إلى أين بنا أيُّها الخبير الاستراتيجي ؟! - عين ليبيا

من إعداد: أ.د. خالد الناجح

تردّدتُ كثيرًا في نشر محتوى هذه المقالة درءًا للفتنة لكنّ التخبُّط وخيبات الأمل المُتتالية التي شابت المشهد العام لم تترك لي بُدًّا من سرد بعض أحداث الماضي التي آثَرتُ مِرارًا أن اعتبرها زلّات عابرة، لكنّ ما صرّحَ بِهِ الدكتور محمود جبريل مُنذ أيّام ومحاولته إرباك المشهد وبطريقةٍ فَجَّة سآتي عليها لاحقًا لم تُبقِ لهُ عُذرًا ولم تترك لي من خيار سوى أن أنشُر ما تردّدتُ كثيرًا في نشره من قَبل وأُوجِّههُ لَه.
البداية كانت مع قناة الجزيرة (وما أدراك ما قناة الجزيرة ؟!) من خلال برنامج بلا حدود الذي يُقدِّمه الإعلامي المعروف أحمد منصور حيث قدَّمَكَ لنا كخبير استراتيجي من بني جِلدتنا يُقدِّم الرُّؤى بنبرةٍ هادئة وكلمات مُنمَّقَة ومُفردات عِلميَّة رصينة فكان الإنبهار العام الذي شمل قيادة البلد حينئِذٍ فاستقدمَتكَ لمجلس التخطيط الوطني (وهذه نُقطة تُحسب للنظام السابق) وتُعتبَر مُؤشِّرًا لِنِيَّتِهِ في الإصلاح من خلال برنامج ليبيا الغد.
كانت النتائج على الأرض مُخَيِّبَة للآمال بعدما تَمّ الترويج لمشروع ليبيا 2025 المَوعود ، وبعدما كُنّا ننتَظِر الرخاء والتقدُّم من مجلس تترأَّسَّهُ ويَنوبكَ في رئاسته أُستاذ علم الإدارة الذي أمسى لاحِقًا عُضوًا بالبرلمان وكاد أن يكون رئيسه الدكتور أبوبكر بعيره ، وصِرنا نرى الخِلاف بينكما على مسائِل تافِهة وصِراع على تخصيص سيّارة أو سكرتيرة تَطَوَّرَ إلى سِجال ومُلاسَنة هابِطة تدعو للرِّثاء والخَيبَة مَنشورَة على المواقع الإلكترونيّة وخاطَبتكُما شخصِيًّا حينها مِن خِلال التعليقات بأنّهُ من المُفترَض أنّكُما أرفَع من أن تتخاصما بهذه الطريقة الفَجَّة ، وساهمتُما أيضًا في التأسيس لثقافة (الغنيمة) عند تَوَلِّي المناصِب مُنذُ ذلك الحين فكانت المُرتّبات الخياليّة التي أصبحت بالباطل (حَقًّا) لكُلِّ مَن يُنتَخَب أو يُعَيَّن لأحدى المناصِب العُليا.
آثَرتُ في البِدايَة أن لا أُثير هذه الصفحة السوداء درءًا للفتنة كما ذكرت لكنّكُما لم تترُكا لي خيارًا سوى أن أُذكِّر بما بَدَرَ منكُما وقد انتهى الأمر باستقالة نائِبك ثُمّ استقالتك لاحِقًا، وكانت الخَيبَة لكُلِّ مَن ناشَدَ بالإصلاح حينما شَهِدَ ضحالة الأداء وقصور الرُّؤيَة العمليَّة لبرنامج بدا واعِدًا بشِعاراته في أوَّلِه ، وأكاد أُجزِم أنّه لولا الخَيبَة في هذا البرنامج لَعَدِمَ مَن أسموهم الحرس القديم بالنظام السابق الحُجَّة ولَما وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه الآن ولكان الإصلاح السلمي بديلًا لمحاولة الإصلاح بالعُنف الذي انتهى بنا إلى هذا العبث والتردِّي على جميع الصُّعُد.

بعد انتفاضة فبراير آثَرتَ الصّمت والانتظار لفترةٍ وبعد أن بدا لك أنّ مركب فبراير سيستوي لا محالة على الجوديِّ كان مِنكَ ما كان وما تلاهُ من تصريحات مُجافِية للحقيقة بأنّهُ لم يَبقَ حَجَرٌ على حجرٍ بمُدُنٍ مُعيَّنة وتصريحات وقِصص من الخيال فيها ما يمسُّ الأعراض لم يُعرف إلى اليوم لها مصدرًا وأُخرى عن جيشٍ جرَّار يقوده معمّر القذّافي من الجنوب تعداده عشرات الآلاف! ، وساهمتَ في الترويج لِفِريَة عدادات النفط التي حرمتنا من قرابة المائة مليار دولار والتي برّرتها أخيرًا بأنها كانت كذبة بيضاء !!،
وغير ذلك من المواقف والتصريحات التي إن كنتَ تعنيها فتلكَ مصيبة وإن كنتَ لا تعنيها فالمصيبة أعظم.

استَوقفتني كثيرًا تصريحاتك الأخيرة بخصوص الأرقام والوثائق الوطنيّة المُزوّرة التي أحصيتها بما يزيد عن 780000 ؟! التي لا أعلم كيف تمّ عدّها ولا نَوع العدّاد !! والتي لا يُمكن أن يُفهَم الغرض منها بغَيرِ إرباك المشهد والتشويش على الانتخابات المُزمع اجرائها نهاية هذا العام والدعوة المُبَطّنة إلى مُقاطعتها ، واستفَزّني أن تُوَجِّه التشكيلات المُسلّحة إلى الإنتباه إلى (المعلومات) ؟! التي قدّمتها وأنّه آن الأوان لحاملي السلاح أن يجتمعوا لحَلِّ مشاكل ليبيا !!.
مِن المنطقي أن أتوقَّع رغم صعوبة ذلك أنّ تزويرات قد حصلت على نطاق محدود لأغراض عديدة ومنها الكسب المادي ويمكن معالجتها والتعامل معها ولاتؤثِّر إن حصلت بأيِّ حال من الأحوال في نتائج الانتخابات ، لكنّ الادِّعاء بأنها تربو عن 780000 فتِلك فِرية كبيرة الغرض منها واضح ومعلوم وما تقديركَ للمُدّة اللازمة ” لتنظيف سجلّ الناخبين ” من أربع إلى ستّة أشهر إلّا دليلًا جَلِيًّا على أنّها محاولة لوضع العصا في عجلة الدعوة للانتخابات حسب الموعد المُقرَّر، وما دامت البيانات لدَيك والعدد معروف فطول المُدّة التي اقترحتها “للتنظيف” ! دليل على سوء نِيَّة ، ثُمّ إنّك ذكرت أنّ التزوير يجري منذ مّدّة طويلة فلماذا صَمَتَّ كُلّ هذا الوقت واخترتَ هذا التوقيت بالتحديد للإبلاغ عن ما تراه معلومة تمسُّ الأمن القومي؟!، وتقديمك الدليل والإثبات على ما تدّعيه واجب وطني يُلزمكَ بفعلِه إن كنتَ تملكه لا أن تنشُر زوبَعة يعوزها الإثبات سوف تُنسى كسابقاتها !.
قَولكَ يا سيِّد جبريل ” الانتخابات الرئاسيّة أخطر من النيابيّة ” يَشي بأنّ عيناكَ على رئاسة هذا البَلَد وأنّ حظّكَ بالفَوز في الانتخابات الرئاسيّة القادمة تراهُ ضَئيلًا ولِذا كان مِنكَ ما كان عسى أن تتغَيَّر المُعطيات. أخوتنا بالشام يقولون : ” اللي يجرِّب المجرَّب عقله مخَرَّب ” وقد أُتيحَت لكَ الفُرصة كرئيس وزراء ولم تفعل شيئًا إيجابيًّا نذكُركَ به بل ساهمتَ في تدهور الأوضاع، ولا تَقُل لي أنّ ذلك كان المكتب التنفيذي وإلّا فلماذا تستمتع بأن يُقدِّموكَ بصفة رئيس وزراء ليبيا الأسبق ؟! ولا تعنينا التسميات في شَيء، فضلًا عن الأداء الباهِت لتحالف القوى الوطنيّة الذي كُنّا نُعَوِّل عليه كثيرًا في ظِلِّ عدم وجود البديل.
أخيرًا ، والشيء بالشيء يُذكَر ، قَولكَ :” إذا توفّرت الشروط فإنّ تحالف القوى الوطنيّة سيطرح حلول خمس ملفّات وسيطرح سبع ملفّات رئيسيّة لأيّ حكومة قادمة ” يَفرض السؤال الآتي: إن كُنتَ تملك الحلول أو رؤيا لها فلماذا تجحدُ بها على بلدك الآن بل تنتظر أن ” تتوفّر الشروط ” أي بمعنى آخَر أن تتصدَّر أنت المشهد تحقيقًا لنرجِسيّة ممزوجة بازدراء الآخَر توَّجتها سابقًا بقَولك عن الشعب الليبي “إلّا ما رحِمَ ربِّي ما تلقاش إلّا النطيحة والمتردِّية وما أكل السبع” ! وأُؤَكِّدُ لك بأنّ مفعول ( التَّفَيقُه ) ! وتقَمُّص دَور المُصلِح قد زال وأعطى نتائِج عكسِيَّة حين وُضِعتَ على المحَك ، وكما يقولون: انقَلبَ السِّحرُ على الساحِر.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا