الجمهوريات القزمية ومواثيق الموائد - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

 

 

في الأسبوعين الماضيين راج الحديث عن (المصالحة) وحازت فعالياته بتغطية منقطعة النظير، لم تكن الإجتماعات للهيئة الوطنية للمصالحة ولم تكن لتفعيل قانون العدالة الإنتقالية رقم 29 لسنة 2013 م، ولم تكن الإجتماعات لرفع الغطاء الإجتماعي عن الخارجين عن لقانون، ولكن كانت إجتماعات موائد بين رفاق تنادوا كثيرا على موائد مختلفة في شتى ربوع ليبيا، بداية من مؤتمر المصالحة بالزاوية سنة 2011 إلى إجتماع ترهونة الأخير، مرورا بسبها وغريان وبنغازي ونالوت والطويلة وتيجي وحتى القاهرة وتونس وروما والدوحة، ولم تفك هذه الموائد عقد وإشكاليات التوافق الليبي.

كانت المصالحة بين الزنتان ومصراته وهما لا حدود جغرافية ولا أراضي متاخمة بينهما ولا تعاون إقتصادي بينهما، وحتى النزاع دار رحاه في طرابلس والتي تبعد عن كلتا المدينتين قرابة المئتين من الكيلومترات، تلا ذلك إجتماع ترهونة بين المدن الثلاث، والخروج ببيان المصالحة والحوار الليبي الليبي، وكأننا نعود مئة سنة إلى إجتماع أحمد المريض ورمضان السويحلى وعلى الشنطة، وقد ينتقل الإجتماع إلى غريان لإضافة الأخوين كعبار إليهما مع الحاج فكيني، ونعود إلى أجواء القانون الأساسي، وتوازن الحرب بدعم الإيطاليين لكل المتقاتلين.

أصحاب القبعات البيضاء لم يصلوا إلى أي نتائج قديما ولا حديثا، لم يتم لم الشمل كما يأملون ولا إلى إخماد الفتن ولا إلى نزع الغطاء الإجتماعي عن وكلائهم، وذلك أنهم لا سلطة لهم على موكليهم، وأن حضورهم يعد شرعنة لإستمرار التشظي الوطني وتكريس منظومة الجمهوريات القزمية.

نعم ليبيا أصبحت مجموعة جمهوريات قزمية لكل منها حدودها الإدارية ومجلسها العسكري وقواتها المسلحة المدججة بالأسلحة الثقيلة (داخل المدن)، وإتفاقيات تعاون خارجية، ولها ناشطون ذوي ألسنة غلاظ شداد لجلب المنافع، ولها كتبتها ومحدثيها يجوبون الفضائيات ومواقع الإنترنت والفسبوك للدود عن حياضها، وأخيرا لها قبعات بيضاء توصف بالحكمة لتبرير كل ذلك وأكثر.

على مقربة من الإجتماعين هناك مجموعات بشرية من تاورغاء، نساء وأطفال في العراء في الصحراء الجرداء، تمن عليهم المنظمات الدولية بقطع خبز أو شربة ماء، لا لشئ إلا لآنهم ممن إستوطن متأخراً، أصحاب بشرة سمراء، لم يقف أحداً من تلك القبعات لنصرتهم، أو دفع الضرر عنهم، من القلة القليلة الممانعة لرجوعهم إلى بيوتهم.

لم تستطيع القبعات البيضاء التي تشرعن للجمهوريات القزمية توجيه جيوشها لفك الحصار عن حقل الفيل الذي توقف إنتاجه من عدة أشهر وتقدر خسائره بنصف مليار حتى الآن، ونحن على يقين أن سرية صغيرة تستطيع تأمين ذلك الحقل كما كان تأمين حقل الشرارة من القوة الثالثة، ناهيك عن تأمين الحدود ومنها تأمين الجنوب وهذا هو مجال عمل القوات المسلحة وليس القيام بتنظيم حركة المرور داخل المدن.

الميثاق الوطني؛ كُنت ربما من الأوائل الذين دعوا إلى إصدار ميثاق وطني يهدف إلى إرساء قواعد يتفق عليها جميع أفراد الشعب الليبى من أجل بناء الدولة الحديثة وهناك أكثر من ثمانية عشرة مادة من 32 تسمى المبائ الحاكمة لقيام الدولة الحديثة،  منها المواطنة، والحكم الرشيد، وإحتكار الدولة للسلاح،  ونزع الغطاء عن الخارجين عن القانون المعرقلين لبرامج الدولة، وتمثيل الحكومة لكل الليبين، وكشف الإنهاكات والتعويض العادل، وبناء المؤسسات على أسس العدالة وإنتهاج الديموقراطية منهجا للحكم والتبادل السلمي للسلطة وغيرها. للأسف نجد الإجتماعات الأخيرة وما قبلها بدلا أن تحيي قانون العدالة الإنتقالية والهيئة الوطنية للمصالحة وتتبنى ميثاق وطني لكل الليبيين ذهبت إلى الإتفاقات الجهوية والقبلية التي عفاء عنها الزمن ولن يكتب لها النجاح.

في الجزائر بعد العشرية الدموية صدر قانون الوئام المدني (المنحاز للسلطة) الصادر في 13 يوليو 1999م والذي تم تعديله تحت إسم “ميثاق السلم والمصالحة” وتم الإستفتاء عليه في 16 سبتمبر من نفس السنة حيث نال على موافقة تجاوزت 97% من الشعب، ومن ذلك تم الإتفاق على أسس التعايش وبناء الدولة الجزائرية وتوقف معه العنف.

نظام الجمهوريات القزمية تبنته وشجعته بجدارة السلطات الإيطالية في سنة 1919م، وأستطاعت بث الفتنة بين الزعامات في حروب لا نهاية لها أضحت بهم بين مغدور ومقتول ومشرد وطريد، فهل المخطط الحالي لصناعة هكذا كانتونات ودعمها لأجل إطالة عمر التشطي والفوضى متلازمة محلية أم مكائد خارجية نسجت لتتقمصها الزعامات القائمة على المشهد الليبي؟ وخاصة أن الكثير من المصادر تتحدث عن أن الدول الإقليمية ومن ورائها دول عظمى تدعم أطراف ليبية كثيرة متخاصمة لدعم الجمهوريات القزمية وإفشال المشروع الوطني.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا