الحاجة لإسلام حاضن لا إسلام إقصائي نخبوي طارد - عين ليبيا
من إعداد: صالح الوشيش
تغلب على الأطياف الاسلامية المتواجدة على الساحة الليبية اليوم سمات هدم قارة أكثرها غلوا وخطرا تسفيه وتخوين بل وحتى تكفير بعضها البعض. الأمر الذي دفع عموم الناس لنبذ هذه الجماعات واحدة تلو الأخرى وتبرئة الاسلام منها.
قال لي بعض الشباب المتحمسين للإسلام ذات يوم وقد دار بيني وبينهم نقاش ودي عابر عن حال الإسلام والمسلمين، ما رأيك في الشيعة؟ فقلت لهم إن كنتم تقصدون تكفيرهم فأنا أرى أنهم مسلمون وأرى أنهم يعانون من كثير مما نعاني منه نحن السنة. قالوا لي: هل تعلم أن من لم يكفر الشيعة فهو كافر؟ قلت لهم أنتم تكفرونني للتو وأنا بعدي جالس إلى جواركم. قالوا لي: اسمع معنا شيخ من تونس سندعوه ليبيّن لك هذا الأمر.
وبالفعل أحضروا لي الشيخ الذي أجلسوه أمامي. قلت له بعد أن رحبت به، سأسألك سؤالا يتحدد على ضوئه استمرار الحديث بيننا من عدمه. قال تفضل. قلت له لابد وأنك ملم بالسياق التاريخي للصحوة الاسلامية في البلاد العربية لاسيما بلدك تونس. قال انشاء الله. قلت له ما رأيك في كل من راشد الغنوشي وعبدالفتاح مورو؟ قال لي في إيجاز: وثنان. قلت له متعجبا هل هما كذلك؟ قال: نعم لا فرق بينهما وبين هبل. قلت له شاكرا قد اكتفيت بالحوار معك. فقال لي متعصبا أنا أتمنى أن يقوم العسكر في مصر وكان الإخوان حينها يتظاهرون في رابعة بجز رؤوس الإخوان رأسا رأسا.
استفزني ذلك فسألته على الفور لماذا؟ قال: لأنهم يرفعون شعار الطاغوت – الديمقراطية. الإخوان الذين كان عموم الناس في أغلب الأقطار العربية وفي مقدمتها مصر يكبرونهم ويتوسمون فيهم الخير صار الناس يقولون فيهم ما قال مالك في الخمر. أنصار الشريعة يصفونهم بالأوثان. والسلفيون لا شغل لهم إلا شتمهم والدعاء عليهم بالهلاك والثبور من فوق المنابر. لقد بات الاخوان الذين قارعوا الأنظمة الاستبدادية مستبدين وصار الذين سلخوا سنين عمرهم في سجون الطغاة طغاة.
ترى هل أصبح الضحية جلادا أم أن الأمر لا يخلو من مبالغة ومغالطة في آن. على الإخوان أن يعيدوا النظر في كثير من المفاهيم والسلوكيات التي باتت تقف حائلا بينهم وبين الناس وليبدؤوا بالاحتراف بحالة الرفض المجتمعي التي باتوا يعيشونها في سائر المجتمعات العربية وأرجوا أن لا يمنعهم إحساسهم العميق المبالغ فيه بالتميز والنخبوية من رؤية الحقيقة فيذهبون للبحث عن تبريرات وتفسيرات وهمية يعزون الحالة فيها كسابق عهدهم لقصور فهم المجتمعات من جهة والحملات الاعلامية المغرضة التي يتعرضون لها من جهة ثانية.
صحيح أن الإعلام أصبحت له اليد الطولى في تظليل الرأي العام لكن الناس تعلموا خبرة تأويل الخبر الموجه ونمى لديهم حس إعلامي كاف للتعامل مع لغويات وخطاب السلطة الناعمة. الناس يعرفون أن الاعلام يبالغ في تخوين وتشويه الإخوان لكن الناس موقنون في نفس الوقت بنهج الإقصاء الذي يسلكه الإخوان.
على الإخوان أن يمعنوا النظر في الخلط القائم عندهم بين مفهوم الالتزام والامتثال وأن يترفعوا عن سوقية الخطاب التظاهري وشخصنة الشعارات التي يصيحون بها في الميادين والساحات فهم أحوج الجماعات لتعليم منتسبي الجماعة التفكير بصوت هادئ. الإخوان محتاجون لإقامة علاقة حميمة مع مفردة “المشاركة”. المشاركة التي يقتضيها مفهوم الوطن. المشاركة التي يقتضيها مفهوم المحاصصة الحزبية. المشاركة التي يقتضيها مفهوم الاختلاف، أقصد قبول الآخر واحترام أراءه لاسيما المخالفة لآرائك.. المشاركة التي يقتضيها تفهم السياقات المعرفية لأفكار وآراء الغير ومحاولة قراءتها وتفسيرها ضمن هذه السياقات.
كنت ذات مرة استمعت للشيخ ونيس المبروك في لقاء متلفز حول الأحداث السياسية في ليبيا صرح فيه بوطنية السيد محمود شمام لكنه أصر على القول بأنه يجد أنصار الشريعة أقرب إليه من السيد شمام مغلباً صوت الايديولوجيا على صوت الوطن الذي يرفضه ويكفره الأنصار أصلا. هذه الحدة في الانتصار للأيديولوجيا من قبل الإخوان الذين يمارسون السياسة ويمثلون حزباً يسعى لحكم البلاد وإدارة دفته تبقى في نظري غير منطقية وغير متساوقة مع الممارسة السياسية.
لازالت الفرصة سانحة أمام الإخوان للعب دور إيجابي في إنقاذ الوطن مما هو فيه وإعادة بناءه وفقاً لمفاهيم الديمقراطية والعمل الحزبي السياسي والتأسيس لنظام مدني يترجم تطلع الليبيين للحرية والعدالة والمساواة وفق مفاهيم ومعايير الإسلام السمحة. لازالت الفرصة سانحة أمام الاخوان للعودة للحاضنة الشعبية. نأمل أن يقوم الإخوان بمراجعات في البنية العميقة للتنظيم تستحضر الفرق بين سياق تكوين الجماعة وسياق اللحظة الراهنة من ناحية وتستفيد من فن وعلم الخطابة المعاصر في تطوير ألفباء خطابها السياسي المثقل بالأيديولوجيا والاصطفاف الأعمى.
على الإخوان في ليبيا أن يتعلموا من الإخوان في تونس سرعة استيعاب وتشرب درس الشراكة الوطنية تشربا حقيقيا لا مداهنة أو مواربة. لقد تغيرت أدبيات خطاب الإخوان في تونس على لسان قادتها من أدبيات مواجهة إلى أدبيات بناء ومشاركة فاعلة تنحاز للوطن على حساب الايديولوجيا دون التخلي عن برنامجها ومشروعها الفكري العام.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا