التصعيد المتزامن في العلاقات الأمريكية الروسية الصينية المتوترة - عين ليبيا

من إعداد: فاضل بن عاشور

حالة غير مسبوقة من التنافس الإستراتيجي بين القوى الكبرى يشهدها العالم اليوم من خلال ديناميكية متصاعدة ومتسارعة من المواجهة والعدائية، تُنذر بإمكانية تحول التنافس الإستراتيجي إلى صراع مسلح.  

الحرب الراهنة غير المباشرة القائمة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في أوكرانيا يمكن لها أن تأخذ منحى آخر أكثر صدامية وأكثر اتساعا من الناحية الجيوسياسية، وقد تنقلب الى  حرب مباشرة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وقد تتحول إلى حرب عالمية خاصة إذا ما تشكلت جبهة جيوسياسية مناهضة للولايات المتحدة تضم كلا من روسيا والصين وكوريا الشمالية.

المؤشرات على ذلك عديدة قد يكون أبرزها التغير الذي طرأ على إستراتيجية حلف الناتو تجاه كل من روسيا والصين واعتبارهما من أكبر التحديات الإستراتيجية التي تواجه الحلف. ومن جانب آخر، التسابق على التسلح بأحدث الأسلحة من كلا الطرفين في أوكرانيا، والتصعيد المستمر في الخطاب السياسي العدائي، وتدفق الأسلحة الثقيلة الأمريكية والأوروبية على أوكرانيا ومنها منظومات صواريخ جافلين ومدافع هاوتزر وصواريخ هاربون المضادة للسفن والطائرات المسيرة وصوارخ كروز.

قد يكون أكثرها خطورة، باعتبارها نقلة نوعية، تزويد أوكرانيا بمنظومة صواريخ هايمارس المتطورة دقيقة التصويب متوسطة – بعيدة المدى، وتعهد بريطانيا بتزويد أوكرانيا بمنظومة صواريخ متوسطة – بعيدة المدى، وقد جاء الرد الروسي قويا بنقل خطوط دفاعاته إلى العمق الأوكراني، والتلويح بتزويد بيلاروسيا بصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.

الصعود الصيني في النظام العالمي، وتوسع نفوذ الصين لاسيما في منطقة المحيطين الهادئ والهندي وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، قد شكل تحديا خطيرا للولايات المتحدة الامريكية التي أعتبرت ذلك تهديدا رئيسيا للأمن القومي والمصالح الأمريكية في المنطقة وفي العالم. وقد شهدت العلاقات بين البلدين أكثر مراحل تطورها توترا منذ الوفاق الذي ساد بينهما والذي وضع أسسه مستشار الأمن القومي ومهندس السياسة الخارجية الأمريكية الدكتور هنري كيسنجر في سبعينيات القرن الماضي.

أدى صعود الصين إلى ازدياد حدة التنافس الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، وتحول إلى صراع جيوسياسي في المناطق ذات الأهمية الجيوستراتيجية، وتعتبر منطقة المحيطين الهادئ والهندي مسرحا رئيسيا للتنافس الإستراتيجي والصراع الجيوسياسي بينهما.

التصعيد في الخطاب السياسي برز بشكل واضح مؤخرا في أعقاب قمة الدول السبعة وقمة حلف النيتو وما قبلها خاصة تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا بأن بلاده على استعداد للتدخل العسكري لحماية تايوان في حال تعرضها لهجوم صيني، والذي قد يعد أشدها خطورة. والتنديد بما وصفه أعمال الصين الاستفزازية المهددة للاستقرار في المنطقة. ورد الصين بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أي تدخل خارجي في تايوان. والتدريبات العسكرية المشتركة للمقاتلات الصينية والروسية.

قبل ذلك الاتفاق الأمني بين الصين وجزر سليمان في أبريل 2022، الذي اعتبر تحديا من جانب بكين للهيمنة الأمريكية في المنطقة، وقبله، الاتفاق الثلاثي الأمني الإستراتيجي الذي جمع الولايات المتحدة وكل من بريطانيا وأستراليا، والذي  اعتبر بأنه موجها ضد الصين.

التوتر في العلاقات الصينية الأمريكية اكتسب بُعدا جديدا في ظل الصراع الجيوسياسي المتزايد بين روسيا والغرب الأطلسي الذي وصل إلى حالة الحرب في قلب أوروبا، والذي مثل أكثر حالات العدائية بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي، وأكثرها تهديدا للأمن الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية.

الخلاصة

التضارب في المصالح الجيوسياسية والاقتصادية والإستراتيجية بين هذه القوى الدولية، تُشكل الأرضية الخصبة لتصاعد حدة التوتر بينها.

تقفر روسيا في مواجهة الهيمنة الأمريكية والقطبية الأحادية ولاسيما سياسة تمدد حلف شمال الأطلسي نحو شرق أوروبا.

تقف الولايات المتحدة الأمريكية في وجه سياسة التمدد الروسي نحو وسط وشرق أوروبا في إطار إستراتيجية إعادة نفوذ الاتحاد السوفيتي أو السوفيتية الجديدة.

تتهم الولايات المتحدة الصين بالقيام بأنشطة استفزازية تهدد السلم والاستقرار في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، واتباع سياسة تعرقل فرص الاستثمار للشركات الأمريكية في مناطق عديدة وبما يُشكل تهديدا للأمن القومي والمصالح الأمريكية في العالم.

تقف الولايات المتحدة في وجه سياسات كوريا الشمالية لاسيما تجاربها النووية التي تُهدد الأمن القومي لكوريا الجنوبية والمصالح الأمريكية في المنطقة.

تُشكل سياسة الهيمنة الأمريكية في ظل القطبية الأحادية، العنوان الرئيسي لتنامي سياسات المواجهة العدائية لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية من جانب كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية.

الخاتمة

يمكن القول إن التنافس الإستراتيجي الدائر بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وكوريا الشمالية، قد يتحول إلى صراع مسلح وحرب عالمية بين هذه القوى، والمؤشرات على ذلك عديدة لا تقف فقط عند حرب روسيا ضد أوكرانيا. إذ بينما تسعى الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على موازين القوة وضمان استمرار الوضع الراهن المتمثل في هيمنتها وسيطرتها على النظام العالمي، فإن القوى الإقليمية تسعى من أجل تغيير موازين القوة والمشاركة في صياغة جديدة  للنظام العالمي.

ولتحقيق هذا الغرض الإستراتيجي تنتهج القوى الدولية المتنافسة سياسات وإستراتيجيات مختلفة طبقا لتوجهاتها ومصالحها الجيوسياسية والإستراتيجية. وفي كثير من الأحيان تكون المقاربات والمواقف والتصريحات ضبابية أحيانا ومتضاربة أحيانا ومتناقضة أخرى، ويتضح ذلك من تعدد وتباين التصريحات والمواقف والمقاربات في تعاطيها مع التحديات الجيوسياسية التي تواجهها.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا