الأزمة الاقتصادية في ليبيا الأسباب والمعالجات (دراسة وصفية تحليلية) - عين ليبيا
من إعداد: د. عبيد الرقيق
كثر الحديث هذه الأيام على ما يعانيه الاقتصاد الليبي من أوضاع متردية وصلت حد التأزم، وينعكس ذلك جليا على مظاهر الحياة الاقتصادية في ليبيا حيث بدأت تتكشف مظاهر الازمة مع منتصف العام 2014 وصارت الحال تشتد كل يوم جديد الى أن وصلت الى ما فيه الآن من شبه انسداد مالي واقتصادي، للأسف الشديد ان ظلال هذه الازمة القاتمة قد القت بثقلها على المواطن العادي حيث اصابته في محور معيشته الأساسي مما جعله يعاني بشدة من اثر ذلك وانعكس بوضوح على مستوى عيشه البسيط حين وجد نفسه شبه عاجز على مجاراة الانحدار الخطير في قيمة الدينار امام العملات الأجنبية والارتفاع السريع في أسعار السلع الضرورية التي ما عاد قادرا على ملاحقتها.
لقد تشكل الاقتصاد الليبي بصورة واضحة بعد الاستقلال وتأسيس الدولة الليبية، ولقد كان في بداية الخمسينات ضعيفا ويعتمد بالأساس على بعض المنتجات الزراعية والحيوانية والسمكية بالإضافة الى العوائد الضريبية والجمركية، ومع اكتشاف النفط وبداية تصديره شهد الاقتصاد الليبي انتعاشا ملحوظا، غير انه يمكن القول انه ومنذ ذلك الحين بدأ الاقتصاد الليبي يتجه الى الاعتماد شبه الكامل على النفط باعتباره المصدر الأساسي للدخل، وهذا ما جعل الاقتصاد الليبي اقتصادا ريعيا وغير متنوع المصادر الذي يشكل في الواقع مجازفة خطيرة على مستوى الاقتصاد الوطني محفوفة بالمخاطر فارتهان اقتصاد البلد بمصدر النفط فقط يجعل تأثير الازمات التي يتعرض لها انتاجا وبيعا تأثيرا كبيرا يرتبط بمستوى الأسعار الذي يتأرجح انخفاضا وارتفاعا مما يتوجب توظيف ثروة النفط لفتح مصادر جديدة موازية تدعم الناتج المحلي وهو مع الأسف ما لم يتم توظيفه خلال العقود الماضية بعد عقد الستينات بداية الإنتاج الفعلي للنفط في ليبيا وبمعدلات اقتصادية مجزية. ويكفي ان نشير الى ان نسبة مساهمة النفط في الميزانية العامة للدولة الليبية تتراوح بين 91% الى 95% من اجمالي الميزانية وان نسبة النفط من اجمالي الصادرات الليبية قد بلغت حوالي 97% في بعض السنوات
فيما يلي عرض للإيرادات والمصروفات الفعلية خلال السنوات 2010-2016 بالمليون دينار ومنها يتضح جليا أن الإيرادات الكلية قد بلغت ذروتها عام 2012 حيث وصلت الى حوالي ( 70.13) مليار دينار وبدأت في التناقص خلال الأعوام التالية 2013 و2014 و 2015 و 2016 وبلغت حدا ادنى حوالي 8.595 مليار دينار فقط. كما يلاحظ أيضا معدل الانحدار الكبير في الواردات غير النفطية والتي كانت في سنة 2010 حوالي 5.79 مليار دينار لتتراجع الى 1.9 مليار دينار فقط خلال سنة 2016 .
اما المصروفات فقد بلغت ذروتها في العام 2013 حيث وصلت الى حوالي 65.28 مليار دينار أي بزيادة حوالي 10 مليار دينار عن سنة 2010 ، ان الملفت هو حجم الانفاق الكبير في بند المصروفات التسييرية اذ تضخم بشكل كبير ففي حين كان حوالي 15 مليار دينار فقط عام 2010 وصل الى حوالي 42.5 مليار في عام 2013 بما نسبته حوالي 65% من اجمالي المصروفات !! وهذا ما يؤكد على عشوائية التصرف والأداء الغير منضبط والذي يفتقد للتخطيط والدراسة من قبل الحكومات المتوالية. الجدول رقم (1) يوضح موجزا للإيرادات والمصروفات الفعلية بالمليون دينار ليبي خلال السنوات (2010-2016).
البنود | 2010 | 2011 | 2012 | 2013 | 2014 | 2015 | 2016 |
1- الإيرادات الكلية
|
61,503.1
55,713.0 5,790.1 |
16,813.3
15,830.1 983.2 |
70,131.4
66,932.3 3,199.1 |
54,763.6
51,775.7 2,987.9 |
12,543.3
19,976.6 1,566.7 |
16,843.4
10,597.7 6,245.7 |
8,595.2
6,665.5 1,929.7 |
2- المصروفات الكلية
|
54,498.8
15,121.3 23,729.4 8,019.7 7,628.4 |
23,366.5
17,580.1 00.00 4,414.4 – |
53,941.1
36,733.0 5,500.0 11,708.6 – |
65,283.5
42,598.5 13,276.5 9,408.5 – |
43,814.2
26,892.0 4,482.4 12,439.8 – |
43,178.9
29,196.1 4,411.9 9,570.9 – |
28,788.4
21,315.8 1,398.3 5,723.8 – |
المصدر: وزارة المالية
بالنظر الى الجدول رقم (2) نلاحظ ان حجم العملة المحلية بالدينار الليبي المتداولة خارج المصارف قد تدرجت خلال الفترة من عام 2006 الى 2016 بشكل تصاعدي طبيعي حتى العام 2010 ولكن الامر اختلف مع سنة الاحداث 2011 حيث قفز حجم العملة المتداولة خارج المصارف من حوالي 7,6 مليار دينار عام 2010 الى حوالي 14,8 مليار دينار في عام 2011 أي بمقدار الضعف ثم عاد للتقلص قليلا خلال عامي 2012 و 2013 ليرتفع مجدد حتى وصل حوالي 27 مليار دينار في عام 2016 وهذه الزيادة الضخمة في حجم العملة المتداولة سببت بالطبع في سحب كميات كبيرة من العملة لدى المصرف المركزي والمصارف العاملة الى حد استنزف كل العملة الموجودة فعليا وهو ما دفع المصرف المركزي الى طبع كميات إضافية كبيرة من العملة المحلية فاقت 10 مليار دينار خلال سنوات 2014 و2015 و2016 . طبعا هذه مؤشرات تشوه واضحة في الاقتصاد الليبي لازالت قائمة وتحتاج الى معالجة ، الجدول رقم (2) يوضح ذلك.
السنة | العملة المتداولة بمليون دينار ليبي | السنة | العملة المتداولة بمليون دينار ليبي |
2006
2007 2008 2009 2010 2011 |
3,932.9
4,581.2 5,608.3 6,962.9 7,609.0 14,840.1 |
2012
2013 2014 2015 2016 |
13,391.1
13,419.9 17,174.9 23,007.3 27,103.2 |
المصدر: المصرف المركزي
المقصود بالميزان التجاري هو الفرق بين قيمة الصادرات والواردات للدولة، ونلاحظ ان الميزان التجاري الليبي خلال الفترة من 1991 وحتى 2016 احتوي بعض المؤشرات المتذبذبة التي يتسم بها الاقتصاد الليبي ولعل أبرز المؤشرات هو التصاعد التدريجي في القيمة الكلية للميزان التجاري عبر السنوات فمثلا كان اجمالي الميزان التجاري الليبي عام 1991 يساوي 750 مليون دينار ليبي الا انه سجل تراجعا في عام 1993 حيث كان فقط 35 مليون دينار ثم عاد للتصاعد من جديد لغاية 1997 حين بلغ 1,039.0 مليار وتسعة وثلاثون دينار ليبي ليتراجع الى 182 مائة واثنان وثمانون مليون دينار عام 1998 ثم استمر في التصاعد الكبيراعتبارا من العام 1999 الى ان وصل مداه عام 2008 حيث كان 51,089.0 واحد وخمسون مليار وتسعة وثمانون مليون دينار. وسجل تراجعا كبيرا اثناء احداث الانتفاضة والحرب عام 2011 حيث وصل الى فقط 9,590 تسعة مليار وخمسمائة وتسعين مليون دينار الا أن أسوأ المؤشرات هي العجوزات في الميزان التجاري والتي حدثت في أعوام 2014 و2015 و2016 وهذا راجع الى حالة الحرب واغلاق الحقول والموانئ.
السنة | الميزان التجاري
(مليون دينار) |
السنة | الميزان التجاري
(مليون دينار) |
السنة | الميزان التجاري
(مليون دينار) |
1991
1992 1993 1994 1995 1996 1997 1998 1999 |
750.0
750.0 35.0 329.0 955.0 915.0 1,039.0 182.0 1,148.0 |
2000
2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007 2008 |
4,054.0
2,515.0 3,798.0 10,334.0 14,872.0 27,153.0 39,467.0 40,028.0 51,089.0 |
2009
2010 2011 2012 2013 2014 2015 2016 |
18,816.0
29,777.0 9,590.0 44,650.0 15,199.7 -14,120.7 -7,687.6 -20,259,012.601 |
المصدر: المصرف المركزي
لأن الاقتصاد الليبي يعتمد كليا على مصدر واحد وهو النفط والذي يشكل حوالي 95% من الإنتاج المحلي لذلك يكون طبيعيا تأثره المباشر والجوهري بأي تأثير يطرأ على انتاج النفط وحيث ان الإنتاج الطبيعي للنفط خلال السنوات 2006 -2010 متوسطه كان تقريبا بمعدل 1.65 مليون برميل يوميا فقد تأثر هذا الإنتاج في العام 2011 نتيجة احداث الانتفاضة وانخفض الى حوالي 0.5 مليون برميل فقط ثم ارتفع في 2012 حتى وصل الى 1.5 مليون برميل يوميا ونتيجة لاستمرار الفوضى واندلاع الصراعات الاهلية في البلد انخفض معدل الإنتاج الى 1.0 مليون برميل يوميا في عام 2013 ثم تسبب اغلاق الموانئ والحقول النفطية في الربع الأخير من عام 2013 من قبل ميليشيات مسلحة تدعي انها من حرس المنشآت الى تدني معدل الإنتاج حتى وصل الى حوالي 350 الف برميل يوميا تقريبا خلال أعوام ( 2014 و2015 و2016)
وبحساب بسيط فان مقدار ما فقدته ليبيا من كميات النفط نتيجة الاقفال خلال تلك الثلاثة اعوام يقدر بحوالي 365 مليون برميل سنويا الذي يقدر بإجمالي 1095 مليون برميل، واذا اضفنا الى ذلك مقدار العجز الذي حصل في 2013 البالغ تقريبا 0.5 مليون برميل يوميا أي بمعدل حوالي 180 مليون يرميل سنويا واذا اضفنا أيضا مقدار العجز الذي طرأ في احداث الحرب عام 2011 وهو تقريبا مليون برميل يوميا أي 365 مليون برميل ، فإن اجمالي الفاقد خلال كل تلك السنوات (1095+ 180+ 365 = 1640مليون برميل)، واذا ما اخذنا متوسط سعر البرميل خلال الفترة 2011 – 2016 وهو تقريبا 65 دولار للبرميل يكون قيمة ما فقدته الدولة الليبية من عوائد ثروة النفط يعادل تقريبا (1640 * 65 = 106,600 مليار دولار وهو ما يعادل تقريبا 149,240 مليار دينار ليبي)
يلاحظ ان مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة خلال 2016 كان موزعا بين ما نسبته 23% من الموارد النفطية و 70% سلفة من المصرف المركزي، وهذا بدوره يعطي مؤشرا سلبيا عن حقيقة الوضع المالي الصعب للدولة الليبية ، أن يصل العجز في تمويل الميزانية الى ما نسبته 70% من الميزانية العامة للدولة يعني ان الموارد الأساسية للتمويل وهي النفط تحتاج الى تركيز واهتمام خاص وطبعا الأسباب معروفة وهي عدم القدرة على التصدير نتيجة الإيقاف المتعمد من بعض الميليشيات زائد الانخفاض الحاد في أسعار النفط مقارنة بالسنوات السابقة، كما يتضح أيضا القصور الواضح في مستوى الإيرادات الأخرى من ضرائب ورسوم جمركية وغيرها.
البيان | الإيرادات المحققة بالدينار الليبي |
صافي الإيرادات النفطية
إيرادات الضرائب الرسوم الجمركية رسوم الخدمات العامة الاتصالات مبيعات المحروقات المحلية اجمالي الإيرادات النفطية والسيادية تمويل من بواقي ارصدة الميزانيات السابقة تمويل من حساب الاحتياطي العام اجمالي موارد الخزانة العامة سلفة مصرف ليبيا المركزي اجمالي الموارد |
6,665,450,922
716,985,271 64,335,774 348,007,132 214,933,005 580,049,794 8,589,761,898 5,506,109 250,000,000 8,845,268,007 20,676,560,601 29,521,828,608 |
المصدر: تقرير ديوان المحاسبة لعام 2016
لقد تباينت الآراء حول مسببات الازمة الاقتصادية وهناك من يخلط بين الأسباب والنتائج وهنا كان العجز واضحا من المسئولين في القطاع الاقتصادي والمالي على مواجهة الواقع والافصاح عن حقيقة ما أصاب البلد من تدهور وتدني في مركزها المالي ووضعها الاقتصادي مما يثير الشكوك بأنهم غير آبهين بحجم المشكلة وغير مدركين لتداعياتها الحاضرة والمستقبلية على الشعب الليبي وعلى المركز المالي للدولة الليبية ومن خلال متابعة لمجريات الاحداث عن قرب ودراسة ما احتوته التقارير الاقتصادية والمالية المتعلقة بالوضع الليبي الصادرة عن وزارة المالية ومصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة يمكن حوصلة أسباب الازمة المالية والاقتصادية وكذلك النتائج التي ترتبت عنها فيما يلي:-
لقد ساهمت تلك الأسباب مجتمعة في التأثير على الوضع الاقتصادي والمالي للدولة الليبية سلبيا وترتب عن ذلك جملة من النتائج أهمها:
امام هذا الوضع المتدهور للاقتصاد الليبي، واخذا في الاعتبار جملة الأسباب والنتائج سالفة الذكر، يمكن اقتراح المعالجات التالية والتي وان كان بعضها قاسيا، فهي ضرورة تقتضيها المرحلة وتكون مؤقتة خلال فترة زمنية محددة، وتنقسم هذه المعالجات الى معالجات طارئة تبدأ فوريا خلال مدة لا تتجاوز 3 شهور، ومعالجات متوسطة وطويلة الأمد قد تستغرق سنوات ومن هذه المقترحات ما يلي:
[su_divider top=”no” size=”1″]
جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا