الخارجية الليبية.. عش الدبابير - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

الخارجية الليبية وسفاراتها بالخارج عالم مجهول مغلق، تصرف عليها الدولة أموال طائلة ولكنها لا يرتقي سابقا أو حاليا إلى مستوي العمل الدبلوماسي الذي يتمثل في إرساء روابط تعاون بين الشعوب وتدليل الصعاب وفتح أفاق التنمية والإستثمار بين الدول والمساعدة على تأمين أحتياجات الدولة، ناهيك عن تمثيل الدولة في البلد المضيف والتعبير عن مواقفها والدفاع عن إختيارات شعبها كلما لزم ذلك.

للأسف على مدى عقود طويلة كانت “المكاتب الشعبية” شعبوية إلى حد كبير، فإختيارهم لم يكن يوما لصيقا بالكفاءة والمهنية بل بالولاء والجهوية أو القبلية والشللية، وبذلك أصبحت الكثير من السفارات شلل لمنطقة أو مدينة معينة، بل سفارتين في دولة واحدة كما حدث في مصر وروما و تراشق بين موظفيها، فمثلا سنوات العهد السابق كانت بكين ولشبونة وأثينا وعمان سفرائها من الشرق الليبي، أما باريس ولندن وبون وروما والدار البيضاء للغرب الليبي ونيامي وأنجامينا وكوتونو وأكرا للجنوب الليبي ناهيك عن بعض الدول الخاصة مثل مصر لأحمد قذاف الدم لسنوات عديدة.

ورغم  وجود المعهد الدبلوماسي لقرابة أربعون سنة فإن معظم المبعوثين إلى السفارات لم يطرقوا أبوابه يوما، وأن الكثيرين منهم لا يجيدوا سوى العربية وبمستوى ضعيف وليس لهم مهارات تقنية تُجاري العصر بل أن منهم من ليس له بريد إليكتروني (كما قال كريستوفر وينر عن سياسيوا ليبيا)، بهكذا مستوى من الموظفين والمسئولين تصبح السفارة عشا للدبابير، ليس لمنتسبيها سوى المحافظة على بقائهم لمدة أطول من أجل تحويل مرتباتهم العالية في السوق السوداء وتأمين حياة لهم من رغد العيش بلا فائدة تذكر.

في السابق ربما عدد المسئولين والموظفين في قرابة المئة سفارة محدودا، ولكن إنتشار المحسوبية وإزدهار عدد الحداق وعدم الإلتزام بالقوانين واللوائح النافذة لإختيار العاملين بالسلك الدبلوماسي جعل من السفارات فنادق كبيرة مرفهة؛  فمنهم الملحق العسكري والثقافي و المسئول المالي ومساعديه والإداري ومرافقيه وأخر لشئون الطلبة ومجموعة للقنصلية وأخرين للبريد والتسفير وجماعة إحتياط وهكذا دواليك في دول ليس لليبيا علاقات ثقافية ولا إقتصادية ولا عسكرية ولا أحد يذكرهم سوى عند توزيع الميزانيات بين سفارات القارات، ومن هذه أكثر الدول الأفريقية ودول شرق أسيا وأمريكا الجنوبية.

أحد الموظفين في أمريكا الشمالية في بداية الألفينات يقول أننا في السفارة ليس لنا إلا الذهاب للنوادي أو مشاهدة التلفزيون أو الذهاب إلى بكين لأجل التسوق ولأشهر، حيت أننا لا تري ليبي واحد في تلك الدولة.

ليبيا في سنة 2016 لها قرابة 100 سفارة من بنما وسوتومي إلى الصومال واستراليا، فما الذي سيحدث لو أغلقت ستون سفارة وإدماج عشرون أخرون في خمسة سفارات، إلا توفير الكثير من العملة الصعية التي جل الليبيون في حاجة لها لشراء معدات المستشفيات أو الأدوية أو معدات التشغيل.  ديوان المحاسبة في تقاريره للسنوات 2015 إلى 2018 يكشف الملايين من الدولارات التي تهبت من السفارات، منها ما هو بإسم العلاج أو منح الطلبة أو تحويلات ليست من الميزانية، وتحويلات لا علاقة لها بالسفارات.

المشكلة أن وجود هكذا كم من أنصاف الموظفين من ذوي المرتبات العالية لا فاعلية لهم حتى عندما تحتاج الدولة إلى من يوصل صوتها إلى العالم، فقصف العاصمة بأسلحة ثقيلة والعدوان عليها من مهوس بالسلطة أبكم وعقد ألسنة هؤلاء الموظفين ووزارتهم لينحازو إلى مرتباتهم وليس للدولة خوفا من أن ينجح الإنقلاب فيرمي بهم إلى سابق أعمالهم التي هربوا منها، ولذا لم يدلى أحد منهم أن الدولة الليبية في خطر وأهل العاصمة يقتل أبناتئهم ويوع صغارهم وتهجر عائلاتهم، وأن الرجوع لحكم الدكتاتورية على الأبواب. ولا يخفي على البعض تأمر بعض السفراء على النظام الحالي في ليبيا من أجل قلبه إن إستطاع إلى ذلك سبيلا.

وزير الخارجية له تصريحات مشينة سابقة؛ مفادها أن خليفة حفتر هو القائد العام للجيش والذي أثار حفيظة الكثير من الليبين بأن يكون القائد العام للجيش هو من يكتسح العاصمة بالقواذف وحمم النيران؟  وزير الخارجية إلتزم الصمت وراهن على ركوب القطار المتحرك الرابح، وهو أسلوب بعيد عن المبادئ، فلم نرى له إتصال بالفاعلين الدوليين ولا بدول الجوار المنغمسين في الشأن الليبي بل نرى تمييع عند الإتصال بوزير خارجية الجزائر الغارق في أتون المعارضة أو الإتحاد الأفريقي الذي رفع عنه القلم. ونرى أن وزير الداخلية أكثر جراءة ووضوحا من جميع السفارات وموظفيها.

نأمل من المجلس الرئاسي إختيار شخصية وطنية فاعلة من أجل تمثيل وتصحيح صورة ليبيا أمام المحافل الدولية والدود عن أرضها والدفاع عن مكتسباتهاعلي المستوى الدولي ولا شك تطهير السفارات مما يعتليها من علل وهانات لا تليق بصورة ليبيا المشرف ضرورة تتقتضيها الشفافية والحكم الرشيد.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا