الرّق عبر التاريخ - عين ليبيا

من إعداد: د. رمضان بن زير

يكثر الحديث هذه الأيام حول ظاهرة الرّق والاتجار بالبشر في أغلب فضائيات العالم بعد عرض التقرير الدي نشرته محطة CNN الأمريكية. لهذا رأيت من المهم إعطاء لمحة تاريخية حول مفهوم الرّق، علما بأنه قد سبق وأن تناولت هذا الموضوع في بحث تم نشره سنة 1992.

يعتبر الرّق ظاهرة اجتماعية عرفتها مختلف المجتمعات وعايشتها مختلف النظريات الاجتماعية، بحيث تكمن هذه الفكرة في تملك إنسان لإنسان آخر.

فالرق كنظام عسكري، وسياسي، واقتصادي، كان قائماً عند جميع الأمم والشعوب، التي كانت تعيش في العصور القديمة ومنهم الأغريق والرومان وعرب الجاهلية. لقد كان الإغريق والرومان يعتقدون بامتيازها على باقي البشر، ويحق لهم معاملة باقي شعوب العالم معاملة العبيد باستعمال العنف والقهر والارهاب، دون مراعاة لحقوقهم الأساسية. بل يجوز قتلهم واسترقاقهم. لم تكن العبودية محرمة، ولا مستنكرة بل كانت وضعا طبيعياً ومشروعاً عندهم. يقول أرسطو العبد خلق للطاعة والوسيلة الحية التي عليها توفير الغداء بإنتاج الحاجات الضرورية التي لا غنى للمدينة عنها.

أما الرّق عند عرب الجاهلية فكان أقل وطأة من أي مكان آخر في الدول القديمة لما عرف عنهم حفظ الدمم، ومراعاة الجوار، والغيرة وإكرام الضيف. والعربي محب للحرية ويحرص على التمتع بها. ولكن هذا لا يعني عدم وجود بعض العادات والتقاليد السيئة في المجتمع العربي أثناء العصر الجاهلي كالثأر والسبي والاسترقاق ووأد البنات وبيع الأطفال بسبب العار أو الفقر. وقد سادت الحروب بين العرب على أتفه الأسباب، متل حرب البسوس، وداحس والغبراء.

جاء الاسلام وعالج الرّق بإبطال أسبابها ومصادرها والعمل على تصفية هده الظاهرة غير الإنسانية بوضع المبادئ العامة لتحرير الرقيق عن طريق العتق، وفك الرقاب من ربقة العبودية وجعله كفارة من الخطايا والذنوب.

إن الاسلام أول شريعة سماوية تقرر القضاء على الرّق بطريقة إنسانية بعكس الشريعة اليهودية والمسيحية، وكان اليهود يشجعون على المتاجرة بالرقيق وخاصة الأوروبيين الذين يباعون في أسواق النخاسين. كما ازدهرت هذه الظاهرة على أيدي المسيحيين في القرون الوسطى ومع بداية ظهور الديانة المسيحية.

وكما أشرت فإن ظاهرة الاسترقاق متمكنة عند عرب الجاهلية لدرجة يصعب إلغاؤها دفعة واحدة، فقد تدرج الاسلام في حلها باعتبار الرقيق يمثل العنصر الأساسي في عملية الإنتاج الزراعي والتجاري والصناعي. ولكن الإسلام حصر أسباب الرّق في الحرب بين المسلمين وغير المسلمين فقضت تعاليم الإسلام بأن سبب الرّق وقوع غير المسلم أسيرا في أيدي المسلمين عند الحرب. ويشترط أن تكون الحرب مشروعة كحالة الدفاع عن النفس “وقاتلوا في سبيل الله الدين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”، وكذلك حالة عدم الوفاء بالعهود “وإن نكتوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر”. لكن الإسلام لم يجعل الرّق نتيجة ضرورية للأسر بل ترك الأمر حسب المصلحة، ومنع جميع العوامل المؤدية إلى الاسترقاق بوضعه إساساً للقضاء عليه واقتلاعه من جذوره.

من هنا يظهر جلياً أن نظام الرّق كان معروفاً عند اليونان والرومان وغيرهم قبل ظهور الإسلام -كما تقدم- وهذا يدحض افتراءات بعض المستشرقين بأن الإسلام قد أباح نظام الرّق. وقد أوضحنا الأسباب في عدم إلغاء الإسلام لنظام الرق دفعة واحدة. فقد عمل الاسلام على تضييق مصادر الرق والعمل على تحرير الأرقاء، وإلغاء هده الظاهرة المشينة اللا إنسانية، قبل ظهور المواثيق والإعلانات الإقليمية والدولية المنظمة لحقوق الإنسان بأربعة عشر قرناً.

فالأوروبيون هم المسؤولون عن استمرار ظاهرة الرقيق رغم ادعائهم بأنهم حماة الحرية والسلام في العالم.

ولا يستغرب والحال كذلك من الفقيه الفرنسي المعروف “مونتسكيو” صاحب نظرية الفصل بين السلطات، أن يحتقر الإنسان الأفريقي الأسود فيقول: (لا يمكن للمرء أن يتصور أن الله -وهو ذو الحكمة الواسعة- قد وضع روحا طيبة في جسم حالك السواد) لكنه بعد فترة طالب بإلغاء الرق.

… يتبع 2،3



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا