اجتماع المصالحة بنالوت: هل من فُرص للنجاح - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

article1-1_4-9-2016

مؤتمرات واجتماعات المصالحة في ليبيا لم تتوقف يوماً، بداية من مؤتمر المصالحة بالزاوية بتاريخ 26-27 نوفمبر 2011 إلى مؤتمر الوفاق بغريان في مثل هذا الوقت من العام الماضي، مرورا باجتماعات كثيرة في سبها وهون ومصراته وصبراته ومصر وتونس. لم يكن الكثير من هذه الاجتماعات موفقاً في رأب الصدع لأسباب جوهرية، منها أن معظم الاجتماعات تناولت النزاعات بين المدن والقرى والقبائل، وأنها تتخذ الطريقة التقليدية في المصالحة (اجتماع المتخاصمين على وجبة دسمة وتنازل من لا يملك القرار للآخر بسم المصالحة) ثم تظهر مجموعات أخرى ترفض الاتفاق، أي أن المصالحة لم تكن على أسس علمية، ويستثنى من ذلك رعاية قطر لاتفاق التبو والطوارق (وهو ناجح إلى حد كبير) واتفاق تاورغاء ومصراته برعاية الأمم المتحدة ولا شك أنه سيكون بداية النهاية لمشكلة تاورغاء.

السبب الرئيسي الآخر لفشل المصالحة على مستوى الوطن (وهو الأهم) أن الاجتماعات السابقة جلها إقصائية يحضرها طيف ولون واحد من الفرقاء السياسيين، وبذلك لن يكون للمصالحة معنى. إن تحديد أطراف المصالحة الوطنية على درجة كبيرة من الأهمية، فالجهوية والقبلية (كسمة للبداوة) متواجدة في الكثير من ربوع ليبيا ولكل منها مطالبها المادية الآنية، وبحكم طبيعتها البرغماتية النفعية، التي تم استغلالها على نطاق واسع من جهابذة السياسة الداخلية واستخبارات الدول الشقيقة، لا ينفع المبدأ القبلي والجهوي للمصالحة.

شئنا أم أبينا يجب ان نعترف أن هناك رجالات من العهد السابق أنصار (1/9) لهم قياداتهم ومبادئهم ودولتهم (التي سقطت) وقاعدة شعبية لا يستهان بها، وفرق عسكرية رهن إشارتهم، ودول عربية داعمة لهم، وهم الطرف الرئيس الذي يجب أن يكون في حوار المصالحة بنالوت. بالمقابل هناك ثوار حقيقيون لهم قيادات رشيدة يحلمون بالدولة المدنية، دولة العدل والمساواة، وأنهم عازمون على عدم الرجوع إلى النظام السابق، وعدم التنازل عن حقهم في العيش الكريم، ولهم فرقهم العسكرية وطيف من الشعب الليبي يساندهم، وهم الطرف الرئيسي الثاني في الحوار.

إن أصحاب المبادئ من المجموعتين الذين يؤمنون ببناء الدولة المدنية، والتنازل للوطن من أجل (لم شتاته)، لا يعدمون الاتفاق إن اجتمعوا، وبذلك يتوقف الحرب، وينعم الجميع بالأمن وتعود الأسر بالداخل والخارج إلى بيوتها، وتعالج مشاكل الاقتصاد، ويعوض المتضررون، ويعترف الآثمون في حق الشعب ويعفى عنهم أو ينالوا جزائهم، وتنطلق كوادر الدولة للعمل والبناء.

ما يعكر صفو المصالحة الوطنية؛ النفعيين من الطرفين؛ فئة لا تزال تفكر في إحياء الخلافة وبناء الإمارة والاسترزاق من ديوان الحسبة وصدقات الضعفاء، وخدمات الموالي والغلمان، وفئة تعيش في الماضي ولم تستفيق بعد، تتنسم عبق الجماهيرية صباح مساء وتنتظر عودة الصنديد بعباءه الرمادية، وفي الحالتين تعبير عن مدى الفقر السياسي والغيبوبة عن الواقع لا يسفر عن مصالحة ولا يبني دولة. وإن كان لا بد فإن تحديد نظام الدولة إن كانت إمارة أو مملكة أو جمهورية أو جماهيرية سيتم تحديدها باستفتاء على الدستور القادم ولا علاقة له بالمصالحة. أخيرا تواجد أصحاب المنزلة بين المنزلتين على المشهد الليبي مثل رئيس مجلس النواب والقائد العام للجيش الليبي وغيرهم، قد لا يكون لهم دور في المصالحة إلا بقدر حيادهم وتشجيعهم للاتفاق بين الليبيين، ومنع عسكرة الدولة، فهم حجر عثرة تابعة للطرفين تستغل الظروف أكثر من عملها لتوحيد الصفوف أو المصالحة.

ما آمل أن يتبناه الاجتماع والمشاركون، نقطتين أساسيتين، الأولى وضع ميثاق وطني يشار فيه إلى الثوابت الوطنية التي يجب أن نتفق عليها لبناء ليبيا الحديثة؛ فمن الواضح أن عدم وجود دستور دائم وعدم وجود ميثاق شرف وطني والتصحر السياسي لعقود طويلة جعل وجهات النظر تشتط بين أقصى اليمين (دولة الإمارة) وأقصى اليسار (الجماهيرية المباشرة)، في هذا الميثاق يتم التأكيد على أن ليبيا دولة واحدة وأنها دولة ديموقراطية مدنية، وأن العدل والمساواة نهجها، وأن لا إقصاء ولا تهميش، والمواطنة أساس الدولة…. إلخ. ويتبع ذلك إلغاء قانون العزل السياسي والإبقاء على قانون النزاهة.

الأمر الثاني المهم هو المصالحة بين أنصار (1/9) وأنصار (17/2) ويكون ذلك بوجود مندوب من البعثة الأممية، ويتم خلال الاجتماع التباحث في كيفية تنفيذ بنود المصالحة الوطنية المتعارف عليها دولياً والتي تشمل الاعتراف بالانتهاكات، وتحديد حجم الانتهاكات من الطرفين، وتحديد المسؤولين عنها، ثم جبر الضرر من الدولة والعفو عمن اعترف، وأخيراً المصالحة، ويمكن ذلك من خلال تنقيح ومراجعة قانون العدالة الانتقالية رقم (12) لسنة 2013م.

اختيار نالوت لاجتماع المصالحة من مجلس أعيان ليبيا لعدة أسباب منها أنها مدينة مدنية، وأنها لم تدخل في صراعات قبلية أو جهوية وأن وجودها على الطرفي الغربي لليبيا يسهل الوصول إليها عن طريق طرابلس أو مطار جربة أو أحد مطارات الجبل ومنها مطار نالوت للطيران العمودي، هذا غير الموروث التاريخي والثقافي الليبي الأصيل، بداية من غومة المحمودي الذي احتضنته عند محاربته للعسف العثماني، إلى الجهاد ضد الإيطاليين تحت قيادة بن عسكر إلى استقبال الوطنيين المبعدين من السلطة الملكية مثل أحمد زارم والسراج.

إن اجتماع المصالحة بنالوت يوم 16 سبتمبر القادم قد يكون نقطة بداية لوضع قطار المصالحة الوطنية على مساره الصحيح إذا شارك الطرفين بفاعلية، فليبيا للجميع وبالجميع وتسع الجميع، ولا تبنى إلا بالجميع.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا