اسبرينيات - عين ليبيا

من إعداد: عبد الرحمن الشاطر

حزمة الاصلاحات الاقتصادية التي أعلن علن عنها مؤخرا في مؤتمر صحفي بمدينة تونس والتي تتعلق بالشأن الليبي الداخلي وحياة المواطن اليومية!! رحب بها البعض وانتقدها البعض ومن وجهة نظري تبقى معالجة آنية لمشكل أكبر بكثير مما يتصوره البعض.. وتبقى المقترحات والمعالجات مجرد تناول حبات أسبرين لازالة ألم الصداع مؤقنا ولكنها ليست علاجا جذريا لانهاء الصداع والقضاء عليه.

التوصيات تصب في خانة الاستمرار في ارتكاب الخطأ .. والخطأ هو أننا لا زلنا نعتمد منهجية الاقتصاد الرعوي وليس الاقتصاد المنتج.. فلأربع عقود ونحن نمد يدنا لما يجود به النظام السابق علينا حتى وان كان في شكل رمي صرة في ليلة العيد لا ندري ما بها.. ومع ذلك كنا نتزاحم عليها لاختطافها!!

التنفيذيون يتعاملون بسياسة ارضاء الناس وخطب ودهم وتقديم خدمات (الروم سيرفس) لهم وليس بانتهاج سياسة دفع الناس للانتاج وتهيئة المناخ والظروف الملائمة للعمل والاستثمار والانتاج والابتكار.

العملة القوية هي محصلة اقتصاد منتج وقوي. وهنا تكمن المشكلة .. فالحلول التي لا تعالج الاقتصاد المريض والمتعطل حتى يتعافى ويصبح منتجا لا تزال غائبة . والناس تعودوا واستكانوا لما تقدمه لهم الحكومة ولم يسمعوا بمقولة جبران خليل جبران التي قالها (لا تسأل ماذا تقدم لك دولتك .. وانما اسأل ماذا تقدم أنت لدولتك).

الظروف في ليبيا صعبة وتزداد صعوبة .. وعامل غياب الأمن لم يساعد على بقاء رجال الأعمال الليبيين الكبار في الداخل وأجفلت الشركات الأجنبية عن البقاء في ليبيا ومن حاول منهم العودة تعرضت بعض عناصره للخطف أو الابتزاز.. فضلا عن أن ثقافة انماء القطاع الخاص ما أن بدأت تشق طريقها حتى أصيبت في مقتل.

الوضع في ليبيا يزداد تعقيدا كل يوم . وما أعلنه رئيس مجلس النواب مؤخرا من أن خطوات ستتخذ بعد عطلة عيد الفطر يعني أن المنطقة الشرقية تُجرٌّ الى الابتعاد عن الجسد الليبي بخطوات يشارك في رسم خططها دول خارجية تعمل منذ سنوات على احداث الانقسام في ليبيا. واذا ما اكتملت سيطرة عملية الكرامة المسلحة على مدينة درنة فان الوضع في ليبيا سيزداد ليس غموضا وانما صعوبة ما يجعل من أي اصلاحات سطحية غير نافعة ولا مؤثرة وأن الحكومة المؤقتة في الشرق الليبي ستزيد من تضخيم الدين العام. وأنك تقدم اصلاحات لجسم مفكك متداعي لا يهمه الا ما ياخذ وليس ما يعطي.

في هذه الظروف لن تكون هناك انتخابات نزيهة بنهاية هذا العام كما يتصور البعض امكانية ذلك. وسنشهد صراعات مسلحة على مستوى الحروب الأهلية. فأي اصلاحات يمكن أن تأتي بنتائج ومردود يعود على الدولة بالنفع في خضم هذه الأزمات الحادة.

  • عامان على توقيع اتفاق الصخيرات .. والأمور تمضي الى التعقيد ولم تتوحد السلطات المتعددة.
  • مجلس النواب السلطة التشريعية الوحيدة مختطف وغير قادر وغير فعال والمجموعة القليلة المسيطرة عليه  تخترع العراقيل. ولن يتمكن هذا المجلس من عقد اجتماعات صحيحة. اذن نحن أمام وضع شاذ فكيف نفكر بمثالية؟
  • أين ملاحقة الشركات التي منحت اعتمادات مستندية فسرقت المال وأرسلت حاويات فارغة؟ هل حوكموا هل صدرت أحكام ضدهم هل تمت متابعة سلطات البلدان المصدرة للحاوية الفارغة هل تمت مقاضاتهم . هل شكلت لجان من الجمارك والمصارف واتحاد غرف التجارة للتدقيق في شروط الاعتمادات وبوالص الشحن ومساءلة سلطات البلدان المصدرة؟ هل نكرر نفس الخطأ؟؟؟؟
  • عقود تنفيذ المشاريع ترسى عنوة لمن يملك بندقية أو نفوذ أو تمنح بالتكليف المباشر.
  • شاهدنا عدة حالات عنف واختطاف لمن أرسيت عليه معاملة بالطرق القانونية وأجبر على التنازل عنها.
  • دول رأت الفرصة مواتية فتتدخل بقوة في الشأن الليبي بالمال والسلاح والاعلام .. و تعلن حرصها على الاستقرار في ليبيا!!
  • دول عظمى وفعالة تتحمس للتدخل في معالجة المختنقات الاقتصادية ولا تتحمس لكبح جماح المتدخلين في الشأن الليبي الذين أوصلونا الى ما نحن فيه من تفكك. هذه الدول لا ترى الأمورعلى حقيقتها الكارثية وانما تمسك ريشة وترسم بألوان زاهية خارطة طريق محفوفة بالورود على جانبيها.. لوحة جميلة وتدعو الشعب الليبي الى الاحتفاء بها!!
  • مؤتمر باريس الأخير كان فاشلا بامتياز ومع ذلك لا زالوا يطلبون من الذين اجتمعوا أن ينفذوا التفاهمات التي لم يوقع عليها أحدا منهم . وقد نسفها عقيلة صالح قبل أن يغادر باريس في تصريحاته لفضائية فرنسية.
  • على من يفكر في حل أزمات الحياة اليومية التي يعاني منها المواطن عليه أن يفكر أن البلد يتدحرج الى الهاوية وأن الانقسام السياسي وتفكيك الدولة أصبح مسألة وقت فقط. وبالتالي فان هذه المعالجات لن تقدم حلا وانما تستنزف مدخرات الدولة وأصولها.

لا بد من التفكير بصورة واقعية والنظر للأمور القادمة من خلال ما حدث بالأمس وما يحدث اليوم. وأنا لا يهمني بالدرجة الأولى معالجة النقص في السيولة وارتفاع سعر الصرف .. فهذه أعراض لا تزول بالأمنيات الطيبة ولا بتناول حبات الأسبرين.

السيولة النقدية وارتفاع سعر الصرف والتضخم هي نتائج وليست أسباب .. ولو تم معالجتها بالطريقة التي أعلن عنها هل سيكون العلاج بصورة نهائية؟ ام أن السيولة التي ستوفر ستدخل البيوت وتضاف الى الثلاثين مليار دينار خارج المصارف؟ ليبدأ كل من مصرف ليبيا المركزي في طرابلس ومصرف ليبيا المركزي البيضاء التنافس على طباعة أوراق عملة وضخها في السوق؟ ليرتفع سعر الصرف من جديد وتتلاشى القيمة الشرائية للدينار الليبي. في تقديري  الذي سيحدث هو استنزاف للأرصدة بدون عائد على الاقتصاد الوطني والدولة.

ثم.. ماذا لو فكر البعض في غلق حقول النفط لأن ايرادات مبيعاته لا تدخل مركزي البيضاء؟ ستقولون لي المجتمع الدولي لن يسمح!! أليس من ليبيا يأتي الجديد!!

أتمنى أن يركز الجميع وبالذات بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على ايجاد حلول جذرية واضحة وصريحة وعملية وقابلة للتنفيذ والصمود للأوضاع في ليبيا خارج التفكير النمطي وخارج المربع المكون من مجالس النواب والدولة والرئاسي وعملية الكرامة المسلحة. على هذه الأجسام أن تنتهي وبأقصى سرعة لأنها المتسبب الرئيسي في اطالة الأزمة وتشعب تعقيداتها.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا