الصواريخ الليبية المضادة للطائرات المحمولة المسروقة - عين ليبيا

الصواريخ المضادة للطائرات

يتنفس الناس الصعداء كلما قامت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بالكشف عن مؤامرة جديدة في الخارج، مثل هذا المخطط الأخير لتنظيم القاعدة الذي كان يهدف لتفجير طائرة مدنية باستخدام متفجرات متطورة يصعب اكتشافها. ولكننا في حرب متعددة الجبهات، حيث إن الهجمة التي تصيبك هي التي لا تراها وهي قادمة صوبك. وفي الأشهر القليلة الماضية، سمعت مرارا بعض التحذيرات الخاصة حول وجود خطر آخر يهدد الطائرات التجارية، والذي يتمثل بصفة أساسية في انتشار الصواريخ الليبية المضادة للطائرات المحمولة على الكتف عقب الإطاحة بنظام معمر القذافي. صرح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في شهر فبراير (شباط) بأن القذافي كان يمتلك 20.000 من هذه الصواريخ، تم تأمين 5.000 منها فقط عن طريق برنامج قامت به الولايات المتحدة لشراء الصواريخ التي تمت سرقتها بتكلفة 40 مليون دولار.

يتساءل أندرو شابيرو، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية والعسكرية، في خطاب ألقاه يوم 2 فبراير، قائلا: «كم من هذه الصواريخ لا يزال مفقودا؟ بصراحة، نحن لا نعرف الإجابة عن هذا السؤال، وربما لن نعرف أبدا».

وها هو الجزء المخيف في هذه القصة: أخبرني اثنان من ضباط مكافحة الإرهاب السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الأسبوع الماضي أن بعض الفنيين قد تمكنوا مؤخرا من تجديد 800 من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف – بعضها مملوكة لجماعة جهادية أفريقية تدعى «بوكو حرام» التي ينظر إليها في كثير من الأحيان على أنها حليف لـ«القاعدة» – لاحتمال استخدامها ضد الطائرات التجارية التي تحلق في سماء النيجر وتشاد وربما نيجيريا. وعلى مدى ثمانية أشهر، حاول هذان الضابطان السابقان مرارا تنبيه الاستخبارات الأميركية، ولكن من دون جدوى، وفي ما يلي ملخص للرسائل التي رأيتها.

في 9 سبتمبر (أيلول) 2011، وبينما كان نظام القذافي في طريقه إلى الانهيار، قام أحد هذين الضابطين السابقين بإخبار أحد مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي أن الصواريخ الليبية كان يتم نقلها إلى الجنوب باتجاه منطقة أغاديس في النيجر، التي تسكنها قبائل الطوارق والتي من المعتقد أن تكون لها صلات بتنظيم القاعدة. أكد هذا الضابط المسؤول لمكتب التحقيقات الفيدرالي أن مصدرا عربيا «أخبره أن هناك بعض الصواريخ من نوع (إس إيه 7) و(إس إيه 24) (روسية الصنع) قد تم نقلها بالفعل من ليبيا إلى أغاديس وهي الآن في أيدي جماعات الطوارق المنتسبين إلى (القاعدة)»، ولكنه لم يسمع ردا على هذا الموضوع.

وفي 12 سبتمبر، كتب هذا الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية رسالة إلكترونية إلى صديق له في مكتب التحقيقات الفيدرالي يخبره بأن مصادره في النيجر «تأكدت أن (الولايات المتحدة الأميركية) لا تريد مساعدتهم» في ملاحقة هذه الصواريخ. أضاف هذا الضابط: «أشك في أنه قد تم تجاهل هذا التحذير نظرا للحروب البيروقراطية التي يشهدها (قسم الشرق الأدنى في وكالة الاستخبارات الأميركية)».

لا يزال ضابط وكالة الاستخبارات المركزية المخضرم يأمل قيام أجهزة الاستخبارات الأميركية باتخاذ خطوات جدية في هذا الصدد، لذا قام بتزويدهم باسم ورقم هاتف أحد أقرباء ضابط سابق في الاستخبارات الليبية، والذي يزعم أنه قد شارك في نقل هذه الصواريخ خارج بلاده. وفي 15 سبتمبر، أرسل هذا الضابط إلى صديقه في مكتب التحقيقات الفيدرالي أرقام تليفونات بعض المصادر العربية في النيجر الذين كانوا يراقبون نقل هذه الصواريخ عن قرب.

وفي 28 سبتمبر، قام ضابط الاستخبارات السابق المحبط بكتابة رسالة إلى أحد مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية، قائلا «توجد هذه الصواريخ في أيدي تنظيم القاعدة ويتم توزيعها الآن. أود حقا معرفة الشخص الذي قام بتعطيل هذا الأمر في وكالة الاستخبارات المركزية، وسبب قيامه بذلك».

ولكن هذا الضابط السابق لم يتلق أيضا أي رد على رسالته، لذا قام بكتابة رسالة إلى شخص آخر في مكتب التحقيقات الفيدرالية في شهر ديسمبر (كانون الأول)، قال فيها إنه يبدو أن هناك «عائقا» في الوكالة يعرقل الاتصالات.

تلقى هذان الضابطان السابقان في أواخر شهر أبريل (نيسان) معلومات عاجلة جدا، لدرجة أنهم شعروا بأنه يتوجب عليهم الإعلان عنها، بطريقة ما، لذلك قاما بالاتصال بأحد مسؤولي إنفاذ القانون وأرسلا إليه صورة أحد المقاتلين المتمردين وهو يشير إلى أحد تلك الصواريخ الليبية، متضمنا هذا التوضيح: «أخذت هذه الصواريخ والذخائر في التدفق إلى خارج ليبيا منذ خريف عام 2011، ثم أخذت طريقها إلى منطقة أغاديس في النيجر وبعض المناطق الأخرى في الغرب.. استولت جماعة (بوكو حرام) على هذه الصواريخ التي تمت إعادة تجديدها، حيث قاموا بجلب بعض الفنيين من الجيش المصري المختصين بالمعدات العسكرية لتجديد واختبار صواريخ (إس إيه 7) الموجودة في الصورة أدناه.. يدعي المصدر أن هناك 800 صاروخ تتوافر في هذه المنطقة».

وفي نهاية الأسبوع الماضي، تلقى الضابطان المخضرمان أخيرا اتصالا من شخص يدعي أنه يمثل مديرهم السابق في الوكالة، حيث أبدى مسؤول الاستخبارات الرغبة في التحدث مع مصادرهما العربية.

عندما طلبت من بعض المسؤولين الأميركيين البارزين التعليق على هذا الأمر، قالوا إنهم لم يسمعوا قط بتفاصيل هذه القضية أو بهذه المراسلات الإلكترونية، ولكنهم أكدوا خطورة مشكلة الصواريخ الليبية. يقول مسؤول أميركي بارز: «ربما يكون صحيحا أنه قد تم بيع بعض الصواريخ الليبية المضادة للطائرات المحمولة على الكتف في السوق السوداء، وأن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي يسعى للحصول عليها».

وفي الخريف الماضي، قام البيت الأبيض بتكليف فريق عمل من أعضاء وكالات الاستخبارات الأميركية بمطاردة الصواريخ الليبية. قال نفس المسؤول الأميركي البارز: «سوف يبذل هذا الفريق جهدا على المدى الطويل للتخفيف من حدة هذا الخطر عن طريق شراء كل هذه الصواريخ».

يبدو هذا معقولا بما فيه الكفاية، ولكني أتساءل لماذا لم يكن هناك أحد يصغي عندما حاول هذان الضابطان السابقان دق ناقوس الخطر.

المصدر: الشرق الأوسط – * خدمة «واشنطن بوست»



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا