التقويم الليبي عراقة الهوية - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

السنة الليبية بالمفهوم التاريخي (الأمازيغية) هي احتفالية شعبية لها رمزية قوية تعكس الاحتفاء بخيرات الأرض والتيمن بسنة زراعية جيدة، ولهذا دأب سكان  شمال إفريقيا منذ آلاف السنين على الاحتفال بهذا الانتماء للأرض وهذا الارتباط في ليلة يناير “ئض ن ينار” أو”ئض – سكّاس” أو “ئغف ن سكاس” وهي كذلك نهاية أيام البيض (الباردة ليلا ودافئة نهارا) وبداية الأيام السود (يفتح فيهم كل عود)، وخلال المناسبة يتم طبخ ما تنبت الأرض من حبوب وخضر لمائدة ليلة الثاني عشر/ الثالe عشر من يناير، في أطباق تختلف من منطقة إلى أخرى، ويكون الكسكسى بالقرع والبطاطس أكثر إستعمالا في الكثير من الدول ومنها ليبيا، ولا يخلو الموسم من بعض طقوس الطبخ في احتفالية الفرح والغناء والرقص لصغار السن.

من التقاليد المتبعة في رأس السنة الأمازيغية هو أن توضع نواة التمر بعدد العائلة في الكسكسي عند إعداده، ومن يجد واحدة أو أكثر يُتنبأ له بأن يعيش سنة سعيدة ويكون موفقا، وله رزقاً وافراً، ومن لا يجد يحتاج إلى جهد لمواجهة الصعاب، وتقوم الأمهات بغمس النوى مما يلي مأدبة صغار السن عند شعورها بتدمٌر أطفالها لعدم حصولهم على النوى، كما يقوم الإطفال بإضاءة القناديل الزيتية ومن يكون شعاعه أكبر تكون أموره ميسرة، وهي ألعاب وطقوس تدخل البهجة والسرور على العائلة وتعطي دروس في تحمل الصعاب ومواجهة متغيرات الواقع ولا علاقة لها بكشف الغيب أو التنبؤ بالمستقبل، وهذه العادات تتواجد في مدن جبل نفوسة ربما تتواجد في الكثير من القرى والمدن الليبية غير الناطقة بالأمازيغية كموروث ثقافي بقي بعد عمليات التعريب الواسعة.  

للأسف ولأسباب غير معروفة نقلت هذه العادات من ليلة الثالث عشر من يناير إلى ليلة الخامس عشر من شعبان في الكثير من مدن جبل نفوسة وكانت متداولة إلى عهد قريب، قبل أن يتمكن المتشددون والتكفيريون من إخافة الناس وإرهابهم بترك عاداتهم وإدعاء أنها كفر بالله، رغم أن الآلاف العلماء خلال القرون الأربعة عشر الماضية لم يفتي أحدا منهم بالتكفير أو الخروج من الملة بسبب هكذا تسلية وترويح عن النفس في جو عائلي بهيج.  

يصادف يوم 13 بداية السنة الجديدة 2969 الموافق لسنة 2019م وهو تقويم الشمسي يبدأ من سنة 950 قبل الميلاد، ويرجع ذلك إلى تولي الملك الليبي “شيشنق” الحكم في العائلة الفرعونية التي حكمت مصر في تلك المرحلة، وهو الملك المعروف بنفوذه الكبير الذي امتد من مصر إلى فلسطين وتزوجت إبنته الملك سليمان، وكان عصره عصرا ذهبيا في تلك المرحلة. استطاع شيشنق دخول مصر الفرعونية بعد الانتصار عليها في معركة دارت وقائعها على ضفاف نهر النيل بمصر أو “مّ ئزرا” كما يطلق عليها القدماء والتي تعني ذات الصخور الضخمة في إشارة إلى الجلاميد التي بنيت به الأهرام.

تولى الليبيون سدة حكم مصر الفرعونية من خلال الأسر الثانية والعشرين، والثالثة والعشرين والرابعة والعشرين، وأسس شيشنق الأسرة الثانية والعشرين والتي امتد حكمها من 950 ق.م إلى 817 ق.م، حيث تعاقب على حكم مصر تسعة ملوك ليبيين بداية من شيشنق الأول (الذي حكم واحدا وعشرين سنة، وهو الذي وحد مصر، وضم إليها كلا من فلسطين وسوريا، ومن أهم الآثار التاريخية المصرية التي تدل على الأسر الفرعونية الليبية: قوس النصر في مدينة الكرنك وقبر الأسرة المالكة الثانية والعشرين بمدينة تالبسطة)، أوسركون الأول، تاكلوت الأول، أوسركون الثاني، شيشنق الثاني، تاكلوت الثاني، شيشنق الثالث، باماي، وشيشنق الرابع، تلتها الأسرة الثالثة والعشرون من 817 ق.م إلى 730 ق.م بملوكها الستة: بادي باست، شيشنق الخامس، أوسركون الثالث، تاكلوت الثالث، أمنرود أوسركون الرابع، ليختم حكم الليبين لمصر بالأسرة الفرعونية الرابعة والعشرين التي امتد حكمها من 730 ق.م إلى 715 ق.م بملكين فقط هما تافناخت واح كارع.

طالب الكثير من النشطاء الأمازيغ في شمال أفريقيا بجعل نهاية السنة الأمازيغية عيدا وطنيا منذ أربعينات القرن الماضي وحتى قبل الإستقلال، ولكن وجود الإستعمار ثم المد القومي العروبي حال دون ذلك ولقد دفع الوطنيون ثمنا غاليا سواء كان في انتفاضة 20 ابريل/نيسان 1980 ضد الحكومة الجزائرية واطلق عليها تسمية الربيع الاسود نظرا لما تخللته من احداث قمع، أو تصفية المعارضين الليبيين سنة 1984 في أحداث باب العزيزية أو إفتعال حوادث أليمة لتكميم الأفواه كما حدث للناشط سعيد المحروق.

الليبيون ليس لهم أعياد وطنية صادرة من تراثهم أو تاريخهم، فعيد تأسيس الجيش، جيش من؟ (جيش أسسه الإنجليز)، وعيد الإستقلال حددته الأمم المتحدة، أما عيد إنقلاب مايو السودانية وإنقلاب 23 يوليو وإنقلاب الفاتح و سلطة (أو سلاطة ) الشعب في 2 مارس، ويوم الحداد فهي هرطقات وشطحات مخبولة لا معنى لها تحضر وتزول بجرة قلم من القائد، سار العوام ورائها وصفق لها، وركع لموائدها وما كان يعنيهم سوى الإجازة المدفوعة الأجر ولو كان عيدا للوحدة مع مالطا. ولذا يجب أن يكون لليبيين أعيادا من تاريخهم من جذورهم وليس ترمما على الآخر ونحن شعب عزيز عن الأيام، فرأس السنة الليبية يكون أجدر لنا أن نحتفل به ناطقين وغير ناطقين بالأمازيغية من دول أخرى، ونحن نتباين ثقافيا ولكننا نشترك في الكثير من العادات العريقة مثل لباس الجرد وأكل البازين ولباس الفرملة، وكثرة العناد، والترفع عن طلب غير الله، ورفض الذل، ونبذ المسكنة والطوق إلى الحرية، ولن نتعلم يوما العادات المستوردة مثل السلام بالأنوف وزواج المسيار وإرتداء الشماخ والعقال، ولا أكل كبسة الأرز.

أقرت الجزائر في سنة 2017 أن تكون رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا في جميع أنحاء الجزائر، كما يتم الإحتفال برأس السنة على نطاق واسع في المغرب من الأفراد والجمعيات الأهلية ترسيخا للهوية الوطنية ومصالحة مع التاريخ ونهاية لدوامة الهوية المصطنعة. فبدلا أن تهتم مناهجنا بالشأن الوطني الليبى وتاريخه وشخصياته ورموزه تبث أكاذيب لا تعقل، فمثلا يدرس في منهج السنة الرابعة إبتدائي عن شمال أفريقيا ” هضبة أفريقيا العربية” والكثير من الحديث عن العالم العربي، وحتى الدستور المقترح يتحدث عن ليبيا جزء من “العالم العربي” وهو كيان هلامي جغرافيا ولا يوجد في علم السياسة أو الإقتصاد هذا المسمى، وبدلا أن نعلم أبنائنا بطولات الرموز الوطنية (وما أكثرها) وحب تراب الوطن وتاريخه وحتى الصلاة على طريقة المذاهب العريقة في ليبيا نعلمهم شخصيات مستوردة مثل عنترة وفاتح السند والظاهر بيبرس وصلاح الدين، ونرى صغار السن يشمرون عن سيقانهم، ويفرجون بين أرجلهم ويغوصون في جلابيب من ثقافة مستوردة وافدة، ناهيك عن القبض وطرد الشياطين بسبابة اليد اليمنى وهذه لا توجد في أدبيات المذهب المالكي.  الأمر المحزن أن المشارقة لا يعتبرون شمال أفريقيا عربياً ويتجلى ذلك في العديد من ردات الفعل، منها خصام مصر مع الجزائر وتونس والمغرب وأخيرا ليبيا لسنوات عديدة منذ أيام عبدالناصر وحتى الآن. والنظرة الدونية للمشارقة نحو المغاربة، فلن تجد مثلا أسماء أعلام شمال أفريقيا لتسمية شوارع أو مساجد أو مدارس المشارقة، بل لا يعرف المشارقة عن الشمال الأفريقي إلا النذر اليسير، فمن لا يجعل لنفسه قيمة لا يتوقع أن ينتبه له الأخرون.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا