الرئيس الامريكي دونالد ترامب، والنائب الليبي زياد دغيم - عين ليبيا

من إعداد: د. أحمد معيوف

في إطار التحقيق في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، كلفت وزارة العدل الامريكية المحقق الخاص روبرت مولر الذي شغل منصف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي خلال فترة حكم بوش الابن واوباما الذي ثبته في منصبه حتى نهاية ولايته، وقد قام فعلا بفتح تحقيقا في امكانية ان يكون ترامب قد عرقل سير العدالة بمحاولته التأثير على التحقيق الأول الذي قاده المدير المقال لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، حيث ظهرت مزاعم ان ترامب حاول عرقلة سير التحقيقات في هذه القضية عن طريق محاولاته الضغط على جيمس كومي واجباره التخلي عن التحقيق الذي كان يقوم به المكتب بخصوص علاقة مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين بروسيا.
وفي تقرير صحفي مطلع، أشار مولر إلى إمكانية اصدار مذكرة استدعاء للرئيس خلال محادثاته مع محامي ترامب في شهر مارس الماضي، وهي أمر قضائي يجبر الشاهد على المثول أمام المحكمة للإدلاء بشهادته. وجاء ذلك بعد اصرار محاميّ ترامب خلال اللقاء معهم على أن الرئيس لا يمكن أن يخضع تحت أي ظرف كان إلى استجواب من محققين فيدراليين في موضوع التحقيق في مزاعم التواطؤ الروسي، ولفت التقرير إلى أن فريق المحقق مولر رد بالإشارة إلى أنهم سيصدرون مذكرة استدعاء إذا رفض ترامب التحدث إليهم، لكنهم وافقوا على تزويد محامي الرئيس بمزيد من المعلومات المحددة بشأن الأسئلة التي يرغبون توجيهها إلى الرئيس وكان اعتراض محامي ترامب على امتثال الرئيس للمسائلة هو افساد لعمل رئيس الولايات المتحدة، وفي مقابلة ضمن اخبار البي بي سي مع عميد بلدية نيويورك السابق رودي جولياني الذي يشغل الان منصب محامي الرئيس ترامب، صرح جولياني بأنه من الممكن منع حضور الرئيس للمسائلة اذا اصر مولر على استدعائه استنادا الى التعديل الخامس للدستور الامريكي. المفارقة ان الرئيس ترامب ابدى استعداده لمقابلة مولر بخصوص التحقيقات التي يجريها، رغم حقه الدستوري في الامتناع.
هذا الاسبوع، كانت اهم القضايا التي شغلت الرأي العام الليبي هو تصريحات السيد عادل الحاسي على قناة ليبي 218، ومفاد تصريحه يتناول الفساد الذي يمارس في السفارات والقنصليات الليبية في الخارج. وقد تناول الحاسي ثلاثة قضايا من قضايا الفساد تمس تورط مسؤولين ليبين في اعلى سلم القيادة، بدرجة وزراء ونواب. هذه القضايا الثلاث التي اثارها شملت بيع عقارات الدولة الليبية بالخارج لصالح افراد متنفدين، ومنح جنسيات ليبية للاجانب، ومنح مرتبات بالمخالفة.
ولعل القضية الاخيرة كانت محور جدل كبير لاشتراك مجموعة من المسؤولين فيها شملت وزير الخارجية محمد سيالة، ووزير التعليم دكتور عثمان عبد الجليل، ووزير المالية اسامة حماد، ونائب رئيس المجلس الرئاسي الدكتور فتحي المجبري، والنائب زياد دغيم والد المنتفع من الاجراء.
وفي حين لم يصدر اي تصريح عن وزير الخارجية او وزير المالية حول هذا الموضوع، كذلك لم ترد اي ردود عن المجبري بالخصوص، والذي يتهم ايضا في قضايا اخرى اهمها تدخلاته في شؤون الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية. صرح وزير التعليم الدكتور عثمان عبد الجليل بانه فعلا وقع المستند الخاص بمرتبات أ.د. صالح سالم محمد المتراكمة وكل مزاياه في رسالته الموجهة الى وزير المالية، واعتبر ان اتهامات الحاسي لا صلة لها بالواقع، مشيرا بأن إحاله رسالة إلى وزارة المالية لصرف مرتب والد دغيم جاء باعتباره موظف يتبع وزارة التعليم وهو إجراء روتيني يتم اجراؤه بشكل يومي. كما دعا عبد الجليل، الحاسي بالتقدم إلى النائب العام لرفع قضية ضد من هم متهمين بملفات فساد شاملا نفسه، ومؤكدا بأنه متحمل مسؤولية أية إجراءات إدارية مخالفة.
ما يثير الشبهات، بالنسبة لي على اقل تقدير، امرين هما:
اولا- لماذا لا يحمل اسم المنتفع لقبه، فقد ورد في الرسالة أ.د. صالح سالم محمد، والمعروف ان كل المعاملات الادارية لا بد وان تشتمل على لقب المعني، فما هو تفسير سقوط لقب المعني من الرسالة.
الامر الثاني – هل من المتعارف عليه ان يتم تصفيات مستحقات موظف عادي لا يحمل صفة مسؤول كبير عن طريق مراسلات بين الوزراء؟
بما ان موضوع الاستاذ صالح سالم محمد هو والد دغيم، فالمتهم بالدرجة الاولى سيكون امكانيات تدخل دغيم من خلال علاقاته المتينة بدوائر القرارت في ليبيا من برلمان ومجلس دولة ورئاسي، وربما حتى الجيش والحكومة المؤقته، فقد كشف ظهوره الكثيف وحواراته عن مقدار علاقاته المتشابكة، والتي يمكن استثمارها جيدا.
في مجال رده ودحضه لاتهامات الحاسي، نفى زياد دغيم وجود او ممارسة أي ضغوط على أي شخص بخصوص مرتبات والده الموظف بالقنصلية الليبية في مدينة الإسكندرية بمصر. وقال في احدى تصريحاته ان علاقاته بالاشخاص المتهمين في هذا الموضوع ، ويقصد وزراء الوفاق ربما، ليست جيدة، بل ربما تتسم بالنفور من جانبهم، بسبب موقفه السياسي، لينفي بذلك امكانية ان يكونوا قد مارسوا ضغوطا لصالح مرتبات والده. كما اشار الى قرار اللجنة الشعبية العامة بخصوص تقاعد اعضاء هيئة التدريس.
طبعا هذا النفي لا شك له وجاهته، ومن الطبيعي ان يدافع عن الامر ان كان للاتهام مصداقية او كان اتهام كيدي، لكن الذي لا يقبل دحض اعتبار ان السيد الحاسي مفصول فعلاً، وان اتهاماته كانت بسبب غضبه، وبالتالي استهدف في اتهامه شخصيات يعتقد أنها وراء إقالته. و قد يفهم هذا الامر انه بالفعل توجد شخصيات تسعى لاقالة الحاسي.
ايضا اتهام السيد دغيم ان القناة التي اثارت الموضوع واستقبلت الحاسي هي ممولة من دولة خليجية تريد السيطرة على برقة. واعتبر ان توجهه الفيدرالي وإنتقاده للمركزية وعسكرة الدولة والميليشيات سببا في زيادة خصومه والمتربصين به، وهذا الدفاع لا يتجاوز ان يكون تبرير لا اكثر.
لا شك ان من حق دغيم ان يدافع عن موقفه، لكن الملفت في السيد دغيم استهانته بالموضوع جملة وتفصيل، واستهانته كذلك بما يترتب عليه هذا الاتهام. فقد سخر من مطالبة عدد من النواب برفع الحصانة عنه والتحقيق معه حول هذه الاتهامات، كذلك استهانته بالنائب العام حيث ورد على لسانه القول “هل يوجد لدينا نائب عام بمناطق الشرعية أم يقصدون النائب العام المهدد بمدينة المليشيات”، ويتهم ايضا النواب الموقعين على البيان الذي يطالب برفع الحصانة والتحقيق معه بانهم مدانين ايضا في تعيين اقاربهم بالاستثمارات والسفارات والوزارات وجهاز الإمداد ومفوضية الانتخابات وبانهم سماسرة الاعتمادات.
ولعل، في تقديري، ان اسواء ما ورد في تصريحات دغيم انه اعتبر مطالبة بعض النواب تصب في ما يراه “صراع جهوي” على اعتبار ان النواب المطالبين باسقاط الحصانه عنه ينتمي جلهم الى المنطقة الغربية، وتناسى ان الحاسي الذي فضح تلك الاعمال هو من الشرق.
المتهم بريء حتي تتبث ادانته، هذه قاعدة قانونية واخلاقية ايضا، ولا تسمح لنا بادانته. لكن، بالنظر الى تصريحاته ودفاعه، فهي جميعا تجعل من امكانية تورطه ممكن، ويدعم هذا الاعتقاد اخفاء لقب العائلة عن اسم ابيه. لكن، ما يثير القلل هو تعامل المسؤولين مع القضاء. ففي حالة الرئيس الامريكي بين استعداده للقاء المحقق الخاص في القضية التي اتهم فيه رغم الحصانة التي يوفرها له الدستور الامريكي في تعديله الخامس كما ورد اعلاه ، بينما في حالة السيد دغيم فهو يستهين بكل صراحة بالقضاء الليبي ويعتبره غير اهل لمقاضاته، ويتهم زملائه وهو لا شك محق الا انه ليس في صالحه، إذ يعزز تورطه اسوة بهم، ويلجاء الى اتهام النواب بالصراع الجهوي لينال بذلك تعاطف الفيدرليين والجهويين على حساب رابطة الوطن الذي انتخب للدفاع عنه وليس لهدمه.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا