الانتقام الأمريكي لسفيرهم يطيل عمر الفوضى في ليبيا - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

ان مقتل السفير الأمريكي في بنغازي الليبية عام 2013 كان عملا اجراميا ولاشك، لكنه بالنسبة لأمريكا الدولة الأقوى في العالم كان اشد وقعا وتأثيرا، وكانت دلالاته اكبر مما يتصوره البعض، فالإدارة الامريكية ممثلة في مسئولي الامن القومي واداتهم الاستخبارات المركزية الامريكية كانوا اكثر المتأثرين، وبحكم  المسئولية القومية لهم،  لن يكون الامر مجرد حادثة عابرة اذ بمنظورهم قد اصابت كبرياء اقوى دولة في هذا العالم  وجرحت هيبتها، الأمر الذي يستوجب رد فعل مناسب لانزال عقوبة الانتقام الكبير بمنفذي تلك العملية ولو على حساب الأبرياء من الشعب الليبي عقابا لهم على مجرد ان الجريمة وقعت في ارضهم! وتلك لعمري معايير كثير ما تستخدمها جميع أجهزة الاستخبارات الدولية التي لا تراعي في تنفيذها لمهامها اية اعتبارات أخلاقية او إنسانية او حتى مواثيقية وقانونية.

ويبدو ان نصيب الليبيين من شدة ذلك الانتقام كبيرة، وان العقاب الذي لابد منه للجناة على لسان الرئيس الأمريكي نفسه سيطال حتى الأبرياء من منطلق “الغاية تبرر الوسيلة”، فمن خلال قراءة منطقية للواقع الليبي بعد ذلك العمل نجد ان السياسة الامريكية في ليبيا قد انتهجت فعلا ما يرمي الى تحقيق ذلك الانتقام، ويدل على ذلك نهج سياسات أمريكا في ليبيا التي اتخذت توجها غريبا هو الأقرب الى مغازلة المتشددين في ليبيا واحتوائهم الى معاداتهم ومحاربتهم! ذلك بالطبع في سبيل تحقيق اهداف استراتيجية تمكنهم من احداث اختراق بنيوي في تركيبة وهيكلية تلك الجماعات المتطرفة التي وجدت مناخا مناسبا لها في ليبيا بعد سقوط القذافي، وليس اصدق استدلالا على حدوث ذلك الاختراق من عمليات القبض النوعية التي قامت بها أمريكا لعناصر إرهابية في ليبيا واحدة في طرابلس وأخرى في بنغازي (ابوأنس + ابوختالة)!

ان استراتيجية امريكا في حربها ضد الارهاب المصنف “اسلاميا” تستند على قواعد للتفكير النمطي الذي يصب في خانة التركيز اكثر على عوامل الاستقطاب لحصر العدو في دائرة محددة تتوفر فيها المعلومات الضرورية التي تساعد على قيادة وتوجيه المعركة من اقرب نقطة للحدث، اذا هم قد وجدوا ضالتهم في ليبيا اليوم المنتهكة السيادة والتي تعيش حالة من الفوضى والانفلات، ولذلك يواصلون الليل بالنهار لاستقطاب كل العناصر الإرهابية والتي هي أساسا تحت رقابتهم من أفغانستان الى العراق الى سوريا استقطابها للتواجد في المصيدة الليبية التي تم احكام السيطرة عليها لوجستيا وامنيا ومعلوماتيا لتوجيه ضربات مناسبة وفي وقت مناسب لأهداف على الارض الليبية للكثير من قيادات الجماعات الإرهابية المستهدفة وهذا ما يجعل الامريكان غير متسرعين في إيجاد حلول للمشكل الليبي! برغم الضغوط الغربية عليهم من بعض الدول التي تخشى انتقال العمليات الإرهابية لها مثل فرنسا وإيطاليا لقربهما من ليبيا.

ان الخشية ان تطول عملية الانتقام الأمريكي كونها مرتبطة باستهداف شخوص بعينهم ترصدهم الاستخبارات الامريكية وتحرص على القصاص منهم جميعا انتقاما لهيبتها متمثلة في الثأر للسفير الأمريكي الذي اغتيل في بنغازي، وهذا يعني ان أمريكا قد تسعى لإطالة عمر الفوضى في ليبيا الى ما تراه مناسبا من الوقت بما يكفل لها استكمال نذر الانتقام!! ان تداعيات حرب الانتقام الامريكي من الإرهابيين على الأرض الليبية جسيمة وخطيرة على الليبيين، فهم وقودها ومستودعها وقد يتعاظم شررها لتعم كل النسيج الاجتماعي الليبي المهلهل الذي يسهل وربما يكون قد تم اختراقه قبليا او مناطقيا من قبل جماعات دينية متطرفة تموقعت داخل المدن الليبية مثل “داعش” في سرت، الامر الذي جلب وسيجلب على الليبيين المزيد من التقاتل والمعاناة.

ان بؤرة الأمل الأكثر اشراقا امام الليبيين هي فقط وحدتهم الوطنية، والتي تقتضي مصالحة وطنية شاملة بين كل اطياف الشعب الليبي، وطي صفحة الماضي بما فيها من مآسي ودماء، للوقوف معا صفا واحدا في جبهة واحدة لا تقبل القسمة، فهل يتدارك الليبيون الامر ويسارعون الى لملمة جراحهم ويجتمعون حول كلمة سواء؟ يتناسون احقادهم ويتوحدون اليوم قبل الغد من اجل حياتهم وكرامتهم وسلامة أرضهم! هل يدرك الليبيون خطورة الوضع الذي اوجدتهم فيه صراعات أطراف داخلية وخارجية تستهويها رائحة الدم والخراب!؟ ان ما يحتاجه الليبيون الآن يكمن في نقطتين أساسيتين: –

1- توحيد جهود المؤسسة العسكرية في جسم واحد يجمع الشرق والغرب وكل العسكريين الليبيين عاجلا لا آجلا.

2- على الليبيين ان يستثمروا ورقة الضغط الفرنسية الإيطالية التي تتعجل محاربة التنظيمات المتطرفة عكس الامريكان الذين يسعون لإبطائها واطالة عمر الفوضى!

 



جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا