السعودية… حضور وغياب - عين ليبيا

من إعداد: يونس شعبان الفنادي

عندما قررتُ تلبية دعوة معالي السفير محمد بن محمود العلي سفير المملكة العربية السعودية لدى ليبيا الأسبوع الماضي لحضور الاحتفال بذكرى اليوم الوطني للمملكة، تسألتُ لماذا يقتصر الحضور السعودي في ليبيا تقريباً على أربعة جوانب فقط. أولها طبعاً المكانة الدينية التي حبا الله المملكة بها من نفحات ربانية ومقدسات إسلامية يحج إليها الليبيون أسوة ببقية المسلمين في أرجاء العالم، وثانيها المرتبة الاقتصادية المتقدمة للمملكة العربية السعودية التي مكنتها من التأثير في سوق النفط العالمي وأحياناً فرض بعض السياسات والإجراءات الدولية بشأنه أو عن طريق منظمة الأوبك التي تعتبر السعودية بجانب ليبيا من الأعضاء المؤسسين لها. وثالثها هي السمعة الرياضية التي تحققها الفرق والمنتخبات الرياضية السعودية غالباً في لعبتي كرة القدم وتنس الطاولة على الصعيد العربي أو القاري أو الدولي. أما رابعها فهي الاستمتاع ببعض الألحان والأنغام الموسيقية والأغاني الرقيقة لبعض الفنانين السعوديين، والذي أدى بعضهم زيارات سريعة قصيرة خاطفة لبلادنا مثل الفنان الكبير “محمد عبده” والراحل “طلال المداح” و”عبدالمجيد عبدالله” وغيرهم.

وفي نظري فإنه خلاف هذه الجوانب الأربعة، فإننا لا نجد تقريباً أي حضور فاعل ومؤثر للمملكة العربية السعودية في ليبيا عبر تاريخ علاقات تواصلنا العربي مع الأشقاء، ولا أظن أن أحداً منا يعرف مثلاً فناناً تشكيلياً سعودياً أو كاتب قصة قصيرة أو رواية أو شاعراً مرموقاً أو مدينة أثرية أو مجلة سعودية تتعاطى مع الشأن الليبي وتحظى بالتجاوب مع القراء والمهتمين في بلادنا. وبالمثل فإن الأشقاء السعوديين لا يعرفون عنا إلا بنفس القدر الذي نعرفه عنهم، وإن كنا نعرف ونتوجه صوب السفارة السعودية للحصول على تأشيرات العمرة والحج فإنني لا أظن أن أحداً من الأشقاء في السعودية يعرف موقع سفارتنا على الإطلاق.

لقد تأسفت كثيراً ذاك المساء لأن مراسم الاحتفال باليوم الوطني للمملكة السعودية لم تحفل بأية إضافة جديدة لمعلوماتي عن السعودية، حيث خلا الحفل من كلمات الترحيب والتعريف بتطور العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، والرؤية المستقبلية لأوجه التعاون، واقتصر على عرض شريط مرئي يعرض في أجواء أحاديث جانبية متعددة، ثم عزف النشيدين الوطني والملكي، والدعوة إثره مباشرة إلى تناول بعض التمور السعودية والمأكولات والمشروبات الخفيفة، والتي على إثرها غادرتُ مكان الاحتفال بعد أن قدمت التهاني والشكر للسيد السفير وخرجتُ محملاً ببعض المطبوعات عن المملكة العربية السعودية.

أمضيتُ مع تلك المطبوعات سهرةً ممتعة تجولتُ فيها في ربوع السعودية الجميلة من خلال موضوعات مجلة “ترحال” السياحية و”موسوعة جدة بوابة الحرمين الشريفين” و”المملكة العربية السعودية تاريخ وأمجاد” و”ملامح معمارية من المسجد الحرام” ومملكة الإنسانية وإغاثة الشعوب الإسلامية” وغيرها من المؤلفات التي عرفتني على سبيل المثال بمسابقة “مكة الملهمة” للتصوير الفوتوغرافي، والاكتشافات الأثرية الجديدة في “الدوسرية” شرق المملكة، كما تعرفت على أسطورة عشق بين جبلي “طمية” و”قطن” الذي يقع بين المدينة المنورة والقصيم، وقرية “القصار” التراثية وبلدة “حريملاء”، وسوق “المسوكف” في القصيم، ومدينة “فيد” الأثرية، ومدينة “الطائف” المشهورة بزراعة أنواع الورود العالمية وتقطيره وإنتاج العطور والرياحين التي يحجزها مسبقاً الأمراء والملوك ومصانع العطور العالمية.

وحين بحثتُ في شبكة الانترنت واطلعت على كلمة وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز محي الدين خوجه بمناسبة الذكرى الثالثة والثمانين لليوم الوطني والتي يقول فيها (… أصبح معرض الرياض للكتاب أحد أهم المعارض العالمية التي تستقطب الناشرين من دول العالم، كما طافت المعارض والأسابيع الثقافية السعودية في عدد من الدول لتقدم صورة عن واقع وفكر وثقافة هذا الوطن، وإقامة الملتقيات الثقافية والأدبية للأدباء والمثقفين السعوديين..).

ترسخ السؤال مجدداً في ذهني أين الأمسيات الشعرية والقصصية والأنشطة الأدبية والثقافية المشتركة؟ أين تبادل البرامج الإعلامية والتعاون بين البلدين في إعداد وتأهيل الإعلاميين ومساهمة خبرات البلدين في تنمية وتطوير القدرات الوطنية؟ وأين معارض الفنون التشكيلية والأسابيع المشتركة والمشاركات في معارض الكتاب وغيرها من المعارض الأخرى؟ فهل سيتحول غياب التعاون في المجالات الثقافية والأدبية بين الأشقاء في السعودية إلى حضور فاعل أم أنه سيظل مطوياً في الاتفاقيات الثنائية والبيانات الرسمية فقط حتى يجف حبره؟



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا