البعد السياسي لأحداث الهلال النفطي - عين ليبيا

من إعداد: محمود شمام

عدة أيام مضت منذ أن شنت سرايا الدفاع وهي خليط جهوي وأيديولوجي وقبلي هجومها على الهلال النفطي حصلت خلاله على غطاء سياسي ولوجستي واضح المعالم. القوى الدولية المسيطرة على البحر والجو عرفت بالهجوم وربما حتى قبل ان يبدأ.، وربما باركته. وأهل الحل والعقد في مصراته وفِي المجلس الرئاسي هم ايضا عرفوا به ان لم يكن من المخططين. لكن ما لم يفسر حتى الان هو لماذا ظهرت القيادة العامة للقوات المسلحة هي الوحيدة التي لم تتوقع الهجوم وهذا يبرر السهولة التي سقطت بها بلدات وموانئ عديدة في فترة زمنية قصيرة. وهي سهولة لا تضاهيها الا سهولة سقوط نفس الهلال عندما سيطرت عليه القوات المسلحة لأول مرة. كيف كانت المفاجأة والجميع يعلم ان الهجوم الأخير كان المحاولة الخامسة للسيطرة على الهلال النفطي. ومرت 3 ايام كاملة والصمت يلف الجميع ما عدا صفحات التواصل الاجتماعي. صمت المجتمع الدولي ودوّل الجوار الجغرافي والممولين التقليدين. لم ينبت أحد بشفة. ولولا العرض اليومي للناطق العسكري والمحللين السياسيين على القنوات والصفحات لقلنا ان الحرب هي فقط افتراضية. هل تعرض الجيش لخيانة أم لعملية خداع أم نصيحة ملزمة أم ان انه حاول ان يتجنب خطة كانت تريد ان تبتلعه فيها الرمال المتحركة. لا أحد يعلم حتى المسماري نفسه الذي يعلمنا كل يوم. وبينما اشتعل الحديث عن الحرب والقتال والحشد لم نسمع أحد يتحدث في السياسة. أنا لا اعرف ما الذي ستفعله الحشود المتواجهة أو متى ساعة الزحف أو الصفر وهل سيكون انطلاقها لا يخضع للحسابات الإقليمية والدولية أو يأخذها في الاعتبار لكن اريد ان اتحدث في السياسة وفِي الأهداف السياسية والى أين ستقودنا.

في اعتقادي أن للحملة على الهلال النفطي هدفان، الاول تكتيكي وهو أضعاف الزخم الذي حصل عليه حفتر بعد التركيز الإقليمي والدولي عليه في الأشهر الاخيرة باعتباره الرقم الاصعب في المعادلة الليبية. هذا الهدف تكتيكيا يسعى الى تحويل حفتر الى رقم صعب وليس الاصعب على الأقل ودفعه الى طاولة المفاوضات. وهذا الهدف هو ترجمة للتصريحات الغربية المتكررة حول دور عسكري لحفتر تحت سلطة مدنية.

الهدف الثاني استراتيجي وخطير فهو يهدف الى رسم خط التقسيم النفطي وبالتالي المحلي في حالة انسداد الأفق السياسي وهو بإبقاء موانئ البرقية والزويتينة ضمن حصة الشرق والسدرة ورأس لانوف ضمن حصة الغرب على ان يتم توزيع حقول النفط على هدا الأساس. هذا التقسيم يراد له ان يراعي رغبة مصراته التاريخية في اعادة تقسيم الخطوط الإدارية. في المقابل يتسم المشروع الاخر بالغموض سواء في الشق البرقاوي منه تقسيما أو فيدراليا أو في الجزء العسكري منه. وينتصب مجلس النواب وقيادته المراوغة ليمثل جسما يفقد قدرته على التأثير كل يوم ويستعد فيه رئيسه عقيلة صالح وهو يبحث كيف يقفز من كرسي رئاسة البرلمان الى كرسي رئاسة المجلس الرئاسي بجراب معبأ بالحيل البدائية. من خطط ونفذ هجوم الهلال النفطي حقق خطوة تكتيكية مهمة بحقن الموانئ النفطية بحرس المنشئات بقيادة ادريس بوخمادة المغربي وسحب سرايا الدفاع الى الخلف كقوة إسناد بحيث يمكن وسم اَي هجوم يشنه الجيش لاستعادة الموانئ بانه هجوم على قوى شرعية بينما تتسارع المحاولات في مجلس الأمن لإصدار قرار بمنع التحليق الحربي في سماء المنطقة وهو احتمال ضعيف.

في المقابل ورغم اتساع الحشد الشعبي سياسيا وإعلاميا وتواصل الحشد العسكري إلا أن هناك غيابا واضحا للاستراتيجية السياسية وخطواتها المرحلية، فمجلس النواب الذي ارادته القيادة العسكرية كواجهة سياسية لمطالبها لم يقدم حتى الان سوى انفعالات أقرب للمراهقة السياسية منها للفعل السياسي. صمت القيادة العسكرية وان نفهم ضرورته العسكرية الا انه مضر سياسيا وخصوصا في ظل الفراغ السياسي الذي احدثه ضالة الفعل السياسي لدى البرلمان وعدم انفتاح القيادة العسكرية على المنظمات السياسية والمدنية وشكوك هذه المنظمات في طموحات المؤسسة العسكرية وتخوفها من التيار السلفي المتحالف مع القيادة العسكرية.

ما العمل…

مرحليا لابد من حسم موضوع الاتفاق السياسي اما بالاتجاه نحو الحوار الجاد وخلق تقاسم فعال للسلطة وهذا يعني التوجه ليس فقط نحو الاتفاق مع السراج بل ايضا بالاتفاق المباشر مع مصراته. وفِي حالة الاخفاق في التوصل الى حل تقديم البديل السياسي الذي سيكون الى حد كبير مشروع للتقسيم برعاية دولية أو مشروع فيدرالي سلمي.  وهو مشروع اعرف انه لا يمكن نسبته الى حفتر ” البسماركي” الذي ربما يفضّل ان يزحف بجيشه خصوصا إذا ما حصل على بعض التأييد والدعم من غرب وجنوب ليبيا وهو مشروع سيلاقي مواجهة من بعض الخصوم الأقوياء في مصراته والغرب. وقد يقود الى حرب طاحنة ويحول الأزمة الليبية الى أزمة دولية. هذا تفكير بصوت مسموع وحث للجميع بالكشف عن مشاريعهم السياسية لان الأمور الاخرى مكشوفة للجميع. أتمنى ان يدلي مفكرينا ومثقفينا بدلوهم ويقدمون بعض الأفكار السياسية للخروج من هذا الوضع المتأزم الذي يهدد الوطن.

 



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا