الحرب الروسية الأوكرانية بين التهدئة والتصعيد - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

بعد مضي حوالي 7 اشهر على الغزو الروسي، ونشوب الحرب في أوكرانيا، بدأت تتوضّح الكثير من معالم هذه الحرب التي يحق لنا أن نسميها “عالمية الأثر” من حيث الأثر الذي أحدثته على مستوى العالم، سواء من الناحية العسكرية متمثلة في التحالفات الدولية التي نشأت عنها حيث تحالفت دول الناتو مع أوكرانيا وقدمت لها المساعدات العسكرية بسخاء كبير، ومن الناحية الاقتصادية حيث تأثر العالم بأسره من تداعياتها منعكسا ذلك في زيادة أسعار السلع الغذائية وعلى رأسها القمح والحبوب كون أوكرانيا وروسيا تستحوذان على تجارة الحبوب العالمية.

لقد كانت روسيا تسمي حملتها على أوكرانيا بأنها مجرد عملية خاصة، تستهدف إجبار سلطات كييف على الرضوخ لها والتفاوض معها بما يحقق مصالحها الأمنية، لكن الأحداث أوضحت أن خطة بوتين التي كانت تستهدف تغيير النظام الأكراني بالقوة قد فشلت نتيجة لسوء التقدير، عندما واجهت القوات الروسية دفاعات أوكرانية مستحكمة، خاصة بعد وصول التعزيزات الأمريكية والغربية السخيّة، فقد  ظهر واضحا التفوق النوعي لدى قوات الجيش الأوكراني مما جعل بوتين يسحب قواته التي زجّ بها في العمق الأوكراني خلال شهر واحد من بدء العملية، ليكتفي فقط بالمناطق المتاخمة للحدود الروسية في أربعة أقاليم تمكنت القوات الروسية من فرض سيطرتها التامة عليها.

إن التفوق العسكري النوعي بفعل التدخل المباشر من أمريكا وحلف الناتو، هو الذي مكّن الجيش الأوكراني من استعادة مجموعة من المناطق، كانت تحت السيطرة الروسية لعدة شهور، ما أدى إلى انسحاب القوات الروسية وإعادة تمركزها خلف خطوطها القتالية السابقة، ونتيجة لهذه الأحداث لجأ الرئيس بوتين الى اعلان التعبئة الجزئية كما سماها في الجيش الروسي، في إشارة واضحة إلى حجم الضربات التي تلقاها جيشه في أوكرانيا، وما نجم عنها من خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وترافق مع ذلك إجراء استفتاء عن ضم أربعة أقاليم متاخمة للدولة الروسية وهو ما تم فعلا.

من خلال هذه الأحداث المتوالية يمكن القول، أنه بعد أن كانت نتيجة الاستفتاء في الأقاليم الأربعة لصالح الانضمام لروسيا حسب ما اعلن عنه‘ فإن بوتين يبدو ربما يكون مقدما على إجراء آخر، وهو الإعلان من طرف واحد على انهاء العملية العسكرية “الخاصة”، وتوقف العمليات الحربية من جانب روسيا، في انتظار رد الفعل من الطرف الأوكراني على ذلك والذي يحتمل أمرين اثنين، إما توقف العمليات العسكرية وهدنة، وإما الاستمرار في الحرب وازدياد ضراوتها.

ففي حال تجاوب أوكرانيا وإعلانها توقف عملياتها العسكرية، فإن باب المفاوضات سيكون مشرعا، وسيحاول كل طرف إعداد قائمة شروطه ومطالبه حسب ما يراه، وستلعب تركيا في ذلك دورا بارزا كونها ذات سابقة في هذا الأمر، ولها قبول من الطرفين، أما في حال رفض أوكرانيا للهدنة الروسية، وإصرارها على الاستمرار في عملياتها العسكرية حتى تحرير كل أراضيها، فإن الأمور ستزداد تعقيدا وسيفرض ذلك على روسيا تغيير خططها الحربية، للتحول من عملية خاصة هجومية الى عملية حرب شاملة دفاعية.

إن استمرار الحرب في أوكرانيا بعد ذلك يعني تصعيدا خطيرا، حيث أن روسيا ستعتبر الحرب دفاعا عن الأراضي الروسية ما يعني أن استهدافاتها العسكرية ستتوسع في أوكرانيا إلى ما بعد كييف، وفي المقابل أوكرانيا قد تستخدم أسلحة تطال العمق الروسي،  وهذا الأمر بالطبع يخشى أن يمدد رقعة الحرب لتشمل دول أخرى محيطة، ما يعني أن احتمالية تحول الحرب إلى حرب عالمية تبدو قائمة وقوية، وعندئذ ستظهر اصطفافات دولية واضحة مع هذا الطرف أو ذاك مما يوسع جغرافيا الحرب ويمدد في عمرها ويشتد سعيرها.

إن أخطر ما يواجه البشرية في حالة تحوّل هذه الحرب إلى “عالمية” هو احتمالية استخدامات الأسلحة النووية، والتي ستكون نتائجها كارثية على البشر والحياة، فمن غير المستبعد أن تلجأ كل من روسيا وأوكرانيا وحلفائها لاستخدام السلاح النووي لإحداث ثغرات هجومية في الطرف الآخر، فإنه على الأرجح سيكون محدودا وموجها، وقد يكون ذلك على هيئة سيناريو “تسونامي” من خلال تفجيرات نووية شديدة قبالة سواحل الدول المتحاربة عوضا عن تفجيرات نووية مباشرة على الأرض.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا