الصوفية جزء من تاريخنا - عين ليبيا

من إعداد: عبد الهادي شماطة

حرب ضروس مقدسة، في كل عام، بين المناصرين والمعارضين للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وهي تنتهي دائما بالتعادل السلبي، فكل الأطراف لها أدلتها الشرعية المعتبرة والقوية، وقد مارس الجميع ما يعتقدونه، والحمد لله على سلامة الجميع، ولكن هناك شواهد ودروس من هذه المعارك، لابد أن ندركها بعد انقضاء الجدل، الذى صاحب المناسبة الجليلة.

أولا : شاهد يثبت أن الليبيين لن يقبلوا من أحد، أن يلونهم بلونه، ويضعهم في قالبه، أو أن يشكلهم بشكله وأفكاره، فلا يعني رفضهم لأنصار الشريعة كما يدعون، أو القاعدة وما في حكمها، أنهم سيقبلون الهيمنة لمسميات أخرى، وإن سيطرت على المساجد، في طول البلاد وعرضها .

ثانيا : لماذا يقبل الليبيون الصوفية دون غيرها ؟ فهؤلاء لايتدخلون في شؤون أحد، ولا يزعجون أحد من الناس، في مساجدهم، ولايكفرون أحد أبدًا، والأصل هو عرض الدين للناس، وليس إلزامهم، فالله يهدي من يشاء إلى الحق، والطريق المستقيم.

ثالثا : أن المشهد في بلادنا مرتبك، فالحكومة المؤقتة تعلن العطلة الرسمية تكريمًا للمولد النبوي، وهيئة أوقافها تعلن أنه بدعة، وتصل حد تكفير الناس، وملاعنتهم .

رابعا : أن المسألة تسع الجميع، لما لديهم من أدلة، وبعض الفقهاء حاول أن يجمع بين الأدلة، ولكن التعنت سيد المشهد، ومن المسلمات في الفقه أنه لا يلغي اجتهاد اجتهاد، ما وجد الدليل .

خامسا : لابد أن يدرك الجميع أن ليبيا تقع في المغرب العربي، ومذهبها الفقهي هو المالكي، وعقيدتها أشعرية، وطابعها الديني هو التدين ذي الطابع الصوفي الهادئ، ولا شك أن السنوسية، والأسمرية، والزروقية وهي صوفية المنهج، هي جزء من تاريخنا، وقد يصاحب ذلك بعض البدع، ولكن يجب أن نسعى لأن يتخلص المجتمع منها، وقد تخلص مجتمعنا من كثير من البدع، فقد كنا نذهب ونحن صغار، مع أهلنا للذبح عند سيدي مرعي، ويذهب البعض ويتحمل مشقة السفر إلى سيدي عبد السلام الأسمر، وكنا نكتب التمائم للمواليد، ونكتب للمحبة والقبول، عند سيدي الشيخ في جامعنا، فتلك عادات اندثرت، بفعل تطور المجتمع وازدياد تعليمه وتربيته، فبعض العادات وحتى البدع، يجب عدم مواجهتها بصلف، وكبر، وتجهيل، وتكفير للناس، إذ يكفي تصغيرها، وتجاهلها، وعدم فتح ساحات للجدل العقيم لأجلها، ويجب أن نعمل على المدى البعيد على اندثارها. سادسا : الناس تعاني من أزمات، وقلق نفسي، ألا يكفي شعورهم بالإحباط، وفقدان الأمل بالمستقبل المجهول لهم، ولأبنائهم، ولعل تركهم وشأنهم، لمن لا يستطيع أن يحل مشاكلهم، خدمة لهم، وعدم تشتيت الجهود، التي نحتاجها اليوم، لدعم التسامح، والتآزر، ونبذ الخلاف.

سابعا : إن خروج الناس للاحتفال بالمولد النبوي، هو احتجاج مدني، على محاولة فرض توجهات مجموعات معينة، تعمل على مصادرة الدين، وترفض أراء فقهية أخرى، وذلك يذكرنا بخروج أهل بنغازي في مواجهة ما يسمى بأنصار الشريعة، وهتافهم ” ليش ليش نحن بنغازي مش قريش “.

ثامنا : إن هذا الدين، لن يقوم إلا بما قام به، عند بداية الدعوة، وهو الموعظة الحسنة، والقدوة الصالحة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا