الدفاع والداخلية يكشفا بعضا من خيوط مؤامرة الفوضى في ليبيا - عين ليبيا

من إعداد: حسام المصراتي

“التحديات الأمنية التي تعرقل بناء ليبيا الجديدة”…! ظلت هذه الجملة الايقاع المفضل للراقصين السياسيين ووسائل الاعلام المحلية والدولية. حتى تم تصويرها بأنها قضية أزلية شائكة لايمكن التعامل معها حتى لعقود قادمة. وحتى اعتقد الليبيون بأنهم سيرون قريباً “مشكلة المليشيات وانتشار السلاح والانفلات الامني” مصفوفة في رف واحد مع قضايا الصومال وفلسطين والعراق، كواحدة من القضايا الأزلية المستعصية الحل.

ولكن أخيرا الداخلية والدفاع يخرجان عن صمتهما. ليكشفا لليبيين بعضاً من خيوط المؤامرة.

بضع ساعات فقط فصلت بين الظهور الأخير والمفاجيء لوزيري الدفاع والداخلية في وسائل الاعلام، والذي ربما سيكون القشة التي ستقصم ظهر البعير، وإيذانا بالخروج النهائي لهذين الوزيرين من حلبة الملاكمة السياسية بين سياسي ليبيا الجديدة. فأخيراً قرر الوزيران كسر جدار الصمت ورد اللكمات –حسب تعبير السيد وزير الدفاع – الذي صرّح حرفياً في بداية لقائه بأنه “تحمل الكثير ولن يرضى أن يبقى كيساً لتلقي اللكمات دون رد” .. وأول لكماته الموجعة وجهها “جويلي” لهرم السلطة الانتقالية في البلاد.

وما يبدوا واضحاً وجلياً لدى جميع الليبيين منذ مدة بأن هذه الفوضى هي فوضى “ممنهجة” و”مفتعلة” ولكن السؤال الذي يتحرون اجابته منذ اشهر هو البحث عن الفاعلين ضمن قيادات الدولة. ونشعر أن أمر فضحهم وكشفهم ليس ببعيد. فها هي أولى الخيوط بدأت تنكشف. وبالتأكيد ليس كل من في الحكومة وكل من في الانتقالي هم من المتآمرين ولكن غدا لناظره قريب.

تحدث كل من السيّد أسامة جويلي والسيّد فوزي عبد العال في العلن هذه المرة ليبرءا ساحتهما وينفيا التهم الموجهة لهما بالفشل والتقصير والتباطؤ الملقاة على عاتقهما. إلا انهما زادا الأمر تعقيدا بوضعهما ضمنياً لرئاسة المجلس الانتقالي ورئاسة الحكومة في قفص الاتهام. وإعتبار صاتعي القرار في هرم السلطة هم وراء استمرار الفوضى في البلاد واعاقة عودة الجيش وعودة الامن والامان في ليبيا؟

وكانت من بين ابرز تلك الحقائق التي اشار اليها الوزيران هو الحصار المالي لوزارتي الدفاع والداخلية وعدم صرف اية مبالغ مالية لهما. وقد قال عبد العال في مؤتمره الصحفي بتاريخ 23/04/2012 حرفيا: بأنه لم يتم صرف دينار واحد لوزارة الداخلية .. إلا منذ اسبوعين فقط ..!! بحسب تصريح الوزير وكذلك الحال بالنسبة للدفاع ..! والمجلس ورئاسة الحكومة يعلمان جيداً بأنه من المستحيل ان تعمل أي وزارة بدون ميزانية وخصوصاً الدفاع والداخلية !

فالمواطن منا لو تم قطع مرتبه أو تأخر فلن يأمن عدم حدوث انفلات أمني في أسرته الصغيرة ولفقد السيطرة على عائلته. فكيف سيكون حال دولة بأسرها. لا ندري على من ستُلقى التهمة بعد أن يتخلص منها الكبار.. ربما “كبير” مصرف ليبيا المركزي مستعداً هو الآخر للمثول بين يدي الشعب الليبي.

أما المسألة الاخرى هي تجريد الوزراء من الصلاحيات لأداء مهامهم، فلم يتردد السيد وزير الدفاع أسامة جويلي بوصف نفسه في لقائه التلفزيوني مع قناة الوطنية وعلى الملأ بأنه ليس إلا “مجرد ساعي بريد” وقد نزع السيد المستشار عنه كافة الصلاحيات. وحتى الميزانية المقدرة بـ 150 مليون دينار تم تسييرها للسيد وكيل وزارة الدفاع “الصديق الغيثي” المُعَيّن من قبل المستشار ويتبعه شخصياً.

أليس هذا بالضبط تكرار لنهج سلفهم القذافي. الرجل الدولة ! فلا أحد من حكومة القذافي كان يملك حلاً أو ربطاً – والتي كان السيد المستشار أحد أعضائها- فكل الحكومة السابقة كانت مجرد “منشفاً” للمسح عن وجه العقيد وما تتلطخ به يداه من جرم. واليوم يُعيد السيد المستشار نفس الأسلوب وذات النهج..!

فإن كان سيادة المستشار مثلاً يرى بأن المليشيات الأمنية الخاصة والمنفصلة عن وزارة الدفاع على غرار كتائب القذافي الأمنية هي الحل الأمثل لحفظ أمن البلاد فلماذا تكوين وزارة للدفاع منذ البداية؟ ولماذا يتم تكليف وزير للدفاع في الدولة لا حول له ولا قوة حتى على وكلائه في الوزارة؟

ولا ندري ماهو سر “كتائب الغيثي الأمنية” – المثيرة للجدل – لحراسة الحدود والمنشآت الحيوية بقيادة “الصديق الغيثي “الوكيل المُدلل” بصلاحيات وزير وميزانية خاصة ومنحه حق التعاقد مع الدول الأجنبية مباشرة وقد استفتح أولى عقوده مع شركة “مغربية” مغمورة – بحسب ما صرح به وزير الدفاع. وبحسب وزير الدفاع أيضاً بأن هذا الوكيل لا سلطة لوزارة الدفاع عليه. وإنما هو كتائب خاصة مستقلة عن الجيش الرسمي للدولة أي مثل كتائب القذافي الأمنية..! فلا سلطان عليها إلا رأس الدولة مباشرة …! أما جهاز حرس الحدود الليبي بكل عناصره وكوادره فقد تم رميه بالمهملات. ليكون “الصديق الغيثي” هو “خميس القذافي” الجديد أو “السنوسي” الجديد وله وحده اليد الطولى على حدود الدولة وكل المرافق والمؤسسات الحيوية “دون تخصيص”. –أي لم تحدد ماهي المرافق والمؤسسات الحيوية التي تحت سلطة “كتائب الغيثي”.!

لا ندري إلى أي مجهول تُقاد إليه ليبيا، وسط صراع القوى اللاهثة خلف السلطة وخلف بسط الهيمنة والسيطرة على البلاد. فليكن هذا المجلس واضحاً .. فلو أنهم يرون بأن وزير الدفاع أو وزير الداخلية ليسوا أهلاً للثقة أو شعروا بخيانتهم مثلاً فلماذا لم يتم سحب الثقة علناً وتعيين البديل بدل اللجوء الى محاصرة الوزارتين وشلهما عن الحركة وتعطيل أي فاعلية لها.

لماذا اللجوء إلى تعزيز وتقوية المليشيات من قبل هرم السلطة على حساب الجيش الرسمي وقوى الأمن الرسمية في البلاد؟؟ ولماذا يتم تأخير تسمية رئيس الأركان البرية؟ ماذا يريد الانتقالي من ليبيا وإلى أين يدفعها؟

ومن الجدير بالذكر أنه قد اختتم السيد وزير الدفاع لقائه بالدعوة إلى جلسة علنية أمام الشعب الليبي حكومة ومجلساً، ولتكشف كل الأوراق في العلن وعلى الملأ في مواجهة علنية ومكاشفة حقيقية لتحديد من المسؤول عن المؤامرة وعن عرقلة بسط الأمن والأمان في ليبيا. فهل من مجيب لدعوة السيد الوزير؟؟ ولا نظن ذلك فمن ارتكب الجرم في حق الليبيين لن يقرر مواجهة الليبيين حتماً ..!

يا سادة الانتقالي وحكومته وكل المتآمرون الجدد ضد الليبيين، والله لو كنتم تتحلون ببعض الحكمة والتعقل لحسبتم ألف حساب للشعب الليبي. فالليبيون ان بدا لكم أنهم اشتاتا اليوم ويتصارعون فيما بينهم فإنهم غدا عندما يعلمون من هو المتآمر منكم … والله سترونهم غدا صفاً واحدا مرة أخرى ينكلون بكم ويسومونكم سوء العذاب وسوء العاقبة. فمن تخيل منكم أن يتوسل إليهم معمر القذافي بعد اربعين عاماً طالباً الرحمة ؟ أفلا تتعضون؟ ونعلم بأنكم لن تتعضوا حتى تلاقوا نفس المصير!

إن المسألة ليست أبدا كما يحاولون إيهام الناس وكما يرجون بأن المتآمرون هم من يدعونهم بـ “أزلام النظام السابق” فأولئك انتهى أمرهم للأبد ومن لم يهرب منهم تم تهريبه. إنما المشكلة اليوم هي حرب اللاهثون خلف السلطة وكل منهم يريد أن يبسط نفوده وكل يريد أن يحقق هيمنته وبالقوة على البلاد. وكل يخبئ طمعه خلف قناع كاذب ما بين ليبرالي واسلامي وصوفي وسلفي ووفيدرالي وعلماني واخواني وخذ ماشئت من التوصيفات ووسائل الترويج وكل لايرى في غير العرش حلماً وغاية. وليبيا وأهلها آخر همهم.

ولكن، سيعلم المتآمرون أي منقلب ينقلبون سواء من الحكومة والمجلس أو من رجالات الاعمال المتكالبين على السلطة.

كنا قد دعونا هؤلاء الفرقاء الطامعون وكل اللاهثون للسلطة من كل الأطراف أن يتفاوضوا .. أن يتحاوروا .. أن يتقاسموا العرش الشاغر فيما بينهم فهذا القتال الذي وقوده أرواح الابرياء من الليبيين وهذه المؤامرات التي يحيكونها ضد ليبيا وضد بعضهم البعض، لن تجدي نفعا.. وقد تستمر إلى الأبد وسيحول ليبيا إلى جحيم مستعر .. والخاسر الوحيد هو ليبيا وشعبها … وندعوا العلماء الافاضل أن يصلحوا ذات البين، وان يوقفوا مهزلة الصراع حول هذا العرش النحس..!

(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

 

حسام المصراتي

h.elmesraty@yahoo.com



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا