التدخل التركي في ليبيا - عين ليبيا

من إعداد: نوري الرزيقي

لقد كان قرار توقيع الاتفاقية بين حكومة الوفاق في ليبيا وبين الحكومة التركية صاعقة أتت على كثير من الجدران وقلبت الموازين رأسا على عقب فأصبح العرب والعجم في حيرة من أمرهم، اتصالات ومكالمات هاتفية وتهديدات واجتماعات، لقد أفشل هذا الاتفاق مصالح هذه الدول وهو الاستيلاء على بعض من مقدرات هذه الدول.

أقول للذي ينعق بما يسمع وبما لا يعرف: بدأت المباحثات بخصوص هذه الاتفاقية بين تركيا وليبيا في سنة 2009 أي في عهد القذافي، هل كان من يعارض الاتفاقية ويملأ الأرض ضجيجا سيعارضها لو تم التوقيع عليها في عهد القذافي بما في ذلك شخص يُدعى مصطفي الزايدي وغيره من التُبّع كثير؟، هل كنتم تملكون الشجاعة لقول كلمة حق واحدة أمام سيدكم؟، أنتم تعرفون الجواب وإن كنتم تتغافلون عن مكانتكم عنده فنحن نعرف الحقيقة الصمّاء، والحياء من الإيمان!.

جاء من ضمن الاتفاقية التركية الليبية الآتي:

1) حماية الحقوق البحرية للبلدين وفق القانون الدولي.

2) السيادة على المناطق البحرية بما يهدف لحماية حقوق البلدين ضمن حدود القانون الدولي.

كما ورد في النقطتين السابقتين، أن الاتفاقية لم تتجاوز القانون الدولي الذي يحفظ الحقوق البحرية لجميع الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط بل تؤكد الاتفاقية على التقاسم العادل للنفوذ البحري لتلك الدول!، لقد كانت ليبيا قبل الاتفاقية خارج حسابات الدول المستغلة للموارد البحرية لما تعانيه من تمزق، فما الخطأ في أن تلعب ليبيا دورا ويكون لها حضور في أن تقاسم غيرها المصالح البحرية، فلماذا الصياح؟.

وبالنظر لردود الفعل نجد أن برلمان طبرق ومصر رفضا الاتفاقية بحجة أنها تتعدى صلاحيات حكومة الوفاق.

أما بالنسبة لبرلمان طبرق قد يكون له الحق في ذلك ولكن أين هو مما يحدث من تمزيق الوطن وتشريد أهله وهو طرف فاعل فيما يحدث!، فهو برلمان منقسم على نفسه لا يجتمع إلا بقلة قليلة ذات توجه واتجاه واحد، أما الأعضاء المخالفين لهذا الاتجاه فلا يخفى على أحد ما واجهوه من مصادرة أراءهم وممارسة الضغوط عليهم بشتى الوسائل حتى اضطر كثير منهم مغادرة المدينة دون رجعة، فهل هذا البرلمان يمثل الليبيين؟.

وأما مصر فخوفها بأتي من أن الاتفاقية قد تضعف حليفها حفتر وبالتالي نفوذها في ليبيا، ألم يقل رئيسها يجب إعادة توزيع الثروة في ليبيا، عجبي؟!!!.

كلٌ يسعى لتحقيق مصالحه ولكن هذه المصالح قد تكون وطنية كتمكن تركيا من خلال هذه الاتفاقية من كسر الحصار البحري المفروض عليها، الناتج من الاتفاقية البحرية التي جرت بين دولة الاحتلال (إسرائيل)،  اليونان، مصر، وقبرص اليونانية التي استثنت ليبيا وأرادت حصار تركيا ولكن تركيا كان لها رأي آخر وهو ضرب تلك الدول مجتمعة في المقتل!!!.

وأما ليبيا فقد تمكنت من خلال الاتفاقية من استعادت ما خطط له من انتزاع نفوذها ومقدراتها البحرية مثل التنقيب عن الغاز وحماية حدودها البحرية فكفى بها اتفاقية لمن أراد الفهم، فلا تزعل!، باختصار لقد استغلت اليونان الحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد وضعف حكومة السراج وتفكك مؤسسات الدولة بين غرب وشرق في السيطرة على جزء من المقدرات البحرية للدولة الليبية فساهمت الاتفاقية في استرداد ما ضاع، فلا تغضب!!!.

إن الصراع صراع نفوذ وسيطرة ومصالح وتكتلات عالمية، فبالرغم من بكاء حكام العرب العملاء وبعضا من الذين يخوضون بغير تبيّن للحقائق فسيرضخ الجميع للتفاوض خاصة بعد تحويل الاتفاقية للأمم المتحدة لإقرارها.

أما لمن يصيح مثل حفتر وغيره من التدخل التركي ووصفه زورا وبهتانا بأنه احتلال نقول بعين الإنصاف، بالنسبة للتدخل التركي يأتي علنا وبعد اتفاقية أمنية بين الدولتين وموافقة البرلمان والحكومة التركية فما بال الذين يعارضون التدخل التركي لا يعارضون بنفس الحجم والحماس التدخل الإماراتي والمصري والفرنسي وغيرهم بأسلحتهم وطيرانهم الذي قصف ويقصف عدة مدن ليبية؟، ليقفوا مع جهة يفترض أن تكون جزءا من مكوّن المجلس الرئاسي وليس نظيرا أو بديلا له!.

نقول لمن يتكلم أو يريد أن يوقف التدخل الأجنبي هذا جميل ولكن يجب أن تكون عادلا بأن ترفض كل أشكال التدخل ومن جميع الدول سواسية دون تمييز أو انحياز لدولة أو طرف دون الآخر، ثم ليجلس الليبيون بعدها على طاولة واحدة وفي ليبيا ليس خارجها وليتنازل كل واحد منهم في سبيل وحدة الوطن، ولكنهم لا يملكون هذه القدرة والشجاعة للقيام بهذا العمل وعلى رأسهم حفتر، ولكن أنّى لهم القدرة والشجاعة والحكمة؟، أليس هذا هو الإنصاف؟.

أخيرا أقول إن التدخل التركي في ليبيا سيعمل على توازن القوى ضد من يعادون حرية الشعوب ويسعون لعودتها لحياة العبودية فلو كانت مصر أو الإمارات أو السعودية داعمة للحق في ليبيا ويهمها استقرار ليبيا وبسط الأمن والسلام والحياة الكريمة للشعب لفعلت وهي قادرة على ذلك، ولتدخلت بالعدل بين الأطراف المتنازعة ولتمكنت من تحقيق ذلك ولكنها اختارت غير سبيل المؤمنين، ولكنها اختارت شيطنة وتشويه مخالفيها وكل من أراد نيل الحرية والعيش كريما تنعته بأسماء وألقاب في غير مواضعها وتقف بالأسلحة وبجميع أنواع الدعم مع طرف وتعمل بكل الوسائل على تشويه وإضعاف الطرف أو الرأي الآخر لا لشيء إلا لمصالح سياساتها الرعناء التي هي بعيدة كل البعد عن السياسة فمن يقوم بذلك لا يفهم في السياسة بل أقول في أبجديات السياسة!، وسينتصر الحق ولو بعد حين.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا