفادنا فلم يزرع فينا أهلنا الحقد والكراهية والضغينه والوصول لأهدافنا على أكتاب الغير مهما كانت الأسباب ، بل ما تركوه لنا هو حب الناس والتسامح معهم وإن لم نستطع أن نحصل على محبتهم فلا نجعل منهم خصوماً ولا أعداءً ، فذلك الزمن الطيب لم يكن فيه وسائل إعلامية كالتلفزيون والراديو للتوعية، وإن وجدت تجدها عند بضع من العائلات ميسورة الحال الذين يتحولون إلى مرجعية إعلامية ومصدراً للمعلومات حيث ينقلون الأخبار إلى الناس وكم كانوا يجدون فى ذلك فخراُ بأنهم هم من ينقلون تلك الأخبار فالناس لم يكونوا يهتمون كثيراً بما يحدث خارج محيطهم لأن حياتهم بسيطة على مستوى متطلباتهم.

دخلت إحدى عجائزنا الطيبات على جارتها وكانت تلك الجارة مُلقبة بالعمشه ويُقال ذلك على من بها قصرالنظر (أى ضعف نظر) وعدم وضوح الرؤية وكان من عادة أهلنا فى ذلك الزمن التعامل بالألقاب وهو ما نهى عنه ديننا الإسلامى ولكن نتيجة لإنتشار الجهل وقلة التعليم لم يُدركوا ذلك إلا بعد التفقه فى الدين وإنتشار وسائل الإعلام والتعليم، فكانت تلك المرأة تقوم بعمل (الثريد) بالسمن الوطنى وقد كانت تلك العجوز تُراقبها مذ أن بدأت تقوم بتجهيز الدقيق الذى كان يحتوى على ما يسمى (الدهيمة) وهو نوع من السوس ولم تقم بغربلة الدقيق وتنظيفه لأنها لم ترى شيئاً حيث بدأت فى عجن الدقيق ليصبح عجينة وكان بجوارها صحن به ماء وصحن آخر به ماء تغسل فيه يديها ونظراً لضعف نظرها ، مرة تضع يدها فى صحن الغسيل ومرة أخرى فى صحن الماء لكى تستكمل تجهيز العجينه حتى قامت بإلصاقها فى ما يسمى (التنور) فجزء من خبز الثريد إحترق وآخر نضج وبدأت فى تجهيز الثريد وقالت للعجوز (أيش رأيك فى هالمثروده يا عمتى ) قالت العجوز قولتها المشهورة إللى إيدرها العمشه يكلوها ضناها وما فيه حد برانى.

نحن اليوم وبعد الثورة نقول …. إللى إديرها حكومتنا العمشه يكلوها الغافلون وحتى إشعار آخر لا يتجاوز بضع أسابيع ، وإللى إيديرها المجلس يلقاها فى عُكازه وهم الذين يتعكّز عليهم من الإنتهازيين بالداخل الذين أهدروا المال العام أو من يشغلونه بالريموت كونترول من الخارج ويحتمى بهم وهذه حقيقة ومن يرفض ذلك فاليخرج علينا بوسائل الإعلام ويقول لنا أنتم تكذبون نحن نملك أمرنا بأيدينا !!!! ، أقول .. هناك قرارات مفاجئة تصدر كل يوم من المجلس أو الحكومة وكأنها لم تناقش ولم تُجهز تجهيزاً جيداً ولم تُدرس دراسة متأنية من كل الجوانب ولم تمر على المختصين والقانونيين والحكماء ، ولم تُعرض على وجهاء الوطن ،، قرارات تم عجنها بأحقاد الماضى وآلامه وتعرضت للمد والجزر على طاولة إجتماعات المجلس الغير موقر والذى ضم فى أعضائه ما يقرب المائة عضو من مجهولى الهوية ، ونضجت فى أدراج حكومة (العادى والحسّادى) وإحترقت فى محرقة إعادة تصفية الحسابات رافعة شعار (فى يوم ما وقف فلان ضد مصلحتى) واليوم جاء دورى لأنتقم منه ونُشرت فى الإعلام الموجه الجديد ، إعلام المجلس وطرحت للحوار من قبل جماعة (أمعانا وإلا حذانا) وجاء فى طياتها نحن نحاسب وليس هناك من يحاسبنا على أفعالنا ، فهل هذه عدالة وديمقراطية نادى بها الثوار وإستشهدوا من أجلها؟؟

ألم أقل فى إحدى مقالاتى أن هؤلاء رفاقة صدفه وليس رفاقة نضال ؟؟ فالمناضل من أجل الحرية لا يمكن أن يظلم أو يقهر غيره وخصوصاً إذا كان منتصراً ولا يظلم ولا يستبد ويقهر خصومه وأعدائه سوى الجبان الذى جاء للكرسى صدفة !! … هذه القرارات والقوانين إستشعر بها العالم الحر ورفضها وهو عار ما بعد عار أن نجعل من الخارج مراقباً لتعاملنا مع بعضنا ولكى يُعلمنا كيف يكون إحترام حقوق الإنسان وكيف نتصالح ونتسامح … لا يا مجلس ولا يا حكومة فإذا كانت خلافاتكم وتطاحنكم مع بعضكم يؤدى إلى نشرالكراهية و الحقد بين المواطنيين والإقصاء المبرمج وتهجير الليبيين بواسطة التهديد والوعيد ، حتى وصل تعداد الليبيين بالخارج لأكثر من مليون مواطن . وهنا نقول وبكل شفافية إذا كان هذا المجلس قد نسئ الله تعالى ونسئ الأمانة فكان من المفترض أن تتدخل الحكومة حتى على سبيل التنبيه والنصحية وإذا كانت الحكومة قد نسيت الله فعلى المجلس ردها عن ظلم نفسها قبل أن تظلم المواطن ولتعلمو جميعاً أننا فى زمن يمكن أن نستبدل (العمشة ) بعيون زرقاء اليمامة التى تسطيع أن ترى الكل حتى ولو كان مواطناً خارج الوطن وأن ترعى شعور كل الليبيين الظالم والمظلوم حتى يأذن الله ونصل إلى تفعيل القضاء والقانون ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى الطريق الصحيح ولكننا لن نستبدل العمشة بعمشة أخرى مهما طالت هذه الفترة الراهنة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا