الإستقالة قيمة حضارية - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

الإستقالة تصرف حضاري يعبر عن رقي الفرد والمجتمع عندما لا يستطيع المسؤول القيام بعمله كاملاً لأسباب شخصية أو متعلقة بالظروف المحيطة، في الدول المتقدمة يثمن الشعب هذا التصرف، فوجود المسؤول في المنصب نتيجة لعقد بينه وبين الأمة ممثلة في القوانين واللوائح المعمول بها للقيام بدور معين لفترة محددة، وفشل المسئول سواء كان وزيرا أم غفيرا يتحتم الإستقالة من أجل فتح المجال أمام من هو قادر على أداء دور أفضل. وعادة ما يحترم مسئولوا الوظائف العليا كالنواب والوزراء أنفسم فيستقيلون من مناصبهم، ومن لا يحترم نفسه يقال من مرؤوسيه أو من الشعب إن كان رئيسا للدولة.
ثقافة الإستقالة لم تجد لها تربة خصبة عند العرب والمسلمين، فأصحاب المناصب لا يقالون إلا بالموت أو بتغيير النظام رغم تدني وسؤ أدائهم، وهذا من الأسباب الرئيسية لتأخر العرب والمسلمين، فلا تستغرب ان تجد متخلفون جدا في مناصب عليا في هذه الدول.
بعد خسارة الارجنتين لحرب الفلكلاند أما البريطانيين طالب الشعب بإستقالة الحكومة ففعلت، بالمقابل عندما خسرت مصر حرب 67 أمام إسرائيل طالب الشعب المصري ببقاء وإستمرار عبدالناصر وحكومته، وسميت الهزيمة نكسة وهي ليست كذلك بل هزيمة نكراء، في بنغازي هدد أحد الليبيين بقتل أبناءه لو لم يتراجع القذافي عن عزمة للإستقالة (المزيفة).
بالمقابل إستقال كامرون من منصبه بعد خسارة الإستفتاء حول الخروج من السوق الأوروبية المشتركة، كما إستقال رئيس إسرائيل بعد إتهامه بفضائح. وعندما يعجز المسئول عن إحترام نفسه يقال، فقد أقال ترامب خمسة من وزرائه، واقال أردغان العشرات من العسكريين الذين شاركوا في الإنقلاب.
في الوضع الليبي، دولة على شفير الهاوية؛ أزمات ورائها أزمات من نقص السيولة وطوابير على معظم الحاجات الأساسية، وإنقسام طولي وعرضي، وموت زوأم يطال الكثيرين، ودول إقليمية من الدرجة الخامسة تستثمر في دماء الليبيين، نجد من يتعنث وتبجح بأن لا يتزحزح عن موقعه قيد انملة، وكأن المناصب تركة عن أبائهم، أو أنها ملكية مقدسة لا يجوز التنازل عنها، وهكذا حراس المعبد لن يغيبوا عن أنظار المارة حتى يسقط السقف على رؤسهم. ماذا قدم البرلمان ورئيسه، ومجلس الدولة وأعضاءه، والرئاسي ومن تبقى منهم حتى يستمروا في عملهم؟ ما الذي يجعل رئيس مصرف ليبيا المركزي متشبتا بمقعده وهو يعلم أن غيابه سيوحد فرعي المصرف بطرابلس والبيضاء ويوقف إدعاءات من بقي من مجلس النواب؟ لماذا لا يستقيل قادة المجموعات المسلحة لتنضم مجموعاتهم إلى جيش وطني له ارقام عسكرية ويخضع لأركانات موحدة ومحددة وأوامر موحدة بعيدا عن التراشق الحالي بالسلاح، وتنتفي الاسماء الشخصية، ويتم إرسال كتائب منهم لحماية حقول النفط وحماية الحدود ومصادر المياه بدلا ان يكون في المدن الكبرى مجموعات مسلحة كثيرة لا دور لها سوى الجانب الأمني الداخلي وهو جزء بسيط قد تقول به الأجهزة الشرطية.
مدير مؤسسة الكهرباء لا يريد أن يستقيل رغم عجزه عن تقديم الحلول، وفي مؤتمراته المتكررة يهيب بالشعب أن يقتصد في إستعمال الكهرباء، وهذا ليس باسلوب إدارة لمقدرات الدولة، كان ممكن له أن يتفق مع جهات امنية لتأمين مرافق الكهربا، وان يقوم بصيانة الوحدات العاطلة، وأن يقوم بتحصيل الرسوم والديون على الدولة والمواطنيين بل وزيادة التسعيرة، وقطع الكهرباء عن العبثين والسارقين. بالمثل لجنة أزمة الكهرباء، وعمداء بلديات كثيرون لا أداء لهم سوى تسخين كراسي المناصب.
هذه المرحلة لا تحتاج إلى خطط فقط، فليس هناك مؤسسات قائمة لتنفيذ الخطط الجاهزة، بل تحتاج إلى أكبر من ذلك؛ إلى شخصيات فاعلة لها معرفة ودراية وكريزما بعزيمة لا تخبوء ولا تنام من أجل تنفيذ تلك الخطط والبرامج، وتجربة وزارة التعليم الاخيرة لتحويل مكان إمتحانات الشهادة الثانوية دليل على ذلك، إضافة إلى أعمال كثيرة تقوم بها الأجهزة الأمنية مثل محاربة الجريمة وتعقب المجرمين.
في النهاية نحي الشخصيات التي عرفت قدر نفسها وإختارت الرجوع إلى االخلف قليلا من أجل الوطن، أمثال رئيس المؤتمر الوطني السابق الدكتور المقريف والكثير من أعضاء مجلس النواب والدولة الذين قالوا خيرا ثم إستقالوا وصمتوا لأن الدول الإقليمية واذنابهم بالداخل لم تجعل لهم سانحة للإصلاح أو صوت يسمع، ولن يخرجنا من هذه الدوامة سوى إنتخابات برلمانية ورئاسية سريعة لا علاقة لها بالدستور ودهاليزه.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا