إنت تباوي و إلا ليبي - عين ليبيا

من إعداد: حسين أرنيمي

أتذكر حينما كنت طالباً في المرحلة الإعدادية، أيام عهد القذافي، في إحدى مدارس مدن الشمال الليبي، وكانت المدرسة لا يوجد فيها طالب “تباوي” غيري في الفترة الصباحية، وكنت مجتهداً جداً في الدراسة، و كنت من ضمن الطلبة الأوائل بالصف…

ذات صباح بينما أنا في الفصل المدرسي أستعد لإجراء إمتحان في “مادة العلوم” و كانت معلمة المادة تكن لي البغض و الكره بدوافع عنصرية لأن قبيلتها كان على عداء دائم أزلي مع التبو كانت تستخدم وظيفتها ضد تلميذها ”التباوي”، وبينما كانت المعلمة تكتب أسئلة الإمتحان؛ كنت أكتب بسرعة فائقة أسابق الزمن؛ لكي لا يداهمني الوقت على إكمال أجوبتي، و كان لزاماً عليّ أن أكتب بخط كتابي واضح، وكأني في مسابقة في الخط العربي لأن معلمتنا ”الفاضلة” كانت لا تبقي و لا تذر عندما يتعلق الأمر بي، وكانت تصطاد أخطاء تلميذها ”التباوي” المتفوق، وتحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تجعله يرسب في الإمتحان، او أن لا يتفوق على الأقل، وفجأة دخل علينا أحد موظفوا إدارة المدرسة، و وقف في منتصف الفصل و بدأ بالتحدق في وجوه الطلبة، و بالأخص السود منهم، كأنه يبحث عن مجرم هارب من قبضة العدالة، و سأل أحد زملائي من ذوي البشرة السوداء عن إسمه؛ فأخبره بإسمه حتى الجد الرابع، والذي ينتهي بالأسماء العربية البدوية، فقال له الموظف: إجلس، ثم نظر إليّ وسألني عن إسمي: فاخبرته بإسمي وكان أسم والدي من الأسماء التباوية، فقال لي بصوت عالي: «إنت تباوي و إلا ليبي؟» أرتبكت و لم أعرف كيف أجاوب عن هذا السؤال الغبي، فصرخ في وجهي قائلاً: «جيب شنطتك و تعال للإدارة »…

رافقته إلى إدارة المدرسة، و إستخرج ملفي المدرسي من بين مئات الملفات، و تفحص أوراقي الثبوتية الصادرة من إحدى مكاتب السجل المدني الليبية كغيري من الطلبة الليبيين و قال لي «بما أنك تباوي خود أوراقك و أمشي بيهن لأمين التعليم و خليه يوقع عليهن عشان تقرأ هنا، وما تجيش إلا بتوقيع الأمين، وهذا قرار على كل المدارس بشأن طلبة التبو و جاي من التعليم»…

عدت إلى البيت و أخبرت أهلي بالقصة، و علمت لاحقاً أن عشرات الطلبة من التبو ثم طردهم من المدارس، وذهبت برفقة أخي الأكبر إلى مكتب أمين التعليم بالمدينة، ولم نجده و أخبرنا أمين سره “السكرتير” بأن السيد الأمين “المؤتمن” على تعليم أبناء مدينتنا في إجازة مفتوحة، و لم أعرف ماذا أفعل والإمتحانات بعد أيام قليلة، وكنت آتي برفقة أخي إلى مكتب “الأمين” كل يوم و لكنني أجد نفس الجواب “الأمين في إجازة” و بعد مضيء أكثر من أسبوعين، و بعد أن إنتهى زملائي من إجراء الإمتحانات، تمكننا من الدخول على مكتب “أميننا المؤتمن” و قابلناه و كان شخص متعالي يتحدث معنا بنبرة إستعلائية و قام بالتوقيع على ملفي و كتابة عبارة “إجراءاته سليمة، لا مانع لدينا من قبولة في المدرسة”!

رجعت إلى المدرسة و طلبت من المعلمين إعادة الإمتحانات لي، بعضهم تعاطف مع قضيتي الإنسانية، و البعض الآخر رفض إعادة الإمتحان لي، و لكنني قررت تحدي هؤلاء العنصريين بما فيهم معلمة العلوم التي كانت من الشامتين و رفضت بشدة إعادة الإمتحان، و أكملت عامي الدراسي معهم بتفوق رغم كيد الكائدين.

مرت هذه الحادثة و لم يحاسب القانون هؤلاء الذين إرتكبوا هذا الجرم ضد عشرات الطلبة، و لأننا تبو كانوا يعاملوننا بقانون القوة و كانت قوة القانون غائبة، و عن نفسي أنا تعاملت مع الحادثة بتحدي، و لكن هناك عشرات غيري من الطلبة التبو أثرت عليهم الحادثة التمييزية تأثيراً كبيراً،فمنهم من رسب تلك السنة، وبعضهم ترك مدارس الشمال، وإتجه للدراسة في المناطق التباوية في الجنوب، وهناك من ترك الدراسة كلياً للأسف الشديد.

لم تتوقف الإجراءات التمييزية ضد طلبة التبو بعد إنتهاء حقبة القذافي، و هناك أحداث تمييزية كثيرة حصلت و تحصل بعد ثورة السابع عشر من فبراير 2011، و على سبيل المثال لا الحصر عندما إندلعت الحرب الأهلية الثانية في سبها بين “التبو” و القبائل العربية في فبراير 2014 توقف ما يقارب عن 700 طالب “تباوي” عن الدراسة؛ بسبب عدم تمكنهم من الذهاب إلى الكليات التابعة لجامعة سبها، والتي كانت تقع داخل أحياء القبائل العربية، الأمر الذي يشكل خطراً على حياة كل طالب “تباوي” يذهب إلى تلك الكليات، وقام الطلبة بمخاطبة الجهات الرسمية بالدولة، بما فيها وزارة التعليم العالي، ورئاسة الوزراء لإيجاد حل لهم، ولكن كانت تتعامل مع القضية بتجاهل و عنصرية.

الشيء ذاته حصل مع طلبة التبو الدارسين بكلية الآداب و العلوم بالكفرة، التابعة لجامعة بنغازي، حيث لا يخفى على أحد أن مدينة “الكفرة” تشهد إقتتالاً بين التبو و إحدى القبائل العربية منذ زمن طويل، والمدينة تشهد إنفلاتاً أمنياً بين الفينة و الأخرى، وفي مايو 2015 حدثت مشكلة داخل الحرم الجامعي بين الطلبة، و بعد فض النزاع قامت رئاسة جامعة بنغازي بإصدار قرار بنقل مقر كلية الآداب و العلوم بالكفرة من مقرها الرئيسي الذي يقع في مكان محايد إلى مقر جديد داخل أحياء القبيلة العربية التي كانت على صراع مسلح مع التبو منذ سنوات، وبهذا القرار التمييزي تم حرمان ما يقارب عن 680 طالب جامعي تباوي من الوصول إلى مقر الكلية، وقام الطلبة بمخاطبة جهات رسمية في الدولة و تم تقديم عدة مذكرات تظلم، شرح فيها الطلبة وضعهم، وأنه بإمكان رئاسة الجامعة حل هذه الإشكالية بإرجاع الكلية إلى مقرها الرئيسي أو تمكين طلبة التبو من الدراسة بالمقر الرئيسي بالتعاقد مع أساتذة و دكاترة من المنطقة وفقاً للمنهج الدراسي الذي تضعه الجامعة؛ لكن تم ضرب المذكرة بعرض الحائط، فقام الطلبة بمخاطبة منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، وبعد ضغط من اليونسيف قامت وزارة التعليم و جامعة بنغازي بالإجتماع مع هؤلاء الطلبة و تم إعطائهم وعود بأن الجامعة ستحل هذه الإشكالية في بضع أيام و مضت الأيام و لم توفي الجامعة بوعدها و لم تقم بواجباتها، و الآن مضى على توقف الطلبة عن الدراسة أكثر من 4 سنوات و لم ينظر أحد إلى القضية بنظرة جدية.

و أيضاً من الأمور التمييزية في السابق ضد التبو في عهد القذافي عندما يتخرج طلبة التبو بتفوق و في التراتيب الأولى في الجامعات؛ فبدل إبتعاثهم للدراسة في الخارج، وتعيينهم للعمل كمعيدين وفقاً للوائح المعمول بها في الجامعات الليبية بحق الطلبة الليبيين المتحصلين على التراتيب الأولى؛ لكن للأسف يتم تمييزهم و تغييرهم بطلبة آخرين أقل تفوقاً منهم، وهناك حالات كثيرة لا يسعنا أن نذكرها في مقال واحد تم التعامل معهم وفقاً لمقولتهم “إنت تباوي و إلا ليبي”!

نذكر واحدة من الأحداث التي ظهرت على السطح ما جرى مع الطالبة التباوية من مدينة الكفرة تقريباً في عام 2008 التي كانت تدرس بكلية القانون وكانت متفوقة جداً
رسبت في مادة لكي لا تكون الاولى وتعين معيدة ولكن الطالبة استغربت النتيجة وراجعت الكلية بالكفرة لكن دون جدوى ثم راجعت استاذ المادة واخبرها بانها لم ترسب، وأثارت هذه الحادثة ضجة كبيرة و تم معالجة الأمر بتدخل من رئاسة الجامعة.

وتحدث هذه الإنتهاكات التمميزية في المؤسسات التعليمية ضد التبو بخطط ممنهجة من الحكومات المتعاقبة التي لا يحضى التبو فيها بأي مناصب عليا.

ولعدم وجود قوانين تقاسم الوظائف بالمؤسسات العامة سواء التعليمية او غيرها تزداد العنصرية واللاتوازن في مجال التعليم العالي والوظائف العامة وتركزها في المكون العربي سواء على المستوى المحلي او الدولة، ولن تتوقف هذه القضية التمييزية الا من خلال صياغة دستور توافقي يضمن حقوق كل مكونات الامة الليبية بشكل متساوي،و في ظل إنعدام قانون يردع هؤلاء العنصريين مازالت هذه الممارسات مستمرة، و لن تتوقف إلا بصياغة دستور يحترم حقوق كامل مواطني الدولة؛ دون أي تمييز، ويجرم كافة أشكال التمييز العنصري في الوظائف العامة، والبعثات الخارجية، وتعيين المواطنين من جميع المكونات في المناصب العليا، دون أي تمييز، وتجريم إستخدام الوظائف الحكومية ضد من يختلف عنك ثقافياً أو لغوياً



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا