الأفارقة في الثقافة العربية.. ليبيا مثالاً - عين ليبيا

من إعداد: السنوسي حامد وهلي

مما لا شك فيه أن أفريقيا ارتبطت باللون في العقلية العربية، وليست مسألة جغرافيا، وهنا لا نريد الخوض في أصل التسمية وكيف تطورت إلى ما هو معروف حاليا بقارة أفريقيا، التي هي من أقدم قارات العالم، ومهد البشرية، وأصل الإنسان، وفيها دولا مختلفة لكل منها اسم وجذور تاريخية.

بكل تأكيد أن أفريقيا رُبطت بلون الإنسان الأسود في الثقافة العربية، وتظهر بشكل واضح في دول شمال أفريقيا التي تعاني من أزمة هوية حادة، حيث تشعر جزء من شعوب هذه الدول أنها ليست أفريقية ولا تنتمي إليها، إلى حد الانتساب إليها عار، رغم أنها جغرافيا وليست عرق أو لون، بل أن بعض دول شمال أفريقيا لا تذكر انتمائها لهذه الجغرافيا، فمثلا في خطابها الرسمي تذكر أفريقيا بالقارة السمراء، ويقصد بها أفريقيا ما بعد الصحراء، وكأنها ليست جزء منها رغم أن الأرض عنصر من عناصر الدولة، هذا الانفصام يحتاج إلى تحليل لفهم جذور هذه الثقافة، نعتقد أن المسألة لها علاقة مباشرة بالبشرة السوداء، فهذه الأيديولوجية المتكونة عن أفريقيا هي مرتبطة عن مكانة الإنسان الأسود في الثقافة العربية، قديماً كان السود الأحباش يحكمون إلى اليمن، ولكن بسبب تجارة الرقيق أُلصقت العبودية بالإنسان الأسود في الثقافة العربية، رغم أن العبودية ليست لها علاقة باللون، حيث أن السود أنفسهم كانوا تجار للعبيد، وللأسف ما زالت العبودية مستمرة ومبررة أيدلوجيا حاليا في بعض دول الجزيرة، ويتوارثون الإنسان كالإنعام، ولا ننسى أنها مُنعت في السعودية بضغط من الأمم المتحدة في عام 1962، وعندما غزت القبائل العربية في القرن السابع شمال أفريقيا حملت معها هذه النظرة العنصرية عن الآخر، بناء عليها المؤرخون العرب صنفوا البلدان الإفريقية إلى بلاد البيضان “البربر” وبلاد السودان، وأصدروا أحكام مسبقة عن بلاد السود التي تبدأ حدودها مع نهاية اللون الأبيض، بأن هناك بشر يعيشون في فوضى كالبهائم، لا أخلاق ولا حكم ولا عقل لهم، ولهم أذناب كالحيوانات.. إلخ،هذه الأفكار أصبحت متناقلة وجزء من الثقافة السائدة، مما أدى إلى توقف الغزو القبلي عند حدود بلاد البيضان، وعلّق حسن الوزان الملقب بليون الإفريقي في عام 1511 تقريبا بأنه لم يُعرف بلاد السودان لدى العرب إلا بعد عام 300 هجرية أي 959 ميلادية تقريبا، وهذا يدل على عدم الاهتمام بالسود، والتعامل معهم بدونية، زد على ذلك أنه عندما زار الوزان ليبيا وخاصةً فزان كتب بأن العرب كانوا يسمون هذه البلاد وما بعدها ببرنو لعدم معرفتهم بكل البلدان.

هذه الممارسات تبين ما موجود في العقل العربي الواعي واللاواعي عن إفريقيا التي أغلب سكانها سود، فالتواصل الثقافي التاريخي للنفور من الإنسان الأسود في إفريقيا، انعكس سلبا على الجماعات العربية نفسها في شمال أفريقيا التي أصبحت تؤكد بوعي أنها لا تنتمي لهذه الأرض التي ارتبطت بها بقولها أنها ليست أفريقية، ومن الغرابة أنها تعتبرها أرضاً عربية، بمعني أنها مملوكة للعرق العربي، وهذه عكس التاريخ والجغرافيا، إن الشعوب سواء السوداء أو البيضاء التي وجدت قبل الغزو لها ثقافتها وتعتز بانتمائها لأرضها، أما قارة إفريقيا هي الأرض التي تجمع كل قاطنيها، ومن المفارقات أن كل من يعيش في أفريقيا يعتبر نفسه أفريقياً ما عدا العرب والمستعربين، حتى البيض في جنوب أفريقيا الذي جاؤوا مستعمرين واستعبدوا السود لمئات السنين يعتبروا أنفسهم اليوم أفارقة. بهذا نرى كيف أن العالم يتغير والثقافة العربية تتقهقر، فمثلا تجد العربي الليبي لا يتردد في القول “أنني لست أفريقيا”، بل يعتبرها نقيصة بسبب الموروث الثقافي، ولأن الدولة الليبية منذ تأسيسها لم تقم على هوية وطنية ممتدة من الأرض إلى ثقافة شعوبها المختلفة، إنما خلقت هوية عرقية متضخمة ومتقلبة ليست لها حدود إلا في الخيال، وهذه انعكست على الليبيين سلباً في نظرتهم لبعضهم ولجيرانهم ولمصالحهم.

بالواقع ليبيا افريقية جغرافياً ومتعددة الثقافات، ومن المغالطات اعتبار إفريقيا عرق أو لون، كما هو في الفكر السائد الآن، الذي يعتبر الليبي هو عربي فقط بدون أي اعتبار لليبي غير العربي الذي يُعتبر مجرد أفريقي تابع، وهذا له آثار اجتماعية كالفوقية والتراتبية، والمؤسف أن بعض سكان الجنوب بسبب الثقافة المسيطرة لا ينتقدون هذا التعالي الذي يتعايشون فيه، مثلا كثيرا ما يقال في أي مسألة بسيطة تخص فزان تحت عنوان ضخم الجنوب الليبي، وكأنها تلك الأدغال المجهولة!، ولا نسمع هذه العناوين كالغرب الليبي أو الشرق الليبي حتى في المسائل الكبيرة، إن هذا الإرث عمق الفجوة ما بين الشمال والجنوب، بتهميش هذا الأخير ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، وأصبحت العلاقة بينهما تابع ومتبوع، لهذا فأنه يجب القطيعة مع هذه الثقافة، وإعادة صياغة للهوية الليبية، بحيث أن كل الليبيين أفارقة ويتكونون من ثقافات مختلفة، أما عدا ذلك فإن أي خطاب ضد الأفارقة سواء الليبيين وغير الليبيين يعتبر عنصريا، ويظهر ذلك جلياً ما نسمعه ونقرأه من إساءات لسكان جنوب ليبيا، كثيراً ما نسمع عبارات مسيئة كاحتلال الأفارقة ومرتزقة وغيرها من الخطابات التحريضية العنصرية التي تستخدم ضد الآخر، وكأن الجنوبيين مجرد تبع ليسوا حريصين على أرضهم، فالمركز “المالك للدولة” الذي لا يعرف عن الجنوب شيئاً يدعي الحرص أكثر من ساكنيه. مثلا في بدايات 17 فبراير سمعنا بعنوان المرتزقة السود بالكتائب، وشنت حملة ضدهم وترتب عنها ذبح ليبيين سود في الشرق، وخرج أناس يقولون أن هذه “الأشكال ليست ليبية” عبر وسائل الإعلام، ومازالت هذه العنصرية موجودة.

إن الليبيين الجنوبيون لهم تاريخ عريق وهم خليط من الثقافات، وتعتبر فزان الإقليم الوحيد الذي كان له نظام حكم ليبي استمر لآلاف السنين، المتمثلة في مملكة الجرمانت السوداء العظيمة، التي كانت في العهد الروماني تنافس على الشمال لأجل أن يكون لها دور في الساحل، وكانت من الممالك النادرة التي تمثل مصدر خشية للرومان، ورغم دخول الرومان لهذا الإقليم، بقت هذه المملكة الإفريقية صامدة، وأصبحت العلاقات مع الرومان تعاونية ومصالح متبادلة، هذا يدل على قوة هؤلاء الليبيون، وأقيمت ممالك أخرى على هذا الإقليم كالإمبراطورية الكانمية وبعدها البرنو، وأنتشر الإسلام في هذه الإمبراطورية ومن خلالها إلى البلدان الإفريقية الأخرى، لذا يجب دراسة تاريخ الشعوب الليبية القديمة، فتاريخ ليبيا لم يبدأ من القرن السابع أو العهد التركي.

لقد حان الوقت للقطيعة مع هذه الثقافة المكونة عن الآخر، المعارضة للقيم الإسلامية والإنسانية، والتي هي نقطة الانطلاق لبناء مواقف عنصرية، يجب الاعتزاز بافريقية ليبيا وبكل ثقافاتها العربية والتارقية والتباوية والامازيغية، وقيام الدولة على المبادئ الإنسانية، لإعادة إنتاج ثقافة جديدة متسامحة تسير مع ركب الحضارة الإنسانية وتكوين شخصية ليبية حديثة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا