إنقاذ المليشيات والمطالبة بمحاكمة المتظاهرين ..! - عين ليبيا

من إعداد: حسام المصراتي

ان من “الاعلام” لسحر

تدركون جيداً بأنه بدون الاعلام كل تلك المظاهرات والمليونيات مجرد عواء في الصحراء. فالاعلام وحده من يستطيع أن يحوّل ازدحاماً أمام مخبز الى ثورة ويستطيع تحويل ثورة شعب بأسره الى مجرد اعمال شغب هذا إن تكرمت الجزيرة والعربية وسكاي نيوز أو تجرأت العاصمة وأوردت نبأ خروجكم في ذيل نشراتها أو في شريطها الزاحف أسفل الشاشة ..!

ان من “الاعلام” لسحر .. وبالاعلام وحده تستطيع أن تبني امبراطورية من وهم تقنع الجميع بهيبتك وجلالك… وبالاعلام وحده تستطيع أن تدك عروشاً مهما قوي مجدها ومهما تعاظمت… فلا تستغرب !

لقد كان أبناؤنا في بنغازي متفائلون جداً … بل وأكثر مما ينبغي … وفرحون جداً بقمصان إنقاذ مدينتهم ذات القماش التركي الفاخر. حتى أن كرش “صهد” استرخت ولم تخجل أن تطل على الجمهور امام الشاشات متنعمة بالقطن التركي الفاخر، لتعلن دعمها لمطالب المتظاهرين المشروعة.

ولكن … لم تمضي ساعات حتى خرجت عليهم المليشيات المسلحة تغمز للمتظاهرين وقد ارتدت البزة العسكرية “الشرعية”… لتقول لليبيين موتوا بغيضكم أيها الشعب الإنقلابي … فليبيا دولة للمليشيات شئتم أم أبيتم. وإن أردتم صكوك الشرعية فليس هناك أسهل من أختام “الشرعنة”… وأنتم يا شعب بنغازي بل يا شعب ليبيا بأسرها من لا يملك “الشرعية”… فأنتم شعب قد تمرد وفقد شرعيته. وصدق أوهام مظاهراته المليونية. وقد سمعنا بيان إحدى هذه المليشيات يهدد ويتوعد بالملاحقة القانونية والمطالبة بمحاكمة من كل من تجرأ على الإقتراب من أسوار حصونهم … هذي آخرتها ..! تطالبون بإنقاذ ليبيا من المليشيات وهم من حررها وهم من ناضل من أجلها … ياسلام…!

وليس غريباً أن تصف “المليشيات” المظاهرات ضدها بأنها “انقلاب على الثوار” ..! لأن كل منهم يرى في نفسه ثائر مناضل مجاهد وقد حرر ليبيا بينما الشعب نيام .. والمتظاهرين مجرد متطفلين جردان وعملاء متآمرين… أو خفافيش كما وصفهم الصلابي…! ليتأكد الليبيون بأن “القذافي” لم يكن ظاهرة ليبية شاذة …! وأن نظرية “أنا دافع ثمن بقائي” هي ثقافة متجذرة بالعقل الجمعي الليبي.

لقد فاجأنا ظهور سماحة المفتي على قناة “الجزيرة” ليحذر الليبيين من الخروج في المظاهرات التي تم تنظيمها ضد المليشيات. وليصدر الفتوى “بتحريم التظاهر ضد المليشيات المسلحة”.. ولكن، لماذا الجزيرة يا سماحة المفتي؟ لقد ذكرني ظهور مفتي ليبيا على القناة القطرية بقول ميكافيلي: بأن “الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس” ! ويبدو أن الأمير قد حفظ جيداً كل دروس الأمير لميكافيلي.

لذلك فأن مشائخ السلطة أبداً لا يختلفون وكل يرى بأن فتواه بعدم الخروج على ولي الأمر مبررة وشرعية حقناً لدماء المسلمين ومن باب درء الفتن. وكل يرى بأنه ينطق بالحق المبين. فإننا نستمع اليوم لنفس الآيات ونفس الأحاديث الشريفة التي تدعو لحقن دماء المسلمين وتجنب الفتنة وحُرمة دمِ المُسلِم التي كان يتلوها مفتي البلاد في عهد القذافي ووجوب طاعة ولي الأمر تتكرر على لسان مفتي البلاد الجديد…! فهل أصبح المشائخ كالشعراء في كل وادي يهيمون..! حتى خطب الجمعة ما عادت تقيم وزناً للبلاد وأهلها بل تحولت إلى منابر للدفاع عن “المليشيات” والدعوة إلى تبجيلهم وتمجيدهم لأنهم هم وحدهم من كان السبب فيما نحن فيه من “نعيم” وسبب “تحرير” البلاد و”عزتها” و”مجدها” فكيف تجرؤون على التظاهر ضدهم…!

تسمونهم مليشيات ..عصابات مسلحة .. ويسميهم مشائخ واعلام السلطة الجديدة ثوار ومناضلين ويضعهم مفتي البلاد “تاجاً” على رأسه…! ويناضل الشعب من أجل دولة المؤسسات ويناضل المتسلقون والسارقون من أجل اطالة عمر الفوضى … والرابح أخيراً، هو من يملك أزرار الفضائيات … ومتأخر جداً ستكتشفون كم هو مغلوب على أمره هذا “القطيع العربي” مهما تكاثر وتصايح وتدافع في الميادين. فالقول الفصل لمن يملك المال والاعلام …!

أما أنتم فتشبثوا ما شئتم بالشعارات والقيّم … وماتصايحكم سوى كصراخ من جثم كابوس على صدره وما أن يصحوا حتى يكتشف بأن لا أحد كان قد سمعه رغم كل تلك الضوضاء…!

لذلك نطمئن القطيع العربي … بأن موسم الربيع التلفزيوني “القطري” قد انتهى …! وحان موعد العودة كل إلى حظيرته..! وأي خروج اليوم دون مباركة “الراعي الجديد” هو ضلال مبين وخروج عن ولي الأمر. وعليكم تجنب سيف الحجّاج فإنه أقوى مما سبق ويترقب قطاف أي رأس قد يفكر بأن يونع.

فاللعبة اعلامية أيها الشعب الطيب .. أولاً وأخيراً …! وطالما لم تزرعوا فضائية في السماء لتحدث بعض الضجيج والضوضاء فلن يكترث بكم أحد، سواء خرجتم في مليونيات أو ملياريات .. فعبثاً تحاولون ..!



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا