الدينار الليبي وصراع كسر العظم - عين ليبيا

من إعداد: د. سليمان سالم الشحومي

ازمة السيولة الخانقة التي تواجه القطاع المصرفي والتي اربكت المواطنيين الليبين جاءت لتصب الزيت علي النار المشتعلة اساسا في اسعار السلع الغذائية بسبب الارتفاع القياسي الذي بلغه سعر صرف الدولار امام الدينار في السوق السوداء. ياتري ماهي الاسباب وكيف واين يكمن العلاج؟ ولماذا ارتفع بشكل جنوني هذه الايام حتي تجاوز سعر الدولار عتبة اربعة دنانير لاول مرة منذو اطلاق عملة الدينار الليبي منذو اكثر من 60 سنة. وهل المسؤل عن ذلك الوضع السياسي المتازم والمنقسم ام انه تلاعب التجار او ان البنك المركزي هو السبب وهو المسؤل عن فقدان عملته قيمتها الحقيقية بسبب سياساته المتخبطة وعدم تلبيته لاحتياجات السوق من العملة المحلية والاجنبية.

دعونا نتمعن في المشهد النقدي الليبي وقبل ان نلقي بالاحكام جزافا علي طرف ونحمله كل تبعات الازمة والتي هي انذار حقيقي بدخول نفق مظلم قد يصعب الخروج منه قبل عقود من الان اذا لم يتحمل الجميع المسؤلية ويتنازل لمصلحة الوطن. وليس المقام هنا لاستعراض بطولات وقدرات خارقة قادرة علي ايجاد حل خلال ايام، ولكن الواجب يستدعي ان نستمع الي صوت العقل ونتفق جميعا اننا كمسؤلين سابقين وحاليين ومتابعين ومهتمين بالشان  الاقتصادي الليبي في حاجة الي وضع خارطة طريق للخروج من هذا المعترك الصعب.

في الاساس ازمة السيولة سببها تسرب العملة الليبية الي خارج المصارف وللحق ان التسرب ليس حديث العهد بل هو ظاهرة معروفة في الاقتصاد الليبي حتي في عهد النظام السابق، ولكنها تفاقمت بشكل كبير كون الاقتصاد الليبي هو اقتصاد نقدي بامتياز وتشكل فيه التعاملات النقدية النصيب الاكبر من التعاملات اليومية، ولكن هذه المشكلة تفاقمت مع توقف عمليات بيع الدولار بالبنوك وتوقف حركة الاعتمادات المستندية بسبب عدم قدرة البنك المركزي علي مقابلة الطلبات المستمر والفساد الذي يسيطر علي العمليات المتعلقة بالعملة الاجنبية. طبعا المصرف المركزي يلقي باللوم علي التجار في احتفاظهم بالنقد خارج المصارف وهم يردون بانهم غير امنيين علي اموالهم ويريدون شراء الدولار من السوق السوداء لتوريد بضائع للسوق.

ما يلفت الانتباه هو ان اسعار صرف الدولار ارتفعت بين عشية وضحاها من ثلاثة دينار للدولار الي اربعة دينار للدولار وفي تقديري يعود ذلك الي الاحداث الحاصلة في تونس وتحول تجار العملة الي الدولار كملاذ امن وبالتالي مزيد من الضغط علي الدينار وايضا ارتفاع اسعار الدولار في جمهورية مصر العربية بشكل غير طبيعي برغم ضخ البنك المركزي المصري نصف مليار دولار خلال الاسبوع الماضي . طبعا لايخفي علي احد ان هناك تجارة سرية تتم عبر تحويل الذهب الليبي الي سبائك وتهريبه الي دول مختلفة لغرض الحصول علي دولار ثم اعادة طرحه في السوق عبر تجار الحولات المتواجدين في دول اخري ومربوطين بتجار العملة في ليبيا.

بالتاكيد ان ما اعلن عنه  من توفير 2 مليار دولار بالمصارف كاعتمادات مستندية عقب الاجتماع الرباعي “ الحكومة في طرابلس والمؤتمر و ديوان المحاسبة والبنك المركزي “ لحل ازمة السيولة لم يلقي اذن صاغية في السوق السوداء بل علي العكس ارتفعت اسعار الدولار اكثر،   فهم يعرفون ان ما نتج عنه ليس حل للازمة ولن يعيد الا جزء بسيط من النقود الهاربة الي دفئ خزائن البنوك الليبية والسبب ان هناك تعقيدات كثيرة لفتح الاعتمادات والرقابة الشديدة التي يفرضها الان البنك المركزي،  فقد اعترض علي العديد من طلبات التغطية كونه اكتشف ان هناك شبهة تهريب عملة اجنبية للخارج واحال العديد منهم الي القضاء اذن هناك صراع خفي بين من يتاجر بالدولار والبنك المركزي ويبدو انها وصلت لمرحلة كسر العظم.

ان القول بان المصرف المركزي غير معني بتوفير السيولة كما صرح به امين سر مصرف ليبيا المركزي هو قول جانبه كثير من الصواب فيه ، فالمصرف المركزي هو من يخلق النقود ويديرها في البلد واهم اولوياته هي تحقيق الاستقرار النقدي ، وبالتالي اذا لم يكن معني بتوفير السيولة وان دوره هو الموازنة بين السحب والايداع كما اشار يعني ان المصرف المركزي عليه طباعة عملة جديدة باستمرار لمقابلة صرف المرتبات الشهرية للحكومة وهو يعني مستويات عالية من التضخم وانهيار في قيمة العملة المحلية، كما ان القاء اللوم علي التجار وتحميلهم المسؤلية الكاملة هو امر لا يليق بمؤسسة عملاقة مثل المصرف المركزي.

لا اريد ان استغرق في تحليل ووصف المشكلة ولكن باختصار ازمة السيولة في البنوك الليبية مرتبطة ارتباط روحي بأزمة نقص الدولار في البنوك ، وبالتالي فان المخرج السريع لهذه الازمة يتمثل في ارجاع السيولة المحلية و الدولار النقدي والمستندي الي البنوك وقد يتطلب الامر سحب مجموعة من الاصدارات القديمة من العملة المحلية وارجاع عمليات البيع المباشر للدولار عبر منظومة الرقم الوطني في جميع البنوك الليبية و الاسراع في تفعيل بطاقات الدفع الالكتروني بالدولار لدي جميع المصارف ، ولابد من ارجاع العمل بشهادات الايداع بالمصرف المركزي او اصدار شهادات جديدة متوافقة مع القانون الذي اوقف التعامل بالشهادات السابقة لتحفيز البنوك علي جمع السيولة ويمكن ان تكون هذه الشهادات بالدولار لجذب الدولار الي البنوك من السوق.

المعالجة لهذه الازمة تنقسم الي نوعين معالجة هيكلية تستغرق وقت عبر اعادة هيكلة القطاع المصرفي بالكامل في ليبيا وبناء استراتجية متكاملة مرتبطة بتطوير الاقتصاد الليبي وتنويعه و ارجاع عمليات تصدير النفط، وهي ليست محل تركيز علي ما يبدو من الجميع الان   كون الحريق يحتاج الي اطفاء قبل ان تاتي النار علي ما تبقي من البيت. اما  الثاني فهي  معالجة انية  ادعوا فيها  المصرف المركزي الي اعلان ايقاف حالة الانقسام  وعودة مجلس ادارة البنك المركزي للعمل كفريق واحد وتوحيد الجهود واعادة ربط البنوك بين المنطقة الشرقية والغربية عبر منظومة المصرف المركزي لتفعيل عمليات التسوية الفورية للمقاصة و تسهيل عملية بيع النقد الاجنبي في جميع الفروع المصرفية مع ضرورة ان يعلن المصرف المركزي عن حجم الموازنة المخصصة لعمليات البيع النقدي والتي لابد ان لا تقل عن  100مليون  دولار  شهريا، خصوصا وان رصيده من العملة الاجنبية النقدية الموجودة لديه في ليبيا  حسب تقارير المصرف المركزي في نهاية  العام الماضي تشير الي وجود ما يقرب 16 مليار دينار عملة اجنبية يمكن العمل علي توريد جزء منها للداخل بالتنسيق مع البنوك الموجودة بها ولجنة العقوبات في الامم المتحدة،  وحوالي 47 مليار دينار ذهب نقدي موجودة بالداخل يمكن استخدامها كجزء من الحل ، كما انه لم يعد يجدي التمسك بالسعر الرسمي الحالي للدولار واصبح من الضروري تعديل السعر الي مستوي اعلي يتناسب مع الواقع الحالي ويساعد علي توفير العملة المحلية بالبنوك ويمكن من استخدام الفائض في سد العجز في الموازنة العامة للدولة لسداد المرتبات ، ويمكن ان  يكون  السعر الجديد  في حدود  3.5 دينار للدولار في البداية  وينخفض بالتدريج وقد يفيد استخدام  البنك المركزي اسلوب التسعير بالمزاد العلني اسبوعيا او شهريا  بين البنوك الليبية  حسب الاحوال.

لايمكن ان نقف جميعا متفرجين علي ما يحصل ونكتفي بالقاء اللوم علي من كان سببا فيما وصلنا اليه الان،  ولكن في تقديري انه قد ان الاوان لمواجهة الازمة والتعالي عن الصراعات وان يتخذ المصرف المركزي قرارات حاسمة اليوم قبل ان لايعد في امكانه فعل شي اذا استمر الامر علي ماهو عليه.

 



جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا