الانتخابات التونسية بلسم الشرفاء وغصة للمتآمرين - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

لعل مسيرة الديموقراطية في تونس هي الرد الناجع على القائلين بأن شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط ليسوا مؤهلين للعيش خارج منظومة الاستبداد والتحول إلى الدولة المدنية.

نعم نجحت دول الاستبداد في زرع عملاء لها وخلق ثورات مضادة لربيع 2011 في ليبيا واليمن وسوريا ومصر وقاموا بتطويع السودان، وفي سباق مع الزمن لتخريج فتوى تردع مطالبة الشارع الجزائري بالتغيير لثلاثين أسبوع متوالية، في حين أننا نرى نضوجا للمؤسسات التونسية وتفهما للشعب التونسي يضاهي ديموقراطيات الدول الكبرى.

الإنتخابات الرئاسية التونسية كان موعدها بعد الإنتخابات النيابية، ولكن وفاة الرئيس التونسي السابق المنجي قايد السبسي أوجد ظروفا جديدة تحتم إنتخاب رئيسا جديدا للدولة، وهذا الإنتخاب يعتبر الأول من نوعه من حيث أن الشخصيات لم تعد تصنف على أنها تابعة للأسلاميين أو للعلمانيين، ولم تعتمد على الجهوية كما في الإنتخابات السابقة التي كانت بين أهل الشمال وأهل الساحل والجنوب.

إنتخابات تونس الرئاسية ترشح لها عدد كبير من الشخصيات منهم أربعة من التيار الإسلامي؛ وزراء  في حكومة النهضة، ومنهم من نداء تونس وأخرون مستقلين بل أن منهم من هو لايزال في السجن لآسباب سياسية، وهناك رجال أعمال لم يمارسوا السياسة من قبل. هذا التنوع أوجد تقارب في البرامج وخاصة أن منصب الرئيس في تونس محدود الصلاحيات، كما أن حداثة التجربة وحاثة العمل النضالي للكثير من تلك الشخصيات جعل الناخب في حيرة من أمره عند إختيار من سيقود المرحلة القادمة، ولكن تجربة الإنتخابات أفرزت قيادات جديدة وربما أحزاب أخرى لها برامج متنوعة، وهذا ما يجب أن يكون في ليبيا التي تفتقر إلى قيادات سياسية وحتى إدارية.

حاولت لجنة الإنتخابات تسهيل الأمر على الناخب بوضع مناظرة لعرض برامج كل منهم، وكانت المناظرة على درجة عالية من الوعي بهموم المواطن. وأي كانت النتيجة فإن التجربة التونسية ترسخ قيم الدولة المدنية من إحترام الدستور وإحترام صوت المواطن والأنتقال السلمي للسلطة والإبتعاد عن إستعمال نفوذ المال ونفوذ العسكر للوصول إلى سدة الحكم وهي الطريقة التقليدية لإستبداد العسكر والتي نراها في مصر منذ تولي محمد على (الألباني) حكم مصر إلى الآن مرورا بناصر وحسني والسيسي، والشعب ما يزال يصفق.

التجربة التونسية تسير ببطء شديد حتى لا تتوقف ونتحني حتى لا تنكسر، فلقد تنازلت قوى الثورة عن الكثير من الأمور لصالح الثورة المضادة، وغضت الطرف عن أمور أخرى، فحزب النهضة وقادتها قاموا بتطوير ألياتهم السياسية، بإنتقالهم من فلسفة الإسلام السياسي الذي أرسىت قواعده جماعة الإخوان المسلمون خلال قرابة قرن من الزمان إلى الإسلام الديموقراطي المنفتح على العالم والذي يتبنى أسس الحداثة ضمن الخطوط العريضة للشريعة الإسلامية، وهي تجربة مقاربة للتجربة التركية والماليزية.

لا شك أن التجربة التونسية ستكون بلسما ملهما لشعوب الشرق الأوسط المقهورة وشمال أفريقيا المتآمر عليها للنهوض وكسر قيود الطغاة والمضي قدما نحو تغيير الواقع الردئ، فغداً ستكون هناك إنتخابات رئاسية في الجزائر ولكن ليس كما يريدها قايد صالح، وستكون هناك إنتخابات في السودان ولكن ليس كما وصلها حمدوك، وستكون في ليبيا بلا حفتر وفي اليمن بلا عمالة، عندها سيعلم الشعب المصري أنه أعطى صوته لمن لا يستحق وعليه أن يقوم بتصحيح خطاءه، ولكن بعد سنة 2032م إن كان في عمر الاستبداد بقية.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا