الجزائر، هل تجتاز ربيعها الثوري المتأخر بنجاح؟! - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

تعيش الجزائر هذه الأيام اجواء متوترة، فمنذ بدء التظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير، والتي انطلقت يوم 22 فبراير واستمرت تتجدد مع نهاية كل اسبوع، لا يزال الوضع فيها غير مستقر، وينذر بمزيد الإضطرابات، فبالرغم من عدول الرئيس الجزائري بوتفليقة عن ترشحه لعهدة خامسة، استجابة لمطالب الشعب وتأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في 18 ابريل القادم، الا أن المظاهرات مازالت مستمرة، وأتسع نطاقها لتشمل فئات كثيرة من الشعب، ولقد تطورت المطالب من مجرد عدول الرئيس عن الترشح لولاية خامسة الى مطالب بتغيير شامل في الحكومة الجزائرية وانهاء حقبة النظام بأكملها.

المتتبع للشأن الجزائري هذه الأيام  يرى أن الجزائر قادمة على تغيير كبير، سلميا او عنفيا حسب تطور الأحداث، فأحداث التظاهرات السابقة والحالية توضح مدى اصرار المتظاهرين على الاستمرار في انتفاضتهم الى ابعد الحدود، واذا اتخذ المتظاهرون شعار التغيير  ورحيل النظام الحالي كاملا وبكل عناصره ورموزه، فإن ذلك يدل على عمق الأزمة الجزائرية وتطور مراحلها في اتجاه التصعيد، وقد نجد اذا استمر هذا التصعيد بنفس الوتيرة محاولات اقليمية ودولية تستثمر الأوضاع، وتحاول أن تنشيء قنوات تواصل مع المتظاهرين خدمة لأغراض اقليمية او دولية، وهنا ستنتقل الأحداث الى منعرج قد تشتد خطورته مع الزمن.

فهل يا ترى سينجح الجزائريون في اجتياز هذا المنعطف الخطير الذي تمر به بلدهم؟! أم انهم يستسلمون لللأمر الواقع، وبالتالي يسمحون للقوى الداخلية والخارجية المتربصة بالدخول على الخط وتوجيهه، الى مسارات قد لا تخدم مصلحة الشعب الجزائري، كما حدث لإنتفاضات ما سمي بالربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وعندئذ قد يفقد الجزائريون السيطرة الفعلية على الوضع، وتنفلت الأمور ويفتح الباب للفوضى أن تسود، فيسيطر الغوغائيون والطوباويون واصحاب الإجندات على المشهد، امام تواري وتقهقر الجموع المنتفضة، ليجدوا انفسهم في وضع خطير قد يسبب للجزائر الكثير من المعاناة، وخاصة اذا ما نظرنا الى الوضع الإقتصادي الحرج الذي تعانيه الجزائر منذ سنوات، والذي تتعمق ازمته مطلع كل يوم جديد.

ولا يفوتنا هنا أن نشير الى أن الجزائر قد شهدت عشرية سوداء، امتدت من 1989 الى 1999 حين تمكن المتطرفون الاسلاميون من النجاح في الانتخابات، اثناء حكم الرئيس الشاذلي بن جديد، وما تبع ذلك من تدخل للجيش مما أنشأ مواجهات دموية مسلحة راح ضحيتها الكثير من الجزائريين، الذي خاض حربا ضروسا مع المتطرفين الاسلاميين أمتدت زهاء عقد كامل من الزمان، وفي نهاية الأمر استطاعت القوات المسلحة الجزائرية ان تعيد فرض سيطرتها الأمنية على عموم البلد، وأعادت بذلك للجزائر أمنها وإستقرارها، لكن تلك الجماعات الاسلامية المتطرفة والتي اجبرت على الخضوع وترك العنف بقوة السلاح لا يمكن لها الا أن تستثمر احداث اليوم ولو تخفت الآن تحت ستار الشعب والحراك السلمي فهي متحفزة ولا شك للقفز على الأحداث حالما وجدت الجو مناسبا لها، ولعلها ستكون قد استفادت فعليا من تجربة العشرية الدموية السابقة وتهيأت لما هو آت.

ليس أمام الجزائر اليوم من خيار إلا الركون الى تقدير المصلحة العامة وتغليبها عن كل ما عداها وهو هنا لا يعني إلا أن تتخذ السلطات الحالية خطوات جوهرية ومصيرية في تاريخ الجزائر بما يتوافق مع تلبية مطالب الشعب الجزائري في التغيير بطريقة سلمية سلسة تحول دون وقوع الإنفجار، إن ذلك ولا شك لن يكون أدنى من أن تتخذ السلطات الحالية وفي وجود رمزية ابوتفليقة خطوات جريئة لمعالجة الموقف وذلك بالإعلان عن خارطة طريق واضحة المعالم ومحددة التوقيتات ومنها أن يتم تحديد موعد الإنتخابات الرئاسية في مدة وجيزة وأن يتم استبعاد كل رموز النظام الحالي من المناصب اثناء فترة الإنتقال حتى تتوفر ضمانات قبول الشعب الجزائري لذلك وتفادي أية مواجهات عنفية بين السلطة والجماهير. فهل ستجتاز الجزائر ربيعها الثوري المتأخر بنجاح وتستفاد من دروس انتفاضات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا؟ أم أنها ستقتفي أثرهم وتكرر ما أصاب ليبيا وسوريا واليمن.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا