الاغتيالات والعزل السياسي في ليبيا استنساخ لسيناريو العراق - عين ليبيا

من إعداد: حسام المصراتي

بأيادي ليبية خالصة يتم استنساخ النموذج العراقي في ليبيا. وأمريكا هذه المرة أكثر خبرة وأكثر ذكاءاً بعد أكثر من عشر سنوات في المستنقع العراقي ودون أن تكلف نفسها عناء المواجهة أوالظهور في الواجهة طالما لديهم مشائخ الخليج وعملائهم المخلصين ممن يقاتلون ويدمرون بلدانهم بالنيابة عن قوى الاحتلال المباشر على الأرض.

فتش عن “اليهود والنصارى” فلا معنى لما يسمى بـ “قطر” أو “السعودية” وما يحيط بهما من مشيخات الخليج. وإن أصرت فضائياتهم على شحن رؤوس العوام بـالكف عن التفكير بـ “نظرية المؤامرة”..! وأن يطمئنوا لأمريكا واسرائيل فإنهم لا يريدون للعرب إلا أن يعيشوا في ديمقراطية ورفاه ..! وأن يغضوا النظر عن الآية الكريمة “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ” فقد يدفعك التمعّن في هذه الآية الكريمة إلى التفكير بمؤامرة تحاك ضد أمة الاسلام ينفذها حلفاء اليهود والنصارى ومحتضني اكبر قواعدهم.

وتزامناً مع سلسلة الاغتيالات والخطف للشخصيات الوطنية يظهر علينا “الإخوان” بقانون “العزل السياسي”. ليحيلنا مباشرة إلى سيناريو الاعتقالات والاغتيالات السياسية على يد المليشيات المسلحة العراقية وتفاجؤ الشارع العراقي بقانون “العزل السياسي” الذي أقصى مالا يقل عن 500 شخصية وطنية عراقية في أول تجربة انتخابية في العراق المُحتل تحت بند ما يسمى بقانون “اجتثاث البعث” والذي تحول في ظل الاحتلال الأمريكي إلى مسمى “هيئة المسائلة والعدالة” والتي تقابلها ما سُمي بـ “هيئة النزاهة الوطنية” في ليبيا.

قبل سقوطه كانت الألة الاعلامية تصف “صدام” بـ “الحاكم الشمولي” “التوتاليتاري” … وفجأة – بعد الخلاص من صدام- وجد الشعب العراقي نفسه أمام حرب الاجتثاث والاقصاء اما بالاختفاء القسري أو الإغتيال أو امتثالاً لأوامر هيئة “النزاهة والوطنية العراقية” تماماً كما هو الحال في النظام الليبي فقبل سقوطه كانت كل وسائل الاعلام مُتفقة بأن “القذافي” هو الحاكم الشمولي (التوتاليتاري) فلا يوجد “نظام” حاكم في ليبيا ابان “عهد القذافي” ولم تكن سوى مرحلة حكم الطاغية الفرد والتي عكست سلوكيات حاكم مجنون ومتهور. بل أن “المحللين” و”منظري الثورة” أجمعوا على أن الاشكالية وكل الأزمة الليبية هي رهينة سقوط “القذافي”، وبرحيله أو إنتحاره أو قتله تنتهي كل المأساة الليبية ويتغير وجه الليبية بمجرد نهاية شخص القذافي الحاكم الدكتاتور.

انتهى القذافي ..! وعلينا الآن مواجهة “حرب الاجتثاث والتفتيت” ومواجهة المصير العراقي والاستعداد لتنفيذ سيناريو الاحتلال الامريكي بعد أن أثبت نجاعته في تدمير العراق. وكما بقيت فزاعة “صدام” ستبقى فزاعة “القذافي” ! بإعتبارهذه الفزاعة خير وسيلة لإستمرار الفوضى وتقويض الحالة الأمنية وعرقلة مؤسسة الجيش والشرطة الرسمية.

الأمر المُسلّم به أن ليبيا لا تخلوا من الأعداء الذين يسعون لأحباط قيام الدولة الليبية بأي ثمن وليست فقط دول الخليج مقاولي المشروع الأمريكي-الصهيوني .. فبالتأكيد من بين أولئك الأعداء “فلول نظام القذافي”. ولكن هل تبادر إلى أذهان مليشيات الثوار بأنهم هم من يوفر “الحماية” و”الغطاء الأمني” لبقايا مسلحي القذافي؟ والثوار هم من يوفر مناخ الانفلات الأمني في البلاد..! فبكل بساطة حل هذه المليشيات وعودة مؤسسة الجيش والشرطة الرسميتان لن يترك مجالاً لمليشيات الفلول التي تكتسب شرعية وجودها في ظل فوضى المليشيات الخارجة عن القانون ولن يبقى هناك مجال لفوضى السلاح..! ولكن .. اصرار الثوار على الاحتفاظ بالسلاح يقابله الحفاظ على مناخ الفوضى والانفلات الأمني الذي يتيح للأعداء حرية امتلاك واستخدام السلاح بدعوى انهم أيضاً “فصائل ثورية” وان كانوا في حقيقة الأمر هم غير ذلك تماماً..! وخير دليل على ذلك اعتراف السيد “هاشم بشر” أحد قادة “المليشيات الأمنية” نفسه في لقائه الأخير بقناة العاصمة بأنهم مخترقين كغيرهم من المليشيات ..!

فزاعة القذافي لتدمير ليبيا واثارة رعب الثوار

لذلك لاحاجة للوجود الأجنبي المسلح على الأرض الليبية طالما وجدت مليشيات المقاتلين بالنيابة .. وتماماً مثلما نجحت فزاعة “البعث” نجحت فزاعة ما يسمى بـ “الأزلام” أو “الفلول” ومثلما خلقوا من “اسطورة عودة صدام” شماعة لاستمرار الرعب والخوف و الفوضى الأمنية المفتعلة في العراق تحت مظلة الاحتلال انساقت ليبيا على يد “ثوارها المسلحين” إلى ذات المصير ولا سبيل لإقناع كتائب الثوار أن القذافي انتهى وأن عودة نظامه ما هي إلا فزاعة لاستمرار الفوضى والرعب الأمني وتواصل مسلسل الاغتيالات.

للأسف إن ما يسمى بـ “الثوار” أو “المليشيات المسلحة” تحولوا إلى مجرد بيادق على الرقعة السياسية وهم الورقة البديلة بعد فشل “صندوق الاقتراع” في السيطرة على مركز صناعة القرار الجديد. ومن المؤسف أن نرى ليبيا وقد رُسِم لها سيناريو محدد وأن يتم تطبيق النموذج العراقي حرفياً، ليتم تنفيذه بيد كرازيات ليبيا الجديدة. وابرز معالم النموذج العراقي هو ترسيخ مفهوم “الاجتثاث والتفتيت”، أو ما يسمى بـ “العزل السياسي” عبر التلويح بفزاعة القذافي وأزلامه وعودة النظام المنهار من جديد. وفي الحقيقة ما هو إلا مشروع “أخونة” وهيمنة الحزب الواحد من جديد.

وتعبئة الشباب المسلحين الذين قاتلوا القذافي وتحريضهم على عدم التخلي عن سلاحهم التي تنشط هذه الأيام بحجة أن عودة نظام القذافي وشيكة في أي لحظة بمجرد تخليهم عن السلاح أو بمجرد السماح بعودة مؤسسة الجيش والشرطة، لأن الجيش والشرطة حسب تصنيفهم هي مؤسسات لا تنتمي لليبيا بل تنتمي لنظام القذافي. وهذا ما يُذكرنا بسياسة الاحتلال الامريكي للعراق عندما اطلقت حكومة “بريمر” مفهومي “الاجتثاث والتفتيت” وظهور ما يسمى بقانون “اجتثاث البعث” والتي تحولت فيما بعد إلى ما يسمى يـ “هيئة المساءلة والعدالة” وهي ما يقابلها في النموذج الليبي. “هيئة النزاهة والشفافية” ..

ولا نستغرب أن يسبق طرح “قانون العزل السياسي” حراكاً مسلحاً على الأرض وليس أقلها سلسلة الاغتيالات والخطف وهجوم المسلحين على المدينة الرياضية بحجة “تطهير” المنتخب من الأزلام !! ونستغرب أين كان هذا الحراك من قبل ولماذا في هذا التوقيت؟ وهل سيجرنا حراك “العزل السياسي” إلى حراك “العزل الإجتماعي” والسير على نهج “القذافي” لتطهير ليبيا بيت.. بيت .. و زنقة.. زنقة ! هل يعقل أن نستمع قريباً إلى خطاب “زوارة” المشؤوم مرة أخرى ؟ ولتنتصب المشانق في كل مكان وتستمر حملات التهجير والاعتقالات على الهوية ؟

قانون الأخونة السياسية لليبيا وليس العزل السياسي:

وليس غريباً أن يتزامن تسريب قانون ما يسمى بـ “العزل السياسي” من قبل فرع جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا مع الانقلاب الاخواني المفاجئ في الجارة “مصر” – بعد ساعات من زيارة الجندي الأمريكي أمير قطر – والتي أسفرت عن انقلاب “مرسي” على “العسكري” واستحواذ “الرئيس الإخواني” على الحكم المطلق في مصر وليتحول أول رئيس منتخب بعد الثورة إلى حاكم “شمولي” يهيمن على السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد ليعيد استنساخ النموذج الشمولي السابق. وبحجة الاطاحة بـ “الحرس القديم” تخلع مصر ثوب الديكتاتورية القديمة لترتدي ثوب الديكتاتورية الشمولية الجديدة. انها المشيئة الأمريكية وعلى دول الربيع العربي أن تتقبل الأمر.. وتقول لزوج الأم الجديد “ياعمي”..! وطالما أرادته “أمريكا” ربيعاً اخوانياً فلا راد لأمر البيت الأبيض.. فعلى الليبيين تقبل الأمر الواقع رغم المسرحية الهزلية لصناديق الاقتراع.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا