الحرية والعين بالعين - عين ليبيا

من إعداد: صالح بن عبدالله السليمان

هل أخطأنا الطريق إلى الكرامة ؟ هل أخطأنا في استعمال الحرية؟
هذان السؤالان مازالا يلحان عليّ وأنا اسمع ما يحدث من شباب بعض الدول في الخارج وفي الداخل . ويذكرانني بنكته ظهرت في مصر الكنانة في أوائل ثورة 25 يناير , وتقول , “إن الشعب خد حريته بس ماخدش الكتالوج و قاعد يدوس على كل الزراير”
وعلقت على ما يحدث من فوضى , فقلت:- الحرية فكرة رائعة و حق من حقوق الإنسان , ولكن كثيرا ما نخطئ في آلية تنفيذها , فتتحول إلى فوضى..

الطريق للحرية والكرامة لا يكون إلا بالعمل , بالعمل الجاد المخلص , وبالإنتاج , فلقد صدق من قال ” لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع” وأظنها كانت للمهاتما غاندي .
طريق الكرامة ينبع من الإنتاج والعمل المخلص , ولا يأتي بالصراخ وسب الآخرين وانتقاص كرامتهم .
أقول هذا بعد أن رأيت وسمعت ما يحدث في مصر الكنانة من تهجم على سفارة دولة عربية , وما لحق هذا من وصلة ردح بين الشباب العربي , سب وشتم وقذف بمختلف الأسلحة اللفظية , والصور .. أهكذا نكون قد حصلنا على الكرامة ؟ أبهذا نكون استخدمنا الحرية التي ثار من أجلها الشعب؟
استخدام الحرية غير المنضبط يؤدي إلى شلل الأمة , وخسارتها . .. بل ويؤدي إلى فقدانها , وفقدان الكرامة معها,
نحن بحاجة لمعرفة آلية استخدام الحرية وضوابطها,
تذكرت ما كان يحدث في ميدان التحرير أيام الثورة , وتلك الحرية المنضبطة , وذلك الاعتزاز بكرامة المصري ,حينها كان يجاهد ويمارس حريته , وفي نفس الوقت كان يحترم كل من حوله , مما أكسب ثوار ميدان التحرير احترام العالم كله.
أين هؤلاء ؟ أين القيم التي ظهرت في ميدان التحرير؟

قضية الجيزاوي , بغض النظر عن كل ما قيل فيها . كان يمكن معالجتها دون الحاجة إلى كل ما قيل , ويقال من سب وشتم , كان يمكن التعامل معها دون أن يخسر جزء من شعب مصر الكنانة جزءا من شعب الخليج العربي والعكس , فمن سب دولة يجب أن يتوقع انه سيجد في الطرف الآخر من يسب دولته , فلا يتوقع أن يسمع احد السب ولا يرد . ولهذا منعنا الله من سب آلهة الكفار , بقوله تعالى { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }

التصعيد الرهيب الذي حدث ينذر بعواقب وخيمة , أولها سحب السفير السعودي من مصر . ويجب أن تتوقف عند هذا الحد , فكرامة مصر أو كرامة السعودية لن تنال بالسب والشتم والهجوم على السفارات , بل بالاحترام المتبادل,
كم كنت أحب أن يقتصر اعتصام الأخوة الذين اعترضوا على إلقاء القبض على احمد الجيزاوي حضاريا , يعكس حضارة وثقافة شعب مصر الأصيل , كما عكسه ميدان التحرير.
كم كنت أحب أن يؤلف وفد من المعتصمين لقابلة السفير , وزيارة السجين , وتقصى الحقائق.
كم كنت أحب أن يعطي شباب مصر صورة مشرقة لاستخدام الحرية , ليس فيها وصلات ردح وسب وشتم.
كم كنت أحب أن يكونوا مثال يحتذى به.

ستظهر بين فينة وأخرى مشاكل بين الدول العربية , فهل سنعاملها بنفس الطريقة؟

كنا سابقا نلوم الحكام , ونلوم القائمين على أمور الدول العربية في أنهم سبب للخلافات والافتراق والتشتت , وكنا نسمي جامعة الدول العربية ” نادي الحكام العرب ” وننفي صلته بالشعوب العربية . ولكن ما حدث ويحدث الآن يجعلنا نعيد التفكير , فربما كان العيب فينا نحن , نحن الشعوب.

أطلق على الثورات العربية أسماء خاصة بي , وكان أسم ثورة مصر ” ثورة الدموع ” لأني كنت لا أتوقف عن ذرفها , حينا سعادة بما ينجزونه على الميدان من أخلاق , وما ينجزونه على الساحة السياسية من انتصارات , كانوا خير مثال للنضج العربي . للأخلاق العربية .وحينا حزنا على شهيد وقع أو جرح أصيب , أو اسمع بمن يتآمر على الثوار . فماذا حدث؟

هل كرامة مصر هي في إهانة غيرها ؟ ولا أقول ألا بئس السبيل لنيل الكرامة باهانة غيري . والله لهو الطريق الخطأ , ولن يؤدي إلا إلى مزيد من انهيار الكرامة.
طريق الكرامة هي باحترام الغير . وبوضع قواعد للتعامل مع الغير . قواعد لا تحتوى على قاموس الشتم و الإهانة , بل على قواعد وضعها شعب مصر في ميدان التحرير.
وهذا ليس لمصر فقط , بل ولجميع الشعوب العربية , يجب أن تكون هنالك ضوابط للحرية , ضوابط تجعلنا لا نهين الآخرين ,فللآخرين قدرة على أهانتنا,

إن مبدأ العين بالعين يجعل العالم بأكمله أعمى , إذا طبق بين الشعوب . وقد يقول قائل إن مبدأ العين بالعين ذكر في القرآن الكريم , فأقول له , بين الأفراد وحقوقهم وليس بين الشعوب , فكل نفس بما كسبت رهينة.

وعلى طريق الحرية والكرامة نلتقي.
صالح بن عبدالله السليمان



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا