الدولار الأمريكي.. تراجع تاريخي وتأثيرات عميقة على الاقتصاد العربي والعالمي - عين ليبيا
تحوّل الدولار الأميركي خلال سبعة عقود من مجرد عملة وطنية في نظام نقدي متعدد إلى ركيزة لا غنى عنها في الاقتصاد الدولي، يتربع على عرش العملات العالمية ويسيطر على حوالي 80% من المعاملات التجارية الدولية، ويرتبط الدولار بأكثر من 33 تريليون دولار سنويًا من التجارة العالمية، منها نحو 24 تريليون دولار في تجارة السلع الأساسية، مثل النفط والمعادن والمواد الغذائية، وحوالي 9 تريليونات دولار في قطاع الخدمات، بما يشمل السياحة والنقل والتكنولوجيا والخدمات المالية.
ولا يقتصر نفوذ الدولار على الاقتصاد فحسب، بل يمتد إلى السياسة والجغرافيا المالية، حيث تحتفظ البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم بحصص ضخمة من احتياطياتها به، ما يجعل عملة الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا في صياغة النظام المالي العالمي، وفي العالم العربي، يشكل الدولار حجر الزاوية للمنظومة الاقتصادية والمالية، سواء من حيث الاحتياطات أو الواردات أو العقود التجارية.
تراجع مفاجئ في قيمة الدولار
مع ذلك، شهد الدولار تراجعًا حادًا بنحو 11% خلال النصف الأول من عام 2025، وهو أسوأ أداء نصف سنوي منذ عام 1973، ما أثار قلقًا عالميًا حول استقرار هذه العملة وسيطرتها، ويرجع هذا التراجع إلى عوامل هيكلية متشابكة تهدد تفوق الدولار الذي كان يعتبر ثابتًا لسنوات، وفق تقرير لقناة الجزيرة.
أسباب التراجع
الإفراط في الطباعة النقدية: عقب جائحة كوفيد-19، ضخّت الحكومة الأميركية ما يقارب 5 تريليونات دولار ضمن برامج تحفيزية تعتمد على سياسة التيسير الكمي، والتي أدت إلى زيادة ضخ السيولة دون مقابل إنتاجي حقيقي، مما تسبب في ارتفاع معدلات التضخم واهتزاز الثقة بالدولار.
ارتفاع الدين العام: بلغ الدين العام الأميركي 37 تريليون دولار منتصف عام 2024، وهو الأعلى في التاريخ، مما يزيد المخاوف من استدامة العملة نتيجة التمويل المستمر من خلال طباعة النقود وفرض زيادات ضريبية محتملة.
الاستخدام السياسي للدولار: الإجراءات مثل تجميد الأرصدة الروسية عام 2022 ساهمت في تفاقم الشكوك حول حيادية الدولار كعملة عالمية، مما دفع دولًا كبرى لإعادة النظر في اعتمادها عليه خوفًا من الاستغلال السياسي.
صعود العملات البديلة: توقيع اتفاقيات ثنائية وإقليمية تستخدم العملات المحلية بدلًا من الدولار، إضافة إلى محادثات مجموعة “بريكس” لإنشاء عملة احتياطية جديدة، يعكس توجهًا نحو نظام مالي عالمي متعدد الأقطاب، يقلل من هيمنة الدولار التاريخية.
انعكاسات التراجع على الاقتصاد العالمي
تأثيرات التراجع على الدول العربية
يرتبط الاقتصاد العربي ارتباطًا وثيقًا بالدولار، سواء عبر ربط العملات الخليجية به أو عبر الواردات والقروض الدولية في الدول غير النفطية مثل مصر وتونس والمغرب. وتحتفظ البنوك المركزية العربية بمئات المليارات من الدولارات، أغلبها على هيئة سندات خزانة أميركية.
انعكاسات على الشركات والأفراد
خطوات التكيف مع الواقع الجديد
هذا ويعيش الدولار الأميركي اليوم لحظة تحوّل كبيرة قد تعيد رسم ملامح النظام المالي العالمي. التراجع الملحوظ في قيمته يفرض على الدول العربية، بحساسيتها العالية لاعتمادها عليه، ضرورة مراجعة مواقفها الاقتصادية والمالية بشكل عاجل، لتعزيز مرونتها وقدرتها على مواجهة التحديات المالية والجيوسياسية المستقبلية.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا