من إعداد: د. محسن الدريجة
أسباب الازمة الاقتصادية الليبية الحالية:
- عامي 2012 و2013 شهدت ليبيا توسع في الانفاق العام والتوظيف في القطاع العام مما جعل ميزانيتي العامين وخاصة ميزانية علي زيدان الاعلى في تاريخ ليبيا.
- ارتفاع إنفاق الدولة تزامن مع آخر عامين في فترة اسعار النفط العالية والميزانيتين رتبتا التزامات طويلة الاجل على الاقتصاد الليبي مثل قانون علاوة الاطفال، مرتبات الموظفين، عدد العاملين في السفارات، عدد الطلبة الموفدين. هذه الالتزامات لا يمكن تغييرها وتخفيضها بسهولة، ومسؤولية هذه الاخطاء تقع على الحكومة والمجلس الانتقالي والمؤتمر الوطني العام.
- في النصف الثاني من عام 2013 مع نشاط الحراك الفيدرالي البرقاوي قام ابراهيم الجضران ومن معه بإغلاق الموانئ النفطية في وقت كانت فيه اسعار النفط حوالي 100 دولار للبرميل.
- في عام 2014 هبطت اسعار النفط الى 40 و30 دولار للبرميل في وقت زاد انخفاض صادرات النفط بعد اغلاق صمامات الرياينة وتوقف انتاج حقول الجنوب.
- الالتزامات طويلة الاجل التي ترتبت على الدولة تحملها كلها مصرف ليبيا المركزي باستعمال احتياطي الدولة الذي وصل اعلى مستوى له في تاريخ ليبيا عام 2012 ثم بدأ في الهبوط عام 2013 وواصل هبوطه حتى اليوم.
- القطاع المصرفي الليبي يعتمد بشكل كلي على النقد ولم يواكب تطور التقنية في المعاملات المصرفية، الامر الذي ادى الى سحب الناس اموالهم وعدم ايداعها خوفاً على أنفسهم بعد تكرر عمليات السطو المسلح والخطف والقتل.
- للمحافظة على احتياطي ليبيا من العملة الصعبة ولتغطية كميات السيولة المطلوبة قام مصرف ليبيا المركزي بطباعة المزيد من النقد مما ساهم في رفع الاسعار والتضخم. بينما الاجراء الافضل كان رفع سعر الصرف وتوفير العملة الصعبة بسعر اعلى وتوفير السيولة من النقد المستخدم في شراء الدولار.
- عام 2016 مع شح السيولة في المصارف قام مصرف البيضاء بطباعة عملة في روسيا والتي اعتبرتها حكومة الوفاق عملة مزورة ولكن حاجة الناس للنقد جعلها مقبولة في البيع والشراء مما زاد من ارتفاع سعر العملة الصعبة مع زيادة الكميات المطبوعة في شرق وغرب البلاد.
- عدم الوصول الى توافق بين مصرف ليبيا المركزي والحكومة على حزمة اصلاحات اقتصادية تخفض الانفاق العام استمر الوضع الى ما هو عليه اليوم من شح في العملة الصعبة وزيادة النقد الليبي خارج المصارف الى مستوى غير مسبوق واصرار المركزي على عدم تعديل سعر الصرف مادامت الحكومة متمسكة بميزانية لا يمكن تغطيتها بإنتاج النفط الحالي.
علاج الأزمة الاقتصادية الليبية: الحلول المتاحة
سبق وان ذكرت ان أصل الأزمة الليبية هو انفراط السياسات الاقتصادية بشقيها المالي (مسؤولية وزارة المالية) والنقدي (مسؤولية المصرف المركزي) وبينت بإيجاز أصل الأزمة الحالية. لعلاج الأزمة ينبغي قبول المعطيات التالية:
- أسعار النفط ستبقي في حدود الأسعار الحالية وبسقف 60 دولار للبرميل خلال المدى القصير، وسبق ذكر الأسباب التي تجعل أسعار النفط في هذا المستوي منذ عام او أكثر. التغيير الوحيد الذي يمكن ان يغير هذا هو حدوث أزمة كبيرة في احدى كبريات الدول المنتجة للنفط كالحرب.
- دخل ليبيا من النفط سيكون في حدود 35 دولار لكل برميل يصدر، حيث يكون الدخل 12.5 مليار دولار إذا كان متوسط الانتاج مليون برميل يومياً. اما أقصى دخل ستتحصل عليه ليبيا هو 19 مليار دولار سنوياً.
- أسعار السلع حالياً تعكس سعر صرف يتراوح بين 3 و4.5 دينار للدولار ولهذا لا صحة لكلام من يرفض تعديل سعر الصرف بحجة ان الأسعار سترتفع ولا توجد آلية تمنع ارتفاع الأسعار مادام هناك فرق كبير بين السعر الرسمي والموازي.
- دعم المحروقات شأنه شأن السعر الرسمي لا ينفع المواطن بقدر ما هو ينفع المهربين وغير الليبيين وفيه اهدار للمال العام.
في وجود المعطيات المذكورة أعلاه وميزانية لعام 2017 بلغت 37 مليار دينار (20 مليار دولار حسب السعر الرسمي) يتضح انه حتى إذا عاد انتاج النفط الى مستواه العادي سيكون هناك عجز. والنفط لا يمكن ان يعود الى مستواه العادي قبل نهاية العام. عليه، الحلول المتاحة هي:
- تعديل سعر العملة الصعبة من خلال رسوم هدفها سداد العجز في الميزانية وتخفيض الدين العام.
- من فوائد تعديل سعر الصرف من خلال اضافة رسوم هو سحب النقد من خزائن الأفراد للمصارف وتوفير السيولة عند دفع المرتبات وانتهاء ظاهرة وقوف الشيوخ والأرامل امام المصارف، كما انه سيخفض الودائع تحت الطلب.
- ضرورة تعديل سعر الصرف من خلال اضافة رسوم يخدم ثلاثة أهداف؛ الاول معالجة العجر في الميزانية والدين العام، الثاني توفير السيولة واعادتها للمصارف، والثالث، الحد من استنزاف العملة الصعبة بسبب الإفراط في طباعة النقد ونمو الودائع تحت الطلب بسبب الإفراط في الإنفاق الذي كان أساس الخلل.
- في ظل وجود السيولة خارج المصارف وتضخمها الى أكثر من 30 مليار دينار ونمو الودائع تحت الطلب لتصل المبالغ التي يمكن استعمالها لشراء العملة الصعبة الى 85 مليار دينار. هذا يعني ان كل ارصدة المركزي ومبيعات النفط يمكن استنزافها في فترة وجيزة إذا استمر الوضع كما هو.
- العمل على تنفيذ المقاصة الالكترونية وتطوير برامج ادارة الحسابات إلكترونياً عبر الانترنت وإلزام المصارف على إصدار بطاقات لكل حساب لتقليص المعاملات النقدية والمحافظة على سرية وامان المعلومات.
- تطوير سياسة مالية للدولة تحد من الإنفاق العام ومن نمو القطاع العام واستخدام ضرائب المبيعات كوسيلة لجبي الضرائب، حتى تكتمل أدوات السياسية المالية لوزارة المالية.
- الشروع في تنفيذ برنامج لمساعدة القطاع الخاص على النمو من خلال فتح مخططات جديدة للتطوير العقاري والخدمي وتصنيف مناطق صناعية.
- تقليص القطاع العام وتركيز الإنفاق على البنية التحتية ورفع كفاءة وأداء القطاع العام، والعودة الى مستويات منطقية من الإنفاق.
- رفع الدعم تدريجياً عن المحروقات واستبداله بدعم نقدي قدره 50 دينار لكل فرد تجاوز سن 18 سنة للتخفيف من اثر رفع الدعم على محدودي الدخل.
- مع انخفاض الانفاق العام وخفض الطلب على العملة الصعبة من خلال الاليات المذكورة أعلاه يمكن تقليص الرسوم وتخفيض سعر الصرف الفعلي وربما بعد وقت العودة الى السعر الرسمي.