السقوط السعودي يقابله تصدير جائر للسلفية الوهابية وحرب على الأباضية - عين ليبيا

من إعداد: أ.د. فتحي أبوزخار

مما لا يقبله العقل اليوم اجترارنا كمسلمين للصراع السياسي الإسلامي في الماضي بحجة السلفية وإسقاطه على الحياة السياسية المعاصرة، بل الألعن من ذلك هو خلق صراع مذهبي ديني وهمي لا يخدم إلا أعداء الدين الإسلامي. من الصراع السياسي الدموي القديم استطاع أعداء الإسلام المعاصرين بقراءة متأنية للتاريخ الدموي الذي وظف فيه الدين الإسلامي لغرض توسيع الممالك واعتلاء قمم السلطة. فاستطاعت بريطانيا، ومعها فرنسا، وروسيا، هزيمة الإمبراطورية العثمانية، ومعها ألمانيا، بعدما استحضرت الفكر التكفري مستعينة بالسلفية وابتدعت الوهابية لتقارع مذهب أبوحنيفه العقلاني الذي انتهجته الإمبراطورية العثمانية في سياق واحد، وبدون تعارض، مع التصوف النقشبندي.

لقد واكب الصراع السياسي منذ بداية ظهور الاسلام الفكر التكفيري وبدون الخوض في أحقية الإمامة لآل البيت أو قريش أو بالعموم للعرب (الأشراف) فتقريبا جميع المذاهب السياسية أضفت النكهة الفقهية على المذهب بحيث يختبأ تحت عباءة الفقه الخبث والمكر السياسي أو تستباح التقية المذهبية لخدمة سلطان الإمامة.. وبدون لف ولا دوران فإن المذهب السياسي الذي رفض كل أشكال الشرف التي تبنتها المذاهب “السنية” وحتى “الشيعية”  هو مذهب أهل الاستقامة “الأباضية” الذي أعلن منظريه بأنه ليس من شروط الإمامة النسب العربي بل سلطان العدل. وعلى هذا الأساس فقط الكاتب أباضي!

السعودية على أنقاض الدولة العثمانية:

قد تنقلب الموازين اليوم لتكون الدولة التركية على أنقاض السعودية! فمن ضمن الوعود التي أعطتها بريطانية لآل سعود لاعتلاء سدة الحكم  المشاركة في الحرب ضد الدولة العثمانية ورفع لواء السلفية الوهابية والعروبة، وأخلت بريطانيا بوعدها بشأن الفلسطينيين وفي المقابل كان وعد بلفور (الرشوة لليهود) وكانت تقسيم سايكس بيكو لتركة الدولة العثمانية وتم خلق الجامعة العربية برعاية بريطانية. الواضح أن وصفة بريطانيا انتهت اليوم صلاحيتها لسببين: لأنها حققت النتائج المرجوة منها، وبريطانيا لم تعد العظمى كما كانت.

اكتساح ترامب للسعودية:

استلمت أمريكا راية توظيف التطرف الديني التكفيري، هذه المرة للإلحاد، لخدمة مصالحها ولطرد الروس من أفغانستان. وأخيرا الواضح أن زيارة ترامب للسعودية السنة الماضية عملت على قلب الموازين القديمة فيها رأسا على عقب فالتجديد الذي أراده، وربما برعاية إسرائيلية، هو خروج السعودية من تحت عباءة السلفية الوهابية (بالثوب والإزار العربي ) إلى الإعلان عن فتح المراقص وتحرير النساء السعوديات من الكبت بقيادة السيارات مقابل الاستمرار في تصدير السلفية لشمال أفريقيا حيث تتبعها ربيبتيها داعش والقاعدة  بعد أنهت مهامهما في الشام والعراق وأفغانستان بحيث يؤمن الطوق الذي تتحزم به إسرائيل من جانب ويستمر ضخ المليارات إلى أمريكا الداعمة لسياستها الانتقائية بالشرق الأوسط بدرجة عالية.

المسلمون والمسلمات يمولون سياسات أمريكا الانتقائية الشرق أوسطية:

المسلمون والمسلمات الجهلة يساهمون في زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط  بأداتين : بدفع المال، وزرع الكراهية، ويكون ذلك على النحو التالي:

  • الترويج الذي صدرته السلفية الوهابية لمختلف أصقاع البلاد المسلمة بشأن التدافع على الحج والعمرة بشكل أغرب من الخيال وكأنهم بذلك يوزعون صكوك الغفران لمن يدفع لخزينة السعودية. فنجد حتى الفقراء والمساكين يحرمون أنفسهم من التوسعة على أنفسهم بخصوص بعض الضروريات لتصرف أموالهم على العمرة والإدعاء بزيارة النبي صل الله عليه وسلم بل نجد من مقتدرين الحال من يصرف على تردده المتكرر للحج والعمرة مبالغ قد تصل عشرات الآلاف من الدولارات وربما أكثر ليتنهي بها المقام في خزنة ترامب !!!
  • أبتدع الفكر السلفي التكفير مع ظهور الشيخ محمد عبدالوهاب فاستبيح قتل اتباع الصوفية والمذهب الحنفي وزوار المقابر بل يقتلون كل من يرون، وحسب فهمهم، أن عقيدته ليس على مذهب السلف! وكأنهم  يمتلكون مقياس للأيمان  ولسان حالهم يقول بأن الله سبحانه قد تنازل لهم بحيث هم يحكمون على من يشاءون بالأيمان أو ينعتون من يشاءون بالكفر!!!! واليوم يسهل للكثير من اتباعهم الوصول إلى السعودية بحجة العمرة للتزود بالفكر التكفيري في حلقات معلنة وخاصة ونشره من بعد بين البسطاء والجهلة في شمال أفريقيا والعالم!

تصدير السلفية لأباضية شمال أفريقيا قد يكون الأنسب:

ربما افتتاح المراقص الليلية بالسعودية يحتاج لتكثيف تصدير السلفية الوهابية ولو تطلب إشعال حروب عرقية مذهبية بشمال أفريقيا. فبأموال الحج والعمرة، إضافة للبترول، بات عندهم اتباع جيش من الموظفين، بسراويلهم القصيرة ولحاهم الطويلة واكسسواراتهم الحديثة والقديمة ،  قد تم توجيههم إلى شمال أفريقيا وإلى بقاع مختلفة من العالم. والواضح أن ضرب الأباضية في شمال أفريقيا يخدم أعداء الإسلام بالنبش في الصراع السياسي الإسلامي القديم واستحضار الكراهية والتكفير والحرب من جديد.. فنسمع من الوعاظ الوهابية ينصحون الأمازيغ الأباضية بالتخلي عن احتفالهم برأس السنة الأمازيغية لأنه اقتداء بالكفار المسيحية وهو طقس من قبل بعث المسيحية. كما ويحاضر على أمازيغ الجزائر شيخ دكتور عربي يعيش ببلاد الغرب، أو الكفر على حد تعبيره، وينصح في مدونته أمازيغ الجزائر برفض الكتابة بالحرف الاتيني الكافر! واستخدام الحرف العرب المسلم أو في أسوء الظروف التنازل إلى التيفيناغ الأمازيغية!  ربما هذه التوجيهات الفوقية العربية هي التي تجعل الكثير من الناطقين بالأمازيغية التمسك بالأباضية وذلك لرفضهم شرط الإمامة للعربي وهي أيضا ما قد يؤجج حقد عرقي بالتأكيد لا يخدم أوطان شمال أفريقيا. والواضح أن أموال الحج لا تصرف إلا في ثلاثة أوجه لا تخدم الإنسان ولا الإسلام وهي:

  • حرب اليمن وسوريا والعراق وربما أيران.
  • نشر الكراهية التكفيرية من خلال  السلفية الوهابية.
  • حرب الشعوب الأصلية من أمازيغ وأكراد وآشورين ويزيدين وأقباط وغيرهم بدافع عدم استقرار أوطانهم.

كلمة أخيرة للكثير من أخوتي أتباع السلفية:

لا يمكن أن نجمل جميع اتباع السلفية في سلة واحدة . صحيح البعض منهم لهم أطماع دنيوية قد تكون مال أو جاه أو حضوه دينية أو سلطان ولكن الكثير هم ضحايا محدودية إطلاعهم أو تفكيرهم ولا نبالغ لو قلنا للبعض ضحايا جهلهم. فبالرغم من أني أقول أنا أباضي ولكن أنا إنسان قبل ذلك وأمازيغي بعد ذلك ومسلم .. الأباضية تعني لي المذهب السياسي في الإمامة الذي يشترط العدل في الحاكم بالدرجة الأولى ولا يشترط أن يكون عربي. وأقول لمن يقول أنا سلفي .. ما الذي يشدك للسلف؟ هل لأنهم اتباع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟ إذن لماذا لا تتمسك بما جاء به محمد  الصادق الأمين من قرآن وسنة فعلية وقولية وتبتعد عن التكفير!

كلام مستمر لأمازيغ وإباضية شمال أفريقيا:

الوعي والإدراك بألا يستفزنا تكفيرنا والاستنقاص من الكتابة بالتيفيناغ بأن نوظف كأداة حرب وتدمير في وطننا الكبير شمال أفريقيا وفضائنا الأورومتوسطي .. وعلينا فتح حوارات معمقة مع أخوتنا وأخواتنا في الوطن لتتسع صدورنا لقبول معتقداتنا المذهبية بل وحتى الدينية وليكن تنوعنا الثقافي والعرقي إضافة إلى أوطاننا وإثراء لتنميتها. ولنعبد الله كأننا نراه .. وإن لم نرتقي إلى استحضاره سبحانه وتعالي في أنفسنا وحياتنا بهذا الشكل فلنكون على يقين بأنه يرانا وهو ليس كمثله شيء جل وعلا!

نسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.. تدر ليبيا تادرفت



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا