الرئاسي بين استمراء السلطة وغياب الرؤية - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

عندما تكون إختيارات الأمة قليلة يكون إختيار الكلمات ضرب من العبث، وعلينا أن نتسال هل هناك مجلس رئاسي كما خطط له من الهيئة الأممية، وهل أصبح الرئاسي عبئا ثقيلا على المجتمع الليبي الموسوم بالحرب الضروس والفوضى العارمة؟ كان قبول المجلس الرئاسي على مضض من الكثير من الليبيين وتم القبول بعد سنتين من المفاوضات حتى لا ينفرط عقد الأمة، وكان ذلك، وحتى تكون لنا مؤسسات وحكومة واحدة، ولم يحدث هذا، ومع مرور الأيام أثبت الرئاسي أنه كسيح لا قدرة له على الحبو ناهيك عن العدو.

الرؤساء في الدول المتقدمة يتم إخيارهم تبعا لتاريخهم النضالي وتمرسهم في حل قضايا الدولة، والذي يكسبهم خبرة ولهم رؤية وبرامج تليق بأن برشحوا لقيادة الدولة ولهم هياكل حزبية تساعدهم على وضع القرارات الصائبة. في الدول المتاخرة الرؤساء يعينون أنفسهم بهدير المدافع وتزوير الإنتخابات، أو بالوراثة (فالأرض وما عليها للملك والأمير). في الحالة الليبية لا جديد، الأمم المتحدة عينت الملك قبل يوم الأستقلال بقليل، وعين المجلس الرئاسي عندما رجع إليها الأمر بعد ستة عقود ونيف، وفي الحالتين لم يؤخذ براي الليبيين.

دخول المجلس الرئاسي إلى طرابلس كان أملا لتجميع القوى الداخلية من أجل بناء الدولة و تطوير العمل السياسي الخارجي، لم يحدث ذلك وهرب جل أعضاءة وأصبحوا مناكفين للرئيس، ومن بقي فلا يعدو أن يكون شغل وظيفة من الطراز الرفيع، أي أن الرئيس أصبح هو الرئاسي (one man show)، وأحاط بنفسه مستشارون وحاشية تشجع على إستمرار الحكم لعقود قادمة وإن كان على حساب دماء الشهدا وهدم البيوت وتهحير ألاف المواطنين.

الجميع يعلم أن الظروف الحالية صعبة، ولكن الأصعب من ذلك إنعدام الرؤية أو التماهي مع الواقع ورفض التغيير، والجميع يعلم أن الرئاسي (توافقي) ضعيف ولكن الأدهى من ذلك عدم إستعمال وسائل القوة المتاحة له، ففي هذه الدولة إستطاعت أمريكا فرض قرارها بعدم المساس بالمؤسسة الوطنية للنفط وعدم التصدير خارج عنها وأن المصرف المركزي موحد، وبذلك أمنت أمريكا للشعب الليبي مرتباته الشهرية بلا عمل، أي تأمين الجانب الإقتصادي للدولة.

ولكن هناك الكثير من عناصر القوة التي لم تستغل وهناك الكثير من القرارات المعطلة التي لم تصدر وهناك الكثير من السياسات الخاطئة أو المتأخرة، منها: التماهي مع نزوات حفتر في ضم الجنوب حتى وصل إلى أبواب طرابلس، ولم يكن للرئاسي رؤية لصد المنشقين عن الدولة في غرب البلاد وجنوبها، بل كان من الممكن وأد حفتر وقواته في المهد قبل أن ينطلق من بنغازي، رافق ذلك عدم تسمية المعتدي الدولي والذهاب إلى خطاب مائع مثل الطيران الأجنبي والقوات المعتدية حتى بعد دك الكثير من المدن الليبية، ما زاد من تفاقم الوضع عدم تعيين وزير للدفاع ووجود متأخر لرئيس أركان (موظف حكومي رسمي)، ووجود منظومة وزارية خارجية متخلفة وفاسدة، وعدم تعيين قائد قوات للمنطقة الجنوبية، ناهيك عن التفاوض مع حفتر وهو عسكري منشق لا مكان له في هيكلية الدولة الليبية ومحاولة إسترضاءه بكل الطرق.

بنى حفتر معتقده على أوهام دخول العاصمة في 72 ساعة، ولكن فشل الحسم العسكري جعل الدول الداعمة تسند الأمر إلى الإمارات مباشرة، لفرض دمية على ليبيا، وبالطبع هناك خيارات بين حفتر المازوم والنائض المتسرع، وحتى تُجهز الأرضية لقبول العميل تقوم الإمارات بتجنيد قُطاع الطرق وحثالة الشعوب للضغط على حكومة طرابلس، فمنهم جيش القبائل لبوعميد والضاوي وكتيبة سبل السلام السلفية والمنشقين عن الجيش في المنطقة الغربية، ومقاتلوا الجنجويد (وكبيرهم أصبح بالمجلس العسكري السوداني بمساعدة دول الإستبداد) والعدل والمساواة  والزغاوة: أحباب القذافي، ومنهم القبائل العربية بتشاد،  وطيارون فرنسيون وأكرانيون وأخيرا  قوات أرضية من الروس. بعد هذا الخليط العجيب، فهل هناك من شك أو ريبة أن هذه الحرب عادلة دينيا ووطنيا، وصد العدوان جهاد في سبيل الله ومفخرة للوطن يكتبه التاريخ بأحرف من نور في زمن قل فيه  أصحاب المواقف الحاسمة.

دخول حفتر للعاصمة تستطيع أن تقول فيه ما قال مالك في الخمر، وإستحالته مواكبة لدخول إبليس للجنة. إذاً أين الحل؟ من الواضح أن إيطاليا المنهمكة في مشاكلها الداخلية قد أدعنت للرغبة الفرنسية، بوساطة أمريكية ليكون مؤتمر برلين الذي يهدف إلى طرح المشاركة السياسية في الحكم بين الرئاسي ومندوب دول الإستبداد؛ النايض أولا ثم حفتر، وهو أمر مستهجن من قطاع كبير من المجنمع الليبي، مشابه لما حدث في دولة جنوب السودان بين سلفكير ومشار والذي لم يفضي إلا إلى المزيد من الحرب الأهلية.

بالمقابل فإن القوة الحية في المجتمع لم يخطئ ضنها في السابق ولن يخطئ في المستقبل، فالحل يكون بردع المعتدين ومن معهم ثم الإعلان عن مؤتمر جامع لكل عمداء البلديات لتبني ميثاق شرف وطني وخطة طريق جديدة تنتهي بإنتخابات برلمانية ورئاسية.

وحتى يتم ذلك يتعين على المجلس الرئاسي وضع سياسات وسن قرارات حاسمة لردع العدوان وإنهاء الإحتراب، وذلك بتبنئ الخطوات الآتية:

  1. الاعلان بأن الحرب في طرابلس حرب وطنية على قوى الشر ولا يتم حصرها على بعض المدن من المنطقة الغربية، مع تسمية الضالعين فيها من عملاء الداخل و دول الخارج، ويترتب على ذلك حشد قوى ضاربة تنهي الحرب في أيام معدودة.
  2. تعيين وزير دفاع ورئيس أركان من ذوي الخبرة الطويلة والكفاءات العسكرية العالية ومن المؤمنين بالقضية الوطنية العادلة في رد المعتدين ودحر المنشقين وتسريح المتخاذلين.
  3. دعم الجبهات بالاسلحة الثقيلة والطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي، ووضع خطط لإنها الحرب بسرعة، فالحالة الحالية مؤسفة، كل يوم نقدم قوافل الشهداء، والعدو يتقدم، فأصبحنا نتحدث عن معارك محور طريق المطار وصلاح الدين بعد ستة أشهر من العدوان، فليس هناك تنمية ولا سلام إلا بسحق المنشقين والخارجين عن القانون.
  4. تعيين وزير خارجية جديد وإطلاق يده لتطهير السلك الدبلوماسي بالداخل والخارج، فلا حاجة ل125 سفارة ولا لملحق عسكري نيامي أو ملحق عمالي في سويسرا، ولا قنصلية في واجادوجو أو جزر القمر.
  5. رفع دعاوى قضائية فردية وجماعية أمام المحاكم الليبية ضد مرتكبوا جرائم حرب مثل قتل المدنين وحرق وهدم بيوتهم وقصف المناطق السكنية والمستشفيات، ومنها قصف الخلة والسواني ومركز الهجرة غير الشرعية وقصف النواحي الاربع وغريان ومطار معيتيقة ومطار زوارة وقصف سكان مرزق وغيرها الكثير، ثم رفع تلك الدعوي إلى محكمة العدل الدولية.
  6. وضع قيود على الشركات الإماراتية والفرنسية العاملة في ليبيا،  وضرائب على منتجاتها، بل إيقاف إستيراد الكثير من المنتوجات الإماراتية على وجه الخصوص.


جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا