احترامي للحرامي - عين ليبيا

من إعداد: عبدالواحد حركات

يا أخي (الكلام للعموم) أصبحت فينا غرائب أي عجائب، ليست سبعاً بل هي طبع، ولا أدري أجبلنا عليها أم تطبعنا بها وألفناها؟، وإن كنت أرجح الثانية على الأولى، ولا أجزم بها أو أقطع، ولا أقفل باب الاجتهاد كما فعل سواي.

حينما حاولت تعلم العزف على الأوكورديون، قيل لي أن أتدرب على شارة كرتون دوبة (دوبة.. دوبة .. من عائلة لطيفة)، وأتمرن عليها وعلى شارة كرتون بشار(بشار.. يا بشار.. هيا إلى العمل)، بدل أن أتورط في روائع سكب سال ومريم مريمتي وما بي مرض وجيتك جيتك ويا شوق آه يا شوقي، وكل ما كان يعج به أثير وأجواء وشوارع بنغازي في نهاية ثمانيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، مما صدح به “الهتش” عبدالجليل عبدالقادر ومفتاح الفهري وجمال عاشور وبن عيسى العقوري ومهدي البرعصي وكل من كانوا نكهة بنغازي وأريجها، أؤلئك الذين كان يستوجب دخول فضائهم العودة القسرية لمرحلة الطفولة بطريقة ما، وعبور بوابات دوبة وبشار لوصول ميادين الهتشيين ( نسبة للهتش) البنغازية، فإتقان العزف ورؤية عرش خليفة ميلاد بالعين بدل التلسكوب، كان يحتاج إلى إحساس بكر أو طفل مدجج بالبراءة، فالموسيقى كما يصفها الموسيقار الصديق مخلوف اللغة الأم في أبسط أشكالها، التي يستطيع جميع البشر التواصل بها وفهمها والتفاعل معها، كما يتفاعل جسد (أوكسانا) مع موسيقى الشرق وألحان الموجي وبليغ وعبدالوهاب.

لا تقولوا .. ما علاقة الموسيقى والهتش بالحرامي والاحترام..!

العلاقة وطيدة، فكما للموسيقى مقامات وأساطين للسرقة مقامات وأساطين أيضاً، وكما كنا نصل إلى نيرفانا (نغادر أجسادنا) مع الهتش وخليفة ميلاد، نصل اليوم إلى نيرفانا أخرى مع أساطين السرقة وأباطرتها، الذين جعلوا من معاناة الليبيين سبيلا لامتلاك الشاليهات في شرم الشيخ والعقارات في العلمين أغلى بقاع مصر حالياً ( يقارب سعر المتر المربع 1400 دولار أميركي)، وكما كان للهتش جمهور ومريدون يوجد لأساطين السرقة جمهور ومريدون، ولهم مواويل وكوبليهات منغمة تمتزج فيها المثل والأخلاق والحكم بأضدادها كما كان للهتش ذلك وأكثر.

المأساة أن السرقة والفساد صارا من إكسسوارات الوطنية، وأن المتخمين بالمال الحرام هم من يفتون في الوطنية ويصدرون صكوكها، ويذهبون بنا طوعاً إلى خرائب الشعبوية والعشائرية، ليثيروا على الرؤوس غبار البسوس ويتهتلروا ( يتحولون إلى هتلر)، ويأخذوا الوطن وأهله إلى تيه أربعيني كتيه بني إسرائيل في سيناء، ويفروا إلى حيث عجولهم الذهبية سواء بالعلمين أو إسطنبول أو طنجة أو بريطانيا أو ريف إسبانيا، لأنهم لم ولن يعقلوا أن الوطن هو المواطنون، وأن الغنى هو الرفاهية، وهي ليست شأناً فرديا بل مجتمعي، تعم لتصل الفرد وليس العكس، ولن يكونوا مرفهين في بيئة فقيرة ووسط فقراء ولا خارج وطنهم..!

اعتدنا أن نرى أثرياءنا جهلاء، يبنون القصور في الشعاب، ويشترون السيارات الفارهة ذات الارتفاعات الصغيرة ليسيروا على ذات طرقاتنا المليئة بالمطبات والحفر، ويلبسون الديباج ويتعطرون بالعطور الفرنسية ليتجولوا وسط أسواق المواشي والخضر، ثراؤهم كان فقراً ورفاهيتهم كانت مرضاً، ومن ورثوهم اليوم يفعلون أفعالهم ويسيرون سيرتهم، تبدلت الوجوه والأسماء وبقى الطبع ذاته، وغباؤنا أو طيبتنا وثقتنا المجانية التي كانت مناجمَ للسابقين، لازالت مناجمَ يقتلع منها اللاحقون الذهب والدولار والدينار..!

الوعي أو الفناء ثقوا الأيام تركض، وكل يوم يحمل بنعليه شيئاً من الوطن، وسيأتي يوم أخير لا وطن بعده..!



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا