الثورة الجزائرية إلى أين؟ - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

تعتبر انتفاضة الشعب الجزائري هي الأحدث في سلسلة انتفاضات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي كسابقاتها تنادي بالحرية وبناء الدولة المدنية، دولة المؤسسات، بعد تغيير المنظومة الحالية، وأنها ثورة شعبية ليس لها رأس مدبر ولا نخبة تقودها، ولا معارضة قوية أو مجلس نيابي منظم تستنير به.

نعم الجزائر ليست مصر ولا سوريا ولا تونس أو ليبيا، دولة لها خصوصيتها ولها ظروفها التي ستفضي إلى مآلاتها، رغم ذلك فقواسم مشتركة كثيرة بين تلك الثورات أهمها رغبة الشعب في الحرية والإنعتاق من حكم العسكر وبطانته الفاسدة، بتغيير النظام إلى الدولة المدنية والحكم الرشيد، ولها قواسم كثيرة مع الثورة الليبية؛ منها نظام حكم الفردي عسكري، واقتصاد ريعي، وتكوين سكاني مشابه وشخصية سكانية تواقة للحرية عنيدة ومحاربة بسبب المقاومة الطويلة للأستعمار، بل أن انتفاضات كثيرة مشابهة مثل إنتفاضة أكتوبر 1988م وانتفاضات وارجلة وتيزي وزو في السنوات الخيرة.

لقد تأخر ربيع الجزائر بسبب إكتواء الشعب بعشرية الجمر التي إستعملها النظام كبعبع يخيف بها كل من يتحدث عن تغيير النظام، إلا أن هبة 22 فبراير الماضي قد نزعت برقع الخوف وأُزيل ران الإحتقار والدونية عن قلوب الملايين من الجزائريين، بدأءت كرة الثلج تتعاظم، فمن إلغاء العهدة الخامسة للرئيس إلى إلغاء منظومة الرئيس؛ إلغاء حكومته وبرلمانه وتشتيث حزبه وإسقاط نظامه العسكري المقيت.

الخصوصية الأبرز لنظام الحكم في الجزائر أنه يتوزع بين ثلاثة أدرع؛ الرئيس ذو السلطات الواسعة، الجيش ذو المزايا والمهايا وهو المشرعن لنظام الحكم والذي يستخدم البرلمان الصورى إلى حد كبير، ثم طبقة رجال الأعمال وهي عبارة عن مجموعة عائلات متنفذه تملك الشركات والعقود وإستثمارات الدولة ومعظمهم من الجنرالات المتقاعدين وأعضاء الجبهة الوطنية أو من لهم صلة وثيقة بأجهزة السلطة.  

اليوم، مع عجز الرئيس، ورفض بقاءة شعبيا لا يمانع الجيش ولا المتنفذين من رجال المال أو الدول الإقليمية والكبرى من أصحاب المصالح من إستبداله وكفى، ولكن هناك الكثير من العقبات تحول دون تغيير النظام، فالقوى السابقة جميعاً تخاف على مكتسباتها مما يجعلها تنتقل من صف المراقبة إلى التدخل السافر في شئون الدولة الجزائرية، مما قد يساعد على عسكرة الثورة التي حافظت على سلميتها إلى الآن .  

مستقبل الإنتفاضة الجزائرية يكتنفه الكثير من الغموض، فمثلا قوى الجيش الشعبي الوطني لن تغير من جلدها لتصبح جسرا لبناء دولة المؤسسات وهي المشرعن لكل سياسات الرئاسة السابقة، أما العائلات المتنفذه ماليا في شئون الدولة فبقائها رهينة ببقاء النظام الحالي، ومن شدة خوفها بدات في تحويل أصولها إلى الخارج. أخيراً الدول الإقليمية والخليجية على وجه الخصوص والتي ألت على نفسها كبث أنفاس أي تغيير ديموقراطي سلمي في المنطقة، هذه الدول ستستعمل دعمها اللأمحدود لعملائها من أجل خلط الإوراق؛ منها إحياء دعوات (الخمسينات) لإنفصال الجنوب عن الشمال والتي تصدى لها الشيخ بيوض بن عمر، ومنها تغذية النعرات الإثنية كأن تناصر محمد مدين (الجنرال توفيق) لإتخاذ السطيف مقراً لمنازعة الدولة في السلطة (مع وجود دعم دولي)، إضافة إلى دعم القوميين والسلفيين أصحاب الأيديولوجيات الإقصائية لزعزعة أمن البلاد وتمزيق النسيج الإجتماعي كما في ليبيا وسوريا واليمن.

ما ينذر من تفاقم الوضع أن النظام يسقوي بالخارج منذ الوهلة الأولي، ولا عجب أن يكون هناك أصحاب مصالح داخلية وأهل ضغائن مكبوته تجد لها فرصة سانحة لجلب التنافس الإقليمي والدولي إلى الساحة الجزائرية،  وهذا يجعل المسئولية كبيرة على المثقفين والنشطاء والمناظلين لقيادة هذا الحراك إلى بر الأمان، و أن الإنتقال السلمي لمنظومة الحكم في الجزائر على درجة كبيرة من الأهمية والتي تجعل من منظومة الجيش بؤرة إهتمام خلال الفترة القادمة.    



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا