الحكومة والتأسيس لمستقبل المصالحة مع المواطن/ة - عين ليبيا

من إعداد: أ.د. فتحي أبوزخار

مع تسلل ملامح الأزمة السياسية الليبية في 2013 وظهورها في 2014 كان قد شرع مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية في قراءة متأنية وتشخيص معمق للأزمة الليبية أتضح من خلالها أهمية أن يواكب الحراك السياسي، وعلى التوازي، حوار مجتمعي. فأطلق المركز، وبالشراكة مع منظمة فردريش أبرت الألمانية ، مشروع الحوار المجتمعي بهدف ايجاد مفاهيم وقواسم مشتركة تجمع الليبيين/ات وتسهل عليهم بلورة رؤية جامعة لمستقبل ليبيا. مع عقد العديد من اللقاءات بمختلف مناطق ليبيا إلا أنه كانت الانطلاقة جامعة في نوفمبر 2014 بتونس لتضمن حضور مختلف المناطق، وبدن استثناء، الممثلة لجميع خيوط النسيج الوطني الليبي. وتلاها لقاءات أخرى بالداخل والخارج، شاركت في بعضها حتى المجموعات المسلحة لضمان حضور الجميع في تلك اللقاءات الحوارية الجامعة، التي تأسس لمستقبل المصالحة في ليبيا.

نحج النظام السابق في شق الصف الليبي وبث الفرقة والكراهية بين أبنائه وبناته فغابت الثقة وظلت مفقودة إلى ما بعد 2011 ، بل أذكتها الحرب الأهلية، لذلك يظل الحوار الوسيلة الأفضل لفك خيوط الأزمة المتشابكة في ليبيا سياسية كانت، أو اقتصادية ، أو اجتماعية. وسيستمر الحوار داعما لجميع المراحل الانتقالية وصولاً إلى مرحلة البناء وإلى ما بعد الاستقرار.

بالحوار نصل لحكومة أزمة:

الحوار يعمل على عدة اوجه بشأن مستقبل ليبيا. فالحوار يساعد على الوصول إلى حل سياسي تُقبل فيه حكومة أزمة بمشروع، مدعومة من مؤسسات المجتمع المدني، من قبل جميع الأطراف الليبية: مجلس رئاسي، وبرلمان، ومجلس دولة، وبذلك ستكون أمام الشعب الليبي فرصة للخروج من الأزمة. وبتطبيق الحكومة لبرنامج تنمية اقتصادية يخلق فرص عمل للشباب ويساعد على الاستقرار ويحول العديد من الشباب من العمل مع المجموعات المسلحة إلى العمل المدني سيسهم بصورة مباشرة وعلى التوازي في رسم وتنفيذ سياسية دفاعية وأمنية تستوعب جميع أفراد المجموعات المسلحة.

بالحوار تتم التهيئة للانتخابات:

مع نجاح حكومة الأزمة في توفير الخدمات الأساسية للمواطن/ة وتحقيق الحد الأدنى من الأمن والآمان ستمنح الفرصة لاستكمال مشروع الدستور سواءٌ بالاستفتاء على مسودة الهيئة الدستورية أو الاستفتاء على نسخة جديدة بعد تعيين هيئة دستورية أخرى تتقدم، وضمن مدة محددة، بنسخة منقحة تراعى فيها الملاحظات المثارة والمطروحة للنقاش بعد الوصول إلى توافق بشأنها.

كي لا ننسى!

لم تكن هناك أي مشاكل حقيقية بين المواطنين أو الجماعات والتجمعات الليبية أنما كان الخلاف دائما مع الدولة الليبية. وبالرغم من أنه حرصت حكومة العهد الملكي على تأسيس كادر وظيفي لإدارة مؤسسات الدول فسخرت التعليم لهذا الغرض ونجحت في ذلك إلا أنها أقصت الحياة السياسية بتحريم الأحزاب. ومع الحرص على بناء مؤسسات الدولة سمحت للقطاع الخاص بمزاولة تقريبا جميع أنواع الأنشطة الاقتصادية سواءٌ كانت تشيد وبناء، أو تجارية، أو صناعية، أو زراعية. كذلك غاب النشاط المدني وقيدت الصحافة بقدر فضعفت الشفافية. بل وصل إلى إجرام الدولة حد التقصير في سلامة وامن مواطنيها اليهود بعد أن سلبوا وهجروا دون أن تحرك ساكن.

وجاء انقلاب سبتمبر 1969 وبشريعة الكتاب الأخضر انتهكت حرمات البيوت والأملاك وحُرم العمل الخاص، وجرمت ملكية المصانع والعمل خارج إطار مؤسسات الدولة. بل تجاوز الأمر إلى سن قوانين وتشريعات تسمح بانتهاك حرية التعبير وغياب ابجديات حقوق الإنسان.

بعد 2011 نتيجة للصراع السياسي المفرط وبعلم الدولة جز بالعديد بالسجون وبدون محاكمات، وسمح لدواعش المال والدين بالسمسرة في الظروف الأمنية والمعيشة للشعب الليبي. وخلقت العداوة بين مختلف المناطق والمدن لغرض مكاسب سياسية وضيعة.

بالاستقرار يتم التأسيس للمصالحة!

من واجب حكومة الأزمة أن تؤسس لاستقرار الدولة بتوفير الخدمات وخلق تنمية اقتصادية وزراعية من خلال خلق فرص عمل تستوعب الشباب في مشاريع عمل مدني أو الانضمام في وحدات عسكرية وشرطية رسمية تخدم المصالحة في ليبيا. بالاستقرار تستطيع أن ترصد الحكومة انتهاكات الدولة ضد الشعب الليبي وتشرع في سن قوانين تعمل على أنصاف المظلمين منهم ولو بالاعتراف بالتقصير وجبر الضرر معنويا إذا لم يتسنى لها الجبر المادي.

بالليبي “وريني حقي وكُوله”!

منذ تأسيس دولة ليبيا الحديثة قصرت، وأحيانا أجرمت، جميع الحكومات السابقة وبدرجات متفاوتة ضد الشعب الليبي. صحيح بعض المناطق بالمجتمع الليبي غلب عليها الطابع القبلي وأخرى المدني وبعضها الصحراوي البدوي والأخر شبة البدوي، وهو، أي المجتمع الليبي، متنوعا عرقيا، ولغويا، ومذهبيا، وثقافيا. وهذا التنوع والاختلاف مقبول عند الليبين/ات ولم يكن هناك أي خلاف حقيقي بين أطياف وألوان نسيج المجتمع الليبي. إلا أنه عوضاً أن يكون التنوع والاختلاف قيمة مضافة نجد أن الحكومات السابقة بتوجهاتها السياسية حولتها إلى خصومات وانتهاكات ضد البعض وصلت لدرجة الكراهية وتدمير مدن وتهجير أخرى. من بعد الاستقلال في 1911 ، وحتى قبله، استغل الشعب وارتكبت ضده انتهاكات. فوصلت الكراهية إلى الزحف على أملاك الناس وانتهاك حرماتهم، والشنق في الميادين والتمثيل بالجثث بسبب الانتماءات السياسية، والفكرية، والقبلية أو المذهبية. مارست الحكومات التي توالت بعد 2011 نفس النهج مما يستجدي منهم، ومن خلال الحكومة القادمة، الاعتراف بالانتهاكات التي ارتكبت ضد الشعب الليبي وما أسفر بسببها من حروب أهلية وتهجير وتدمير للبينة التحتية وضغوط نفسية أحدثت شروخ وإضرابات في كثير من الأحيان كانت وجدانية وعقلية.

ما هو المطلوب اليوم؟

مع تصحيح مفهوم المصالحة يطلب من الحكومة اليوم الاعتراف بما ارتكب من انتهاكات ضد الشعب ، واتخاذ حيال ذلك ما يستلزم من إجراءات للمصالحة، والاعتراف بالإعلان رسميا عن الحقوق الضائعة..وذلك أضعف الأيمان! وعلى التوازي يجب التأسيس للإصلاحات الكبرى من خلال بناء هيئات استشارية، تتضمن خبراء، بمختلف قطاعات الدولة تطلق مشاورات بينهم وبين، قطاعيَ الدولة والخاص، وأيضاً المجتمع المدني بهدف دعم الانتقال الديمقراطي، وضمان الحقوق والحريات، وتكافؤ الفرص في التعليم، والعمل، والصحة. وحتى لا تفقد بوصلة الحقوق، والبناء، والاستقرار اتجاهها الصحيح تستمر الهيئات الاستشارية في عملها بمساندة الحكومات المتعاقبة وتقديم المشورة لها.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا